عيد الأضحى خلف قضبان الألم

محمد داود المهاجر

 

جاء العيد وعمّ أرجاء الأرض من أدناها إلى أقصاها، شرقًا وغربًا، شمالا وجنوبًا، ودبّ في المسلمين الفرح والسرور والبهجة والحبور، وأزال الهموم والغموم، وأشاع فيهم سلامًا سلامًا.

واستقبل المسلمون في كل مكان، في القرى والبلدان والخنادق وخطوط النّار من هذا الضيف الكريم، ونسوا آلامهم وأوجاعهم في بلاد الشهداء لأيام.

أجل؛ هنالك من كانوا منسيين، نسيهم المسلمون وهم كانوا يعانون بحارًا من الهموم والغموم، إلا أنهم راحوا لاستقبال هذه العيد السعيد. استقبلوا من العيد بالشفاه الذُّبّل.

هؤلاء الأبطال كانوا أشاوس ترتعد منهم فرائص الأعداء، والآن هم خلف الأسوار والسجون، وتبدلت أيامهم من أيام هناء إلى أيام الاختبارات والصعوبات والتكاليف، كي تصقل معادنهم لأمور مهمة أخرى، وهؤلاء هم الأسرى الذين يقضون أيامهم بعيدًا عن الأهل والوطن، وذنبهم أنهم قاوموا المحتلين ووقفوا أمامهم.

وعندما جاء العيد لبس الأسرى ملابسهم الجديدة، وأنشدوا أهازيجهم الحارة المسبلة للدموع، ونثروا سحر الكلام بين الأصدقاء والزملاء استقبالا للعيد السعيد.

ولا يظهر الأسرى من أنفسهم خورًا أو ضعفًا أو همًّا، بل يقضون أيامهم ببرامج عالية، ويمازحون إخوانهم بفرح وسرور لا يشعر أحد بأنهم وراء قضبان الألم.

يتردد الأسرى من غرفة إلى غرفة لزيارة الزملاء والخلان، والموائد الملوّنة مبسوطة في كل غرفة وكلهم يتبادلون التهنئات وأفضل التبريكات وكأنهم أبناء أبٍ واحدٍ، ولا تقل محبتهم من محبة إخوانهم النسبي بل هي أكثر من ذلك، وفحوى حديثهم عن الجهاد والاستشهاد في سبيل الله.

وفي عيد الأضحى العام الجاري، ذُبحت زهاء 100 بقرة وغنم من قبل الإمارة الإسلامية للأسرى، فوُزّعت لحومها بين مجاهدي بلتشرخي، مما زاد في فرحهم وسرورهم.

وكما تعرفون بأنّ الإدارة العميلة تشي بالجمود في حق الأسرى، ولا يُهيئ لهم الطعام النظيف، فيضطر الأسرى كي ينفقوا من أموالهم كي يشتروا لأنفسهم بعض الطعام.

وفي العيد يشترون بعض الكعك، والعصير والفواكه والمكسرات لضيوفهم، ويلوّنون بها موائدهم. ومن الأسرى يعانون العوز من قبل الأسرة، فلا منفق عليهم فيضطرّ هؤلاء الأسرى للعمل في السجن كي يجدوا موردًا ضئيلًا ويرسلوه لعوائلهم، وهكذا يُحرمون في السجن من التعلم أو التلمّذ أمام الأساتذة والشيوخ.

وبالجملة إنّ أفراح السجن ليست أقل إن لم تكن أكثر من خارج السجن، وإنْ كانوا يعانون النكال واستشهد عدد كبيرٌ منهم في السجن كما شاهدنا في رمضان العام الماضي، إلا أنّ صبرهم وصمودهم ويقينهم الجازم بأنّ الله يجزي الصابرين، ويرضون بقضاء الله وقدره وهذه الأمور تزيل عنهم الهمّ والغم ونكد العيش.