إن الألى قد بغوا علينا

وصيل

 

حاجي بابا كهل أفغاني في الخمسينات من عمره من ساكني ولاية فارياب، مجاهد في صفوف الإمارة الإسلامية يقارع الاحتلال وعملاءه، قدم ثلاثة من أهله شهداء في سبيل الله في مداهمة لعملاء الاحتلال بينهم حفيدته الصغيرة “ملالى”، ولازال نجلاه معتقلين وراء زنازين سجون عملاء أمريكا.

وهو مثل للشجاعة والوفاء والشهامة والإباء، تجشمت لقائه لأخذ رأيه حول جرائم الاحتلال الأخيرة ولأناقشه حول المجريات الجديدة.

اغتنمت هذه الفرصة لأنقل لكم آراء المقاتل الأفغاني البسيط والتي لا تستطيع الصحف الغربية، ووسائل الإعلام العالمية والعميلة تحملها، إلا بعد تحريفها والتلاعب بها.

بعد التحية والمعانقة تبادلت معه الترحيب ففرش لي رداءه، وجلسنا نتجاذب أطراف الأحاديث.

في البداية كان حديثنا عن إستراتيجية “ترامب” وما تابعها من تكثيف الغارات الجوية، وإصرار المحتلين على استمرار الحرب.

فقلت له إن أمريكا تصر على الحرب وتتجنب تقبل الهزيمة وقد قال الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في كلمة له بمناسبة إستراتيجيته الجديدة: إنه لا بد للقوات الأمريكية أن تنتصر. فما رأيكم؟

فأجابني قائلا: على ترامب أن يعتبر بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك حلف وارسو ببركة تضحيات الشعب الأفغاني، وعليهم أن لا يغتروا بقوتهم وجبروتهم فقد أهلك الله من هو أشد منهم قوة.

إن استراتيجية الطاغية “ترامب” تركز على الحرب وقتل الشعب الأفغاني ولكن يحق لنا أن نتساءل ماذا ستجنون من قتل الشعب الأفغاني الأعزل وسفك دمائه؟ هل سترتاحون وهل سيهنأ لكم العيش إن قمتم بإبادته؟

تباً لاستراتيجيتكم التي تركز على قتل البشر وسلخهم وتدمير منازلهم وقراهم، تبا لكم أيها المتشدقون بدعاوي حقوق الإنسان، حقوق الإنسان تلعنكم، أيها المرددون لشعارات الحرية والمساواة، الحرية تبصق في وجوهكم وتعلن البراءة منكم.

كفاكم قتلا، فلقد قتلتم خلال الأعوام الماضية -وكما تقول الإحصائيات- أكثر من أربعمائة ألف من الشعب الأفغاني، الأطفال والنساء والشيوخ.

إن دماء هؤلاء الأبرياء لن تذهب سدى، إنها ستشكل كابوسا مزعجا لكم سيؤرقكم، إن آهات أيتامنا وصرخات ثكالانا وأنات أراملنا ستلاحقكم وستقض مضاجعكم.

ثم أخذ يرتجز بكلمات ابن رواحة رضي الله عنه:

إن الألى قد بغوا علينا                       إذا أرادوا فتنة أبينا

إنا إذا صيح بنا أتينا                            وبالصياح عولوا علينا

فأنزلن سكينة علينا              وثبت الأقدام إن لاقينا

استمتعت بصوته الجميل مما جدد لي النشاط، فعدت لسؤال آخر، وقلت: إن جرائم الاحتلال الأمريكي بلغت عنان السماء، جرائم تجاوزت ذروة الهمجية وقمة الوحشية، لكن رغم ذلك يتعامى العالم عنها ويرفض إدانتها، ويتغافل عن الأخذ بأيدي الظالم بل ينافق ويساعد ويبارك جرائمها مباشرة.

يا عم، لماذا العالم لا يحرك ساكنا على جرائم أمريكا بحق الشعب الأفغاني من القصف الهمجي المتكرر، وإزهاق للأرواح البريئة، وانتهاكات صارخة للمقدسات، والسعي الحثيث لإشعال فتيل الصراعات الداخلية والفتن الطائفية والمذهبية؟

فقال لي هون على نفسك يا ابن أخي، العالم منهمك في الشهوات غريق في الملذات، لا يبالي بما تعانيه الشعوب المستضعفة من الحروب والاضطهادات.

أما سمعت المثل الأفغاني الذي يقول: “تحترق الأرض التي تندلع عليها النار”، إن العالم ساكت لأنه آمن مطمئن، لم يشم عبق البارود، ولم يسمع دوي القصف ولم يشاهد شلال الدماء، إنه ساكت لأنه متواطئ مع أمريكا.

أصحاب منظمات حقوق البشر لم يحزنهم فراق أحبتهم، ولم يفجعهم بكاء أطفالهم، ولم يوقظهم دوي القنابل، لم تزعجهم المداهمات والإغتيالات، لم يخيفهم قصف الطائرات والمدافع، لم يقلقهم تحليق الطائرات و لم يهدد أمنهم الاحتلال واعتداء الآخرين.

ولكن ليعلم العالم أن الصمت الذي آثروه تجاه جرائم الاحتلال الأمريكي التي يصبها على الشعب الأفغاني على مرأى ومسمع منه هو بحد ذاته جريمة يندى لها جبين الإنسانية.

يا دعاة حقوق البشر المزعومة، لقد خلفت هذه الحرب التي شنتها أمريكا على أفغانستان المسكينة مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين، ناهيك عن أعداد كبيرة ومقلقة من الأرامل والثكالى والأيتام ممن لا مأوى لهم ولا معيل ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وليعلم العالم أن الاحتلال الأمريكي هو السبب الوحيد لديمومة الحرب واستمرار أوارها في المنطقة.

وأن العدوان الأمريكي هو العقبة الكأداء أمام إحلال السلام والإستقرار في أفغانستان.

وأن الغزو الأمريكي هو السبب لتضاعف زرع وإنتاج المخدرات في أفغانستان.

وأن الإرهاب الأمريكي يقصف و يقتل الأبرياء ويدمر منازلهم ويبيد قراهم.

وأن المافيا الأمريكية تعيث في الأرض فسادا، تنشر الفواحش والجرائم والمخدرات، وتسهل الوصول إليها.

وأن المخابرات الأمريكية تشعل فتيل الصراعات الطائفية و الفتن المذهبية في المنطقة وتزعزع أمن بلاد المسلمين وتسعى لنشر الفوضى والحروب فيها.

والله إن معظم ما تعانية الأمة الإسلامية شعوبا وحكومات من الويلات والحروب والخلافات سببها أمريكا المجرمة، ويا ليت قومي يعلمون.

وأود أن أنبه المسلمين الذين ما زالوا ينخدعون بدعايات أمريكا، والذين ما زالوا يلهثون وراءها، ويرجون النجاة بالتمسك بذيلها، بأنها ستدفعهم إلى هاوية الهلاك.

عودوا إلى رشدكم، لا تعطوا الدنية في دينكم، ثوروا في وجه الطغيان الأمريكي، ولا تخافوا من الموت، فإنها ميتة واحدة فلتكن في سبيل الله.

أيها المسلمون إن كنتم لا تعرفون وجه أمريكا القبيح فاسألوا جبال أفغانستان وصحاري العراق وفيافي اليمن وغابات الصومال لتنبئكم بجرائم هذه الدولة المجرمة الظالمة الفاجرة، اسألوا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ليقصوا عليكم نبذة من طغيانها.

وليعلم العالم أن أمريكا لا زالت تختلق الأعذار وتلفق الحجج الواهية للبقاء في أفغانستان واستمرار الحرب فيها.

ليعلم العالم أن الحرب فرضت فرضا على شعبنا وأن الأفغان فقط يدافعون عن عقيدتهم ويكافحون عن أنفسهم وعن أعراضهم وعن أموالهم ويقاتلون من اعتدى على بلدهم، ذلكم الحق الذي تضمنه لهم جميع القوانين السماوية والبشرية.

ليعلم العالم أن شعبنا الأبي الباسل يقاوم احتلالا همجيا، ويأبى الاستسلام أمام عدو لئيم، فعلى العالم أن يدعم الشعب الأفغاني في استرداد حقه من الإحتلال الأمريكي.

ورغم كل هذه المحن والشدائد ورغم هذه الغارات الجوية المكثفة نعتقد ونرى أن الجهاد المقدس والكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للنجاة من براثن الاحتلال، وثقتنا بالله عظيمة بأننا سنتمكن يوما من طرد المحتلين من بلادنا عاجلا ليس آجلا بإذن الله، وإن غدا لناظره لقريب.