شهداءنا الابطال – مجلة الصمود العدد 81

﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ (الأحزاب- 22\23)
الشهيد الذي اغتبط به مدی عمري

الله أكبر الله أكبر كلّما صاح المجاهد وزمجر، الله أكبر الله أكبر كلما ناضل الفدائي وفجّر، الله أكبر الله أكبر عندما یهزم الصلیب ویقهر، الله أكبر الله أكبر عدد ما سال دم الشهید وسطّر..
أما بعد:
لو كان أيّ فردٍ من الأفغان یباهي ویفتخر بتقدیم شهیدٍ لبناء الهیكل الحكومة الإسلامیة فإني افتخر بتقدیمنا شاباً متحمّساً في هذا الدرب وهو الشهید – كما نحسبه والله حسیبه – محمد إسماعیل رحمه الله.
فإن حیاة هذا الشهید العبقري الفذّ تحتوي في طیاتها من الإقبال والإدبار الذي ربما سیبقی عظة لمن یتعظ وعبرة لمن یعتبر.
ولقد أبصر الشهید رحمه الله تعالی النور 1987م، وقضی طفولته ككثیر من الأطفال في أحضان المدارس الحكومیة، ومكث هنالك فترة من الزمن یكسب العلوم.
ولما یفع ترك الدراسة وأخذ طریق غیر الملتزمین بالأحكام، لا یبالي بالصلوات ولا بالصیام أو أي حكم آخر.
یا لیته یبقی إلی هذا الحدّ، لكنه وصل إلی حدّ لا ینبغي لنا أن نفشي سرّه إلا أن هنالك حكمة تحفزنا أن نلمم إلیها إلماماً

حتی یكون قدوة لبقیة التائهین في بیداء الغفلة والمعاصي، وغارقین في المنهیّات والذنوب.
عوداً إلی البدء إنّ القائد إسماعیل رحمه الله یغرق في المعاصي والذنوب حتی یتعب منها طالما نجترئ بأن نقول لم یدع باباً للذنب ومعصیة الربّ إلا وهو قد طرقه، حتی رحم الله علیه ونجاه من الظلمات إلی النور وذلك فضلاً منه ورحمة ومنّة، وأراد الله سبحانه وتعالی أن یبیّن للناس بأن الرشد والهدایة بید الله سبحانه وتعالی وكذلك الغي والضلالة، فلا العابد یغترّ بعبادته وكثرتها ولا العاصي یخیّب رجائه عن دربه؛ بل یلزم علی الجمیع أن یتوبوا إلی جنابه ویعیشوا بین الخوف والرجاء.
أجل؛ یتعب الرجل من المعاصي، ویعتم علیه الحیاة، وتنغص ففي یوم من الأیام یشاجر مع عائلته، فیخرج عن بیته مغضباً محمرة وجنتاه، فیراه شیخ كبیر في السنّ ویقرأ في جبینه العبوس والتقطّب والهموم والغموم، فیأخذ بیده ویلطف به ویهدهده كما تهدهد الأمّ طفلها، وهذا شأن الداعي الفذّ في سبیل الله، الذي ألهمه الله سبحانه وتعالی أن یدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فیقول له أراك تعباناً هیّا معي حتی أعرف ما نزل بك.
فههنا نفقه حقیقةً بأنه كیف القلوب بین أصبعي الرحمن حتی یقلبه كیف شاء، فیبادر بالإجابة ویذهب معه في غرفته التي كانت في باحة مسجده، مع أنّ هذا الشاب لا یذكر آخر تعهده بهذا المسجد یوماً ما.
فیكرمه هذا الشیخ الكبیر، ثمّ بعدما یقلع عنه همومه یدعوه بلحن الدّاعي الذي یحترق قلبه له ویلتمس منه : حبیبي لو تخرج معنا ثلاثة أیام فقط في سبیل الله كی تری ومضة الحیاة وبریقها وسعادتها التي ربما طوي بساطها عن وجودك، ولكي تتعرف بأحكام الصلوة، وسائر الأعمال الشرعیة…!
فیقبل الفتی، ویخرج معه بنیة ثلاثة أیام فحسب، فسبحان الله.. یتأثر الشاب، ویشكر الله بأنه لم یسقط في النار التي كان علی شفا منها، ثم یخرج أربعة شهور وهكذا ینذر بعمره كله في سبیل الله.
وقد قصّ لي أهل بیته بأنّ الشهید رحمه الله تعالی بعدما التزم عزف عن الدنیا الدنیئة، وحطامها الزائفة، فأخذ یزهد عن الدنیا أیما زهد، لایلبس لباساً جدیداً، و لا حذاءً حدیثاً، یستیقظ في الثلث الأخیر ویبكي بكاءً شدیداً، ویتململ كالسلیم حسرة وندامةً علی ما فات من عمره في معصیة الإله.
فشابّ التائه الأمس صار داعیاً كبیراً لایعرف الملل والتعب، یدعو الشباب، وبدأ یقلّب الكتب الدینیة حتی یعثر علی أفضل الأعمال كي یتقرب بها إلی الله سبحانه وتعالی حتی یجاوز عن سیئاته.
حتی أهدي إلیه كتاب ” فضائل جهاد” ترجمة كتاب مشارع الأشواق للعلامة الشهید النّحاس رحمه الله، الذي ترجمه جناح الإعلامي للإمارة الإسلامیة باللغة الفارسیة.
ولمّا بدأ مطالعة هذا الكتاب أخذ بمجامع قلبه حتی تسرّب بسویداء قلبه، وشغف به، فالتمس درب الجهاد حتی وجد من أرشده إلی “برافشة”، فحزم حقائبه نحو برافشة…
فلمّا فرغ من التدریب سئل الأمراء أین غرفة من یحبهم الله سبحانه وتعالی ویضحك منهم عند التقاء الصفین، الذین بتتوا الدنیا بزخارفها ثلاثاً ویقاتلون حتی الموت، أعني الاستشهادیین.
فمكث فترة طویلة في غرفة المتفجرات یتعلم ترتيب السیارات الاستشهادیة والأحزمة الناسفة، ثم أرسلوه إلی هدفه ولكن لم تساعد له الظروف حتی ینفذ عملیته البطولیة، وبعد مدّةٍ أرسلوه إلی زرنج مركز ولایة نیمروز یرتب للإخوة الاستشهادیین أمورهم وینسّق لهم.
و قد كان من حذاقته أنه استهدف في بدء الأمر بعد ما خطط خُططةً دقیقةً علی الأمریكیین أرسل ابن خالته الذي كان لایفارق عنه وظنه الإخوة الذین كانوا في برافشة أنهما أخوین واشتهر هنالك كذا بأنّ اسماعیل وخالد أخوین، فأرسل إسماعیلُ خالداً الذي سجّل اسمه من قبل في قائمة الاستشهادیین، فدكهم دكاً وهزهم هزاً لم یكن یخطر ببال الأعداء أنه ستلحق بهم في یومٍ ما هذه الخسارة الفادحة أصلاً، وكانت العملیة مصادفة بیوم التاسع والعشرین من إبریل عام 2012م.
ولقد قال لي الشهید محمد إسماعیل رحمه الله : أردت أن أصوّر من حبیبي خالد رحمه الله عندما ینفذ عملیته وكنت قریبا منه جداً نحو أربعین متراً وعندما أتی جنود الأمریكان وكان معهم العملاء، وعندما تقرر بین سیارتین من الأمریكان فجّر حزامه الناسف، و مزّقهم كلّ ممزقٍ ومن شدّة الانفجار دوّخ رأسي حتی نسیت أن أضغط زرّ الذخیرة للجوال عندما كنت أصوّر فضاع منّا فلم تنفیذه.
وقد قتل في هذه الغزوة المباركة زهاء 16 علج أمیركي فلله الفضل والمنّة، ولكنهم غطوا عن هذا العمل البطولي الفذّ، وأعلنوا عبر وسائل الإعلام بأنه قد قتل في هذه الغزوة جنديّ أمریكي واحد، وجرح أربع آخرون.
ثم لم یزل كان الشهید علی قدم وساق یخطط علی الأعداء حتی أحسّوا به، ففي یوم من الأیام عندما كان هو وصدیق آخر له یجولان في البلد علی الدراجة الناریة أوقفهم العملاء لكنهما لاذا بالفرار حتی ابتعدا منهم، ولكن مع الأسف یسقطون في حفرة فكسرت عظام فكیه، فلم یكن بوسعه أن یتكلم، فرجع من زرنج للعلاج، ومكث مدة لاباس بها في المستشفی.
ثم أتوا به في بیته فزرناه مراراً لایتكلم إلا بالإشارة أو بالكتابة نظراً إلی ما كان الجراح عمیقة لتكون له في نهایة المطاف عندما یقف لدی ربه سبحانه وتعالی: اللون لون الدم، والریح ریح المسك.
فأوصاه الدكتور علیك بأن لاتتكلم ثلاث شهور، ولاتخرق خیوط فمك، فكنت أوصیه عندما أزوره لكنه لم یمكث شهراً إلا وخرق الخیوط من فمه ثم اتصل بالأمیر، وقال أنا عافاني الله سبحانه وتعالی، وأقدر أن أذهب إلی زرنج فأرسلني.
وفي یوم من الأیام ألقی طرفه إلی أمه وقال لها أنا متأكد بأنّ دعواتك هي التي أخرت عني الشهادة، وأرجعتني إلی البیت فلا تدعین بعد كذا؛ بل أدعي الله سبحانه وتعالی أن یرزقني الشهادة.
فذهب البطل كي یخطط عملیة نادرة إلا أن العملاء أحسّوا به، فحاصروه في بیته الذي كان في زرنج وذلك في لیلة السابع والعشرین من شهر رمضان المبارك عام 1433هـ.ق، فتبادل النیران بین الجانبین، وقتل منهم الكثیر ثم ضمّخ الثری بدمائه الزكیة.فرحم الله شهیدنا وأسكنه فسیح جناته وأبدل الأمة بخیر منه.
تری هل كان یدور بخلد ذلك الشیخ الضعیف الهرم الذي نصحه أنّ هذا الرجل الغافل سیعمل هذه الأعمال البطولیة التي نفتخر بها مدی الزمن؟؟
هل كان یظنّ بأنه سیصیر علی الدرب ویكون من القابضین علی الجمر في حینٍ یعیش أقرانه في التیه والضلال إلا من رحم ربي؟؟؟
فههنا ذكرت كلمة الأستاذ محمد الحسني الندوي رحمه الله التي كانت بعنوان: دعوا الأسد یستیقظ! فأحببت أن نستفید منها جمیعاً لأجل هذا أنقلها إلیكم.
إنه رحمه الله یقول:
إن في أمتنا أبطالاً، وفتیاناً لا یبالون بالموت، ویستطیعون أن یأتوا بالعجائب، ویحقّقوا في أیام وأسابیع ما لا تحققه الحكومات، والعساكر، والجنود في شهور وأعوام، وإنّ الأمة العربیة المؤمنة بوجهٍ خاصٍّ لم تزل ولوداً ناتقاً، تقدّم إلی أجیالها أبناءً بررةً، وشباباً أكفَّاء، وفتیة آمنوا بربهم وزدناهم هدی ولدیها رصیدٌ لكل جدب فكري، ومددٌ لكل وقت عصیب، ورصیدٌ ضخمٌ من إیمانٍ قوي عمیقٍ تغلغل في أحشائها ، واستقر في سویدائها، وخزانٌ هائل من الحبّ والعاطفة، والولاء والوفاء، والتضحیة والفداء، تقدر به التغلب علی جمیع أزماتها ومحنها، وفضّ جمیع مشكلاتها ومعضلاتها.
وهؤلاء الفتیان الشجعان لایبغون السلاح، ولایبغون المال، ولایبغون كراسي الحكم، وعرش القیادة، إنّهم یریدون شیئاً واحداً.
یریدون أن یخلّی لهم الطریق..!
یریدون أن لا یعاملوا كالأجانب..!
یریدون أن لا تكبل أرجلهم بالسلاسل، وألا توضع في أعناقهم الأغلال!
یریدون ألا تخاف منهم الحكومات، ولا تراقبهم المخابرات.
إنهم یریدون أن یقاتلوا تحت راية الإسلام، تحت راية محمد علیه الصلاة والسلام، یقاتلوا بالوعد الإلهي وشوقاً إلی الجنّة، وابتغاءً للمغفرة والرضوان، ورضاً للرحمن، لا للجاه والسلطان.
هذه المجموعة الكریمة هي طاقة هذه الأمة الأصیلة، وهي الطاقة التي لا تزال یخاف منها الصلیبیون الجدد، والقراصنة الیهود، إنهم یفرقون من عودة هذه «الطاعة الكریمة» في أعصاب الأمة، بل یذعرون من اكتشافها والإشارة إلیها، والتنویه بها وإثارتها.
إنّ هذه الطاقة كأسدٍ نائم اجتمعت حوله الثعالب، والكلاب، والذئاب، فإذا كان في صالح الأعداء ألا یوقظ هذا الأسد النائم، فهل هو في صالحنا كذلك ألا نوقظه، وإذا كان من الطبیعيّ الجائز للعدو أن یخافه، فهل من الطبیعيّ الجائز لنا أن نخافه، ونخاف یقظته وعودته؟
إنّ الیهود ومن وراءهم من الصلیبیین الحاقدین لم یحققوا انتصاراً حقیقیاً، ولم یقوموا بشيءٍ كبیر عظیم كما أوهموا بعض الانهزامیین، وضعاف الإیمان في شرقنا العربيّ إنهم اغتنموا هذه الفرصة – فرصة نوم الأسد – كالذئاب، والثعالب، والكلاب، والقردة، والخنازیر، فظلّوا یتقلّبون في الغابة الخالیة عن ملكها النائم، وظنّوا أنّهم هزموا الأسد، وقصموا ظهره، وأدّبوه تأدیباً بلیغاً لن ینساه.
هذا طبیعيٌّ، وجائز، ومعقولٌ بالنسبة إلی الحیوانات الصغیرة التي لا تداني الأسد، ولا تستطیع أن تفكر – مهما قامت،
وقعدت، وتقلّبت في أطراف الغابة الخالیة،
ومهما دلفت في الأنهار، وقفزت علی الأشجار – فوق هذا المستوی من التفكیر، فهل من المعقول المفهوم، وهل من الجائز أن نضمّ صوتنا إلی هذه الأصوات، ونؤمن مع هذه الحیوانات بأنها هزمت الأسد في واقع الأمر، وعاقبته عقاباً شدیداً لن ینساه أبد الدهر؟
إنّ الیهود لم ینتصروا علی الشعب العربي المؤمن، ولكنهم استغلوا فرصة نومه، وسباته العمیق.
إنهم رأوا أنّ «القوة الأصیلة» التي جربوها مراراً وتكراراً في التاریخ، وجرّبوها قبل النكبة في فلسطین، مكبولة مغلولةٌ، وضعت في قفص الاتهام، وأقصیت عن المیدان، وضاقت علیها الأرض بما رحبت، وأصبحت تعامل كالأجانب والعملاء، ورأوا المكان خالیاً من هذا الطراز الرفیع، الطراز الأول من الفتیان الذین یقاتلون للشهادة، وعیش الآخرة، والالتحاق بركب النبیین، والصدّیقین، والشهداء، والصّالحین، وحسن أولئك رفیقاً، فاستغلوا هذه الفرصة، واصطادوا في الماء العكر، وتظاهروا ببطولاتهم الزائغة الخارقة.
إنّ عنصر الإیمان وعنصر الجهاد في سبیل الله، لایزال یملك الموقف، ویضمن الانتصار، ویتكفّل الفتح إذا سمح له بالبروز في المیدان، والظهور علی المسرح والخوض في المعركة، وإنه وحده طریق النصر مهما هذی المحمومون، ومرضی الشذوذ العقليّ والجنون، ومهما تردد المرتابون، وشك المذبذبون.
إنّ كثیراً من الشبان وراء القضبان، وخارج القضبان ینتظرون أن یسمح لهم بالدخول في هذه المعركة، دخولهم في المعركة معناه یقظة الأسد.
وإنّه لا یستیقظ ولا یفیق من نومه العمیق بالأسلحة المستوردة، والمناورات السیاسیة، والمفاجآت الدبلوماسیة، بل بالفتیان الذین یعشقون الموت؛ كما یعشق الیهود والمشركون الحیاة.
بالفتیان الذین یتمنون الشهادة في سبیل الله ، ویعتبرونها أسمی أمانیهم، أو أحلی أحلامهم، وغایة حیاتهم.
إنّ هذا العنصر، هو العنصر الوحید الذي یخاف منه الیهود،
والسوفییت، والأمریكان.
ذلك هو الأسد الیقظ الهصور الذي یخاف منه الجمیع، ویحترمه الجمیع، الأسد الذي كان یوقف له قرع الأجراس في الكنائس، وكان البحر المتوسط عنده كبحیرة عثمانیة لایدنو منه أجنبي، وكانت أوربة كلها ترتعد منه فرقاً.
أمّا هذا الأسد النائم فهو لا یستطیع أن یدفع عنه الذباب مادام نائماً یغُطّ في نومه العمیق.
إننا لا نحتاج إلی مدد خارجي، وتأیید دولي، وكسب الأصدقاء، وشراء الأسلحة، إننا في حاجة فحسب إلی إیقاظ هذا الأسد لیملي كلمته، ویعید كرامته، ویسترد مكانته، وینقشع هذا الضباب الكثیف من الضعف والیأس والوهن والشبهات، والفوضی والتحلل الذي تلبّد به جوّ العالم العربي. {الإسلام الممتحن ص:332- 335}.
وفي الأخیر: أری أن أذكر نبذة من وصیة الشهید رحمه الله وهي:
{ الحمد لله وكفی، والصلاة، والسلام علی عباده الذین اصطفی:
نعم؛ إن الموت حقیقة لابد أن یذوقه كل امرئٍ، سواء كان ملكاً أم سائلاً یتكفف، أو كان ملائكة أم نبیاً، كلهم حتی عزرائیل لابد أن یذوق طعم الموت.
إذن یلزم علی المسلم أن یتأهب للموت، والحیاة بعد الموت.
إن عمر الإنسان ما هو إلا بضع أیام تنتهي وتفنی، ولكن في المقابل حیاة أبدیة خالدة لا تنتهي، فمالنا نعدم عمرنا لأجل حطام دنیا الزائفة التي لا قیمة لها لدی الربّ كجناح بعوض…
ولقد عزمت علی أن أتوب من جمیع سیآتي، وأسلّم نفسي لله سبحانه وتعالی وأفدي بنفسي لدینه، وأؤدّي مهمّتی تجاه ذروة سنام الإسلام ألا وهو الجهاد في سبیل الله.
وأضحي بنفسي التي هي أمانة لدي لعل الله یرزقني الشهادة، حتی أنال من الدرجات التي وعد بها الشهید.
واعلموا أن الجهاد فرض عین في هذه الظروف، فعلینا أن نتمسك به.
كما أنني أرجوكم أن تدعوا لي بالخیر ویرزقني الله الشهادة
في سبیله.
أرجو من أمي وأبي وإخواني وأخواتي أن یعفوا حقوقهم لي، وأرجوكم أن تستبشروا خیراً إن نعیتم بشهادتي، واشكروا الله ولا تسوء الظن بالمجاهدین.
وأرجوكم أن تطالعوا كتاب “فضائل جهاد” حتی تتجلی لكم الحقائق.
هذا وأرجو لقاءكم في الجنة إن شاء الله.


الشهید أبوطلحة أنوشیروان البلوشي رحمه الله

ولد الشهید أبوطلحة أنوشیروان البلوشي عام 1359هـ.ش، في عائلة بلوشیة عریقة، و دخل المدارس الحكومیة عندما كان عمره سبع سنوات، حتی تحصّل علی البكالوریوس بجهد وعناء بالغین.
ثم بعد ذلك أخذ یعلم أبناء المسلمین العلم، ویكافح الجهل.
كان أبوطلحه رحمه الله شاباً بطلاً شجاعاً، وكان ذا خلق مثالي فذٍّ.
كما أنّ الهشاشة والبشاشة لا تفارقان عن محیاه، ویحبّ المزاح مع أقرانه، وكل من صاحبه لم یكن یمل أو یتعب منه.
فكان رحمه الله ذا سمات نبیلة عالیة أبرزها برّ الوالدین والشفقة علی جمیع أفراد العائلة، ولم یكن بوسعه أن یتحمّل مكروهاً نال بأي فردٍ من عائلته، ویبذل قصاری جهده لترفیههم، وتزلیق المتاعب عن أكتافهم.
كان رحمه الله علی رغم كثیر من الشباب الذین ینسون أبویهم بعد الزواج؛ بل وكان رحمه الله یتردد كل حین إلیهم، ویقضي حاجاتهم.
وإن كان أبوطلحة رحمه الله معلّما في المدارس الحكومیة، إلا أنه كان له أواصر حارّة مع طلبة العلوم الشرعیة والعلماء، ویحبهم حباً جمیلاً، ولعله كانت هذه الأواصر سبب إلحاقه بقوافل الشهداء.
وقد تأثر رحمه الله من شهادة أخیه تأثراً عمیقاً – وقد ذكرنا صورة أخیه الوصفیة في العدد 75-، ومن ذاك الزمن بدأ یعمّق أواصره مع المجاهدین، وكان یسئل دوماً عن الجهاد والشهادة و عمّا وعد الله سبحانه وتعالی الشهداء في الجنة من النعم، وقد تسرّب حب الشهادة بسویداء قلبه.
أجل؛ كانت هذه المحبة قد أوصلته ببغیته وإلی درب المجاهدین، والصراع بین الحق والباطل.
لم یمضی عام من شهادة أخیه كاملاً حتی التحق هو بنفسه بمجاهدي الإمارة الإسلامیة علی ساحات النضال في ولایة هلمند مدیریة دیشوا وعلی ثری “برافشة”.
ولقد قضی بعض الأیام في الرّباط والجهاد مع إخوانه علی ثری برافشة، حتی قصف الأمریكان برافشة عام 1428هـ.ق، قصفاً عنیفاً في إحدی اللیالي، فاستشهد في هذا القصف مجموعة من الشباب، وكان أبو طلحة رحمه الله من ضمنهم، فإنا لله وإنا إلیه راجعون.
یقول الشیخ المولوي سعید: وقد قصّ لي بعض زملائه الذي كان معه هنالك قصة عجیبة بأنني قد كنت جالساً مع أبي طلحة وبعض الإخوة الآخرین قبل القصف بیوم وكنّا نتكلم عن الجنّة والشهادة، فنظر أبوطلحة إليّ وقال لي: هیّا عاهدني إن استشهدتَ فاشفع لي عند الله، فقلت له كذلك: عاهدني لو أنت استشهدت بأن تشفع لي، فلم یمض كثیر من الوقت حتی التحق بأخیه وقوافل الشهداء بإذن الله.
أمّا النكتة الهامّة التي أثارت إعجاب الآخرین، هي صبر أبویه، اللذین قدّما قبل سنة فلذة كبدهما في سبیل الله، ثم بعد سنة قدّما ابنا آخر، فلما نعیا عن استشهاد ابنهما الآخر لم یجزعا؛ بل قالا – صابرین محتسبین من الله الأجر والثواب -: إنا لله وإنا إلیه راجعون.
وأذكر بأننا ذهبنا في یوم من الأیام لزیارة أبیه، فقال لأحد الإخوة الحمد لله قد استشهد لي ابنين في سبیل الله، وبقي إبن آخر لو أردتم بأن تذهبوا به لا بأس اذهبوا به، فإنكم ما تذهبون به في مكان رديء بل تذهبون به في سبیل الله.
فقال له الإخوة: تقبل الله منك یا أبانا تضحیاتك في سبیل الله.