أليس الصبح بقريب

بقلم زين العابدين

 

إن المصائب والبلايا لمن يريد أن يسلك سبيل الله، ويتبع الحق، وينخرط في صفوف عباد الرحمن، ويتولى عن الشيطان وجنوده، ليست أمرا غريبا؛ لأن طريق الجنة مفروش بالأشواك، ومحفوف بالمكاره، والبلايا، وهي محك الله الذي يفتن به الرجال، ويفرق به بين الحق والباطل، ويميز بين الغث والسمين، كما قال الله -تبارك وتعالى- (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون).

ولكن من سنن الله التي قد خلت من قبل أنه لا دوام للبلايا ولو اشتدت، ولا قرار لها ولو تراكمت، ولامكث لها ولو طال أمدها، وأن الصبح سيتجلى ولو امتدت ظلمات الليل، فإن مع العسر يسرا، ومع الضيق مخرجا، ومع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة، كما قال الشاعر:

 

إذا اشتدت بك البلوى *** ففكر في ألم نشرح

فإن العسر بين اليسرين *** إذا فكرته فافرح

 

وقد جرت هذه السنة في وطننا المبارك، ورأيناها بأم أعيننا حيث جاء على أهله عدوهم بعد كارثة ١١ سبتمبر من فوقهم ومن أسفلهم وعن يمينهم وعن شمالهم، وضيق عليهم الأرض بما رحبت، وهز أركان دولتهم الإسلامية، وأقام على أنقاضها دولة ديمقراطية، وقصف أبريائهم، ودمر بيوتهم، وأراق دماء أطفالهم، وهتك أعراض نسائهم، وجرب التقنيات التي اهتزت لها أفغانستان من أقصاها إلى أقصاها، وسلط عليهم مظالم مايزيد على الوصف، وكانت في أرجائها ظلمات وظلمات وظلمات.

لم يكن أبناء أفغانستان يرون بصيص أمل، ابتلاهم الله ببلايا زاغت منها الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وكان عدوهم المتغطرس في حينه “جورج بوش” يهددهم بالقضاء عليهم، ومحوهم عن الوجود، ولم يكن في أرض الله الواسعة والدول الإسلامية العديدة من يمد إليهم يد المساعدة، وازدادت الحالة سوءا عندما رجحت الممالك الإسلامية أن تقف في صف الأعداء، بعدما خيرها العدو بين أمرين أحلاهما مر، إما في صفنا (أمريكا) أو في صف الأعداء (طالبان).

فهناك ابتلي الأفغانيون، وزلزلوا زلزالا شديدا، وغربلهم الله، وميز الخبيث من الطيب، فالخبيثون لم يصمدوا في خضم تلك الملمات، وبدؤوا يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، وأهمتهم أنفسهم وأموالهم ولم يكن يهمهم دينهم أو وطنهم، فجرفهم تيار هذه الحوادث، وغرتهم الحياة الدنيا، ولم يثبتوا، ولم يصبروا، حتى انضووا في صفوف الأعداء والجبابرة. وأما الفئة المؤمنة المخلصة فكانت صامدة في بحر الظلمات اللجي، تصارع الأمواج العاتية، وتقاومها، وتتكبد المظالم التي لم تقع في الحسبان، وتضرم جذوة الجهاد والثأر في قلوب شعبها الغيور، وتذكر الأمة المسلمة، وأشبال الوطن وعد ربهم الغالب المنتقم (ولاتهنوا ولاتحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، وتعللهم بآيته المباركة: (ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون)، وتواسيهم بأن المحال دوام الحال، والدهر قلب: (تلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا منكم ويتخذ منكم شهداء) وأن الغالب القهار كل يوم هو في شأن، فلعله يحدث بعد ذلك أمرا.

إلى أن بدت ملامح النصر والفتح في أرجاء وطنهم، وأصبحت الظلمات تنقشع من الأفق، وترفرف رايات الحق في جبالهم، وعاد النظام الشرعي في قراهم، للثلة القليلة دوي وضجة، بعدما كانت أنفاسهم تحصى عليهم.

اليوم بدت ملامح النصر وغدا سيتحقق النصر، واليوم انقشعت الظلمات وغداً ستبزغ الشمس، اليوم ترفرف رايات الحق في الجبال وغدا سترفرف فوق القصر الملكي، واليوم أعيد النظام الشرعي إلى القرى وغدا سينفذ في المدن، -إن شاء الله- لأننا نؤمن بوعد الله (وليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دين لهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا).