ألا إنهم یبتغون الصید في عریسة الأسود!

 

عندما بدأت الفتوحات الإسلامیة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالاتساع، اتجهت الجیوش بعد فتح فارس وهزیمة یزدجرد كسری في موقعة نهاوند المشهورة – إلی خراسان ( ویعتبر الشمال الأفغاني جزءآً من خراسان) وكذلك اتجهت الجیوش إلی إقلیم سجستان ( الذي یضم المناطق الغربیة والجنوبیة في أفغانستان ) وبسطت سیطرتها علی ما یسمی بأفغانستان ( حالیاً) بین عامي 23 هـ و25هـ وأخذت الجبایة من أهالیها، كان سكان تلك المناطق یثورون في كل حین وفرصة وكلما سمعوا أخباراً عن موت خلیفة أو حدوث اضطراب في الخلافة، وفي كل مرة تأتي الجیوش المسلمة لتعید المنطقة لسیطرتها بعد تقدیم الشهداء تلو الشهداء علی قمم أفغانستان الشامخة وبقيت الحال علی هذه الكیفیة إلی زمن الخلافة العباسیة حیث أسلم الرتبیل – ملك كابول- في عهد الخلیفة المأمون وانتشر الإسلام عندئذ بین قبائل تلك المنطقة انتشاراً سریعاً وواسعاً منذ ذلك الوقت صار الشعب الأفغاني من أصلب الشعوب الإسلامیة تمسكاً بالدین الحنیف كما أنه شعب مجاهد لایقبل الذل والخضوع للكافرین.

فالشعب الأفغاني شعب التحدي والإصرار، والأفغان من الشعوب التي لاتقبل التغییر والتبدیل في عقائدها بسهولة؛ بل تنفر وتتحارب كل ما هوغریب عن تصوراتها، لذا فقد عانی المسلمون الأوائل  الأمرّین في فتوحات هذه المنطقة وبقیت أفغانستان علی وثنیتها منذ خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولغایة خلافة المأمون العباسیة حتی استطاع المسلمون إقناع الشعب بالدین الإسلامي وتحبیبه إلی نفوسهم وقلوبهم وبعد إسلام الأفغان أصبحوا من أشد الشعوب تمسكاً بالإسلام والدفاع عنه ولهم جولات رائعة وصولات ماتعة في التاریخ في بلاد الهند – وخرج منهم قادة عظماء أمثال : السلطان سبكتكین والسلطان محمود الغزنوي وأحمد شاه الأبدالي.

وصدق رسول الله صلی الله علیه وسلم:( خیاركم في الجاهلیة، خیاركم في الإسلام إذا فقهوا) رواه الشیخان عن أبي هریرة/ صحیح الجامع 6672.

وصارت أفغانستان إحدی قلاع الإسلام الأبیة ومقبر لكل من تسوّل له نفسه بغزو أفغانستان ویجرأ علی تدنیس أراضیها بجیشه وإن خورد كابول خیر شاهد علی صدق هذه الحقیقة فقد ارتوی هذا الوادي من دماء سبعة عشر ألف جندي بریطاني في ( 1839م) علی ید المجاهدین الأشاوس.

یقول الدكتور الشهید عبدالله عزام رحمه الله: إن هذا الدین قد انتصر في كل مرة بشعب خامتة طیبة وفطرته سلیمة، فانتصر أول مرة بالعرب الأمیین، وحكم الشعب التركي بإسلامه مع أمیته ربع العالم وعلی مدی خمسة قرون متتالیة.ولقد رأیت أن أصالة الشعب الأفغاني بإباء رجاله وحصانة نسائه مع الحیاء والعفة والوفاء وسلامة الجبلة تكون لمجموعها: قاعدة صلبة یمكن أن یقام علیها هذا الدین ویشاد فوقها صرحه العظیم أن الدین عند الشعب الأفغاني أصبح مع الزمن:

سلیقة ولیس تصنعاً

وطبعاً ولیس تطبعاً

ومعدنا ولیس طلاءً

وخلیقة ولیس تمثیلاً…

والتاریخ یعید نفسه في هذه الحقبة من الزمن كي یمرغ أنف أعتی عدوّ لدود علی المسلمین والعالم أجمع ألا وهي الأمیركا المتغطرسة في التراب، لأنها متمادیة في غیّها ونشوتها وسكرانها، ذهبت بلبها معادن أفغانستان، وثروات أرضنا الحبیبة، فهي مصرة علی إبقاء جنودها علی أفغانستان إلی عشر سنوات أخری.

تعس أوباما عندما لم یرحم بجنوده الذین هو بصدد بقائهم في أتون أفغانستان الملتهب، كي تعتركهم المعارك، لأننا لم نزل نشاهد الجراح نازفة من جسد القوات الصلیبیة المحتلة رغم التقوقع في الثكنات العسكریة، وعندما نحذر المحتلین ونعلو بأصواتنا كي یتركوا بلادنا لایعني هذا أنا تعبنا أو نخاف من الموت، فإن كنتم ترون موتنا هزیمة مریرة، أو ألیمة أسیفة، ولكن والله إنا نعده أقصر طریق یوصل الحبیب بحبیبه، فمعنویاتنا عالیة، وهممنا تنطح السحاب، لانعرف الكلل والملل، نری قتالكم أهنأ وأمرأ من شربتكم لكأس خمر أو لهو أو مجون؛ لأننا نؤدّي فریضة من فرائض ربنا، مثل الصلاة والصوم و…،؛ وإن كانت إقامة هذه الفریضة متثاقلة علی النفوس بدأ الأمر كالیافع الذي یستیقظ لصلاة الصبح، تثقل علی نفسه القیام من النوم للصلاة ولكن شیئاً فشیئاً یعتاد ویتلذذ حتی یستیقظ فیما بعد بنفسه للصلاة في صقیع البرد القارص، والحرّ اللاذع…

أجل؛ إن هذه الكلمات البسیطة صورة وصفیة بسیطة من هذا الشعب الأبي، فهل یستفیق المحتلون عن سباتهم ویغادرون بلادنا، أم لم یزل متمادون في غیهم ویبتغون الصید في عرّیسة الأسود؟!