أدلة على فشل استراتيجية ترامب

خالد افغان زوى

 

قبل بضعة أشهر أعلن الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” إستراتيجيته بشأن أفغانستان وجنوب آسيا على حد تعبيره، مصحوبة بمناورة وهالة إعلامية ضخمة، استمر التصفيق لها والإشادة بها عدة أيام في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، كما رُحب بالتحليلات والتكهنات في الصحف الدولية الشهيرة، واستقبلها مؤيدوا الحرب والتواجد الأمريكي المسلح في أفغانستان، واعتبروها طريقا أمثل لمواجهة الإرهاب وتحقيق الأغراض الأمريكية على حد وصفهم.

ولكن مرت بضعة أشهر على استراتيجية “ترامب” الدموية، فتعالوا لنخرج ساعة من عالم الخيال والافتراضيات وننظر إلى عالم الحقائق والواقعيات، لنعرف كيف تسير استراتيجية “ترامب” على أرض الواقع؟

هل ألحقت الهزيمة بطالبان؟ أم تسببت بإلحاق الهزيمة بالحكومة الأفغانية؟

هل كسبت أمريكا بسببها السمعة الطيبة، أم ألحقت بها العار وشوهت اسمها؟

هل استقبلها شعب أفغانستان أم قاموا برفضها ولعنها؟

وهل غيرت أوضاع الحرب في أفغانستان، أم أوصلتهم إلى حالة غير مرضية تنذر بعواقب وخيمة لهم؟

ولتقييم استراتيجية “ترامب” في هذا المقال المختصر نضع عدة شواخص ثم نضع على محكها استراتيجية “ترامب” الحربية وسياساته الدموية.

 

أولا: أوضاع الحرب

لقد زعم “ترامب” أن أوضاع الحرب في أفغانستان سوف تتبدل فور إعلانه لإستراتيجيته الجديدة، وستُقهَر الطالبان، وستتحول القوات الحكومية الموالية للاحتلال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم.

ولكننا نشاهد اليوم أن أوضاع الحرب صارت قاسية وصعبة لحكومة أشرف غاني، وارتفعت وتيرة خسائر جنودها، وقد أيدت وسائل الإعلام الأسبوع الماضي مقتل 150 من الجنود الأفغان في هجمات طالبان، وتشير الإحصائيات إلى أن معنويات الجنود الحكومية محطمة ومنهارة للغاية، حيث شوهد في مختلف ساحات البلد أن عددا ضئيلا من مهاجمي طالبان هاجموا قواعد وثكنات الجيش والشرطة وأردوا العشرات منهم قتلى، في حين تسلمت الحكومة 6 مقاتلات إف 16 وفق استراتيجية “ترامب” الجديدة ليصبح عددها من 12 إلى 18 في قاعدة باغرام، ناهيك عن تحليق طائرات بدون طيار في سماء أفغانستان ليلا ونهارا، ولكن تحليق الطائرات المكثف وقصفها المتوالي لم يرح الجنود العملاء، بل اشتدت الحرب أكثر من أي وقت مضى، والطالبان يواصلون كفاحهم ضد جنود الاحتلال بمعنويات عالية ودقة متناهية وطريقة مؤثرة وعزيمة قاهرة.

 

ثانيا: السيطرة على المناطق

بعد إعلان “ترامب” لاستراتيجيته قالت قيادة القوات الخارجية في أفغانستان: إنهم سيبدأون هجماتهم ضد طالبان في مناطق أفغانستان النائية، وستفقد طالبان السيطرة على كثير من المناطق، وتشير الإحصائيات المحايدة حول سيطرة فريقي الصراع على الأرض أن طالبان تسيطر على أكثر من نصف مساحة أفغانستان.

مع أن الأمريكيين كثفوا غاراتهم الجوية في الأشهر الأخيرة، لكن ليس لهم أي إنجاز في استعادة المناطق من أيدي المجاهدين، وبالمقابل بسطت طالبان نفوذها على بعض المناطق بالكامل، لبعض منها أهمية استراتيجية كبرى، كمديرية “معروف” في ولاية “قندهار”، ومديرية “شيبكوه” في مقاطعة “فراه”، ومنطقة “ميرزاولنج”، ومديرية “أندرو” بولاية “غزنة” إلا مركزها وشيك السقوط بأيدي المجاهدين. وإضافة إلى ذلك استطاعت طالبان الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها، وصدوا في مختلف المناطق هجمات المحتلين والجيش الحكومي، وصمدوا أمام القصف الجوي المكثف. ويتضح من هنا أن استراتيجية “ترامب” فشلت أيضا في استعادة المناطق من سيطرة المجاهدين، ولا تبدو في الأفق ملامح نجاحها.

 

ثالثا: الحاضنة الشعبية

لقد أثبتت التجارب أن العامل الأقوى والأكثر تأثيرا لترجيح كفتك على خصمك هو الدعم العشبي، وتظهر التحقيقات أن سر ثبات طالبان المستضعفين واستمرارهم في كفاحهم ضد قوى الاستكبار العالمية، هو أن الكثير من شعب أفغانستان يدعمهم ويؤازرهم، ويعتبرونهم ممثليهم الحقيقيين الساعين لتحقيق طموحاتهم.

على الرغم من اشتداد الحملة الإعلامية ضد طالبان بعد استراتيجية “ترامب” تشويها لصورة هذه الجماعة لدى الشعب وتنفيرا للناس عنهم، ليتخلوا عن نصرتها وتأييدها، إلا أننا نشاهد في الآونة الأخيرة زيادة كره الشعب الأفغاني للمحتلين بسبب الغارات الجوية، والمداهمات الليلية، والقصف والقتل، ووصل الشعب إلى هذه النتيجة: أن الأمريكيين محتلون، قتلة متجاوزون، ومجاهدوا الطالبان هم المدافعون الحماة لشعبهم وعزهم وأرضهم.

ونشاهد في الأشهر الأخيرة أن عامة الأفغان يخرجون في تظاهرات ضد الغارات الجوية والمجازر التي ترتكبها أمريكا في أفغانستان يوميا، وبالعكس في مناطق طالبان اقترب الشعب منهم لتحقيقهم للأمن في مناطق سيطرتهم وحمايتهم لها وسعيهم لإعادة الإعمار فيها، وموقفهم الصارم تجاه المفسدين الأشرار، وهذا هو دليل على انتصاراتهم الأخيرة المذهلة.

 

رابعا: على المستوى المحلي والدولي

بدا واضحاً على مستوى المنطقة والعالم أن طالبان بدأوا يخرجون من الإنعزال السياسي السابق، والقوى الكبرى على مستوى المنطقة ترى مقاومة الشعب الأفغاني ضد سياسات أمريكا الحربية مقاومة شرعية، وقد تمكنت طالبان ببركة سياستها الناجحة والحكيمة من طمأنة عدد من معارضيها دون المساومة على المبادئ والتنازل عن معتقداتها، فتغيرت أفكارهم حول حرب أفغانستان، فالصين وروسيا والدول الكثيرة الأخرى التي كان لها موقفا عدائيا تجاه طالبان من قبل، صارت الآن تدين استراتيجية “ترامب” دون سياسة طالبان، وفي الداخل أيضا جميع الأفغان يقتربون من فكرة طالبان، ويرون استراتيجية “ترامب” مؤامرة لإطالة أمد الحرب.

فإذا لم تسلب استراتيجية “ترامب” النجاح القتالي لدى طالبان، ولم تلحق بهم خسائر فادحة، ولم تستعد منهم المناطق، ولم تنجح في التفريق بينهم وبين الشعب، ولا في عزلهم على مستوى البلد والعالم، بل أصبح لديهم واجهة سياسية تسير نحو التكامل والارتقاء، يتضح من كل ذلك أن استراتيجية “ترامب” فاشلة تماما ولم تحقق أي إنجاز إلى الآن.

فينبغي على الرئيس “ترامب” وحكومته أن لا يعتبروا أفغانستان لقمة سائغة لهم، وأن لا يطمعوا في أن تهديداتهم ودعاياتهم واستفراغ قوتهم وارتكاب الجرائم الفظيعة ستثمر بحل مشكلة أفغانستان، بل عليهم أن يعيدوا النظر في سياساتهم، وأن يعتبروا من التاريخ ويستفيدوا من تجارب السنوات الماضية، وأن يدركوا الحقائق ويخضعوا لها، فإن هذه المسألة لا يمكن حلها عن طريق استخدام القوة والقصف العشوائي، بل بإنهاء الاحتلال الذي هو أم المصائب لأهل هذا البلد المنكوب.