أمير المؤمنين الملّا أختر محمد منصور العقل السياسي للإمارة الإسلامية

صارم محمود

في مثل هذا اليوم، قبل خمس سنوات، تعرّض أمير المؤمنين الملّا أختر محمد منصور -تقبله الله- ثاني أميرٍ للإمارة الإسلامية، لحملة جوّية في منطقة ريفية بين محافظتي نيمروز وهلمند، وكان عائدا من مهامّ جهادية، فاستشهد رحمه الله تحت نيران القصف، ولم يبق منه سوى أشلاء متفحمة لتبقى له شاهدة على صدقه في دربه.

كان أمير المؤمنين قدرا مقدورا جاء في صورة أختر (نجم) ساطع لينجي الإمارة الإسلامية من فتن عظيمة كان معشارها كفيل بالإطاحة بالحركات بل بالدول، لكن بعبقرية الأمير، وحنكته الجهادية، وتجرباته الوسيعة، وبصيرته وإخلاصه، لم يدع هذه الفتن لا تنال من الإمارة فحسب، بل اقتلعها من جذورها.

ومن هذه الفتن العمياء التي أقعدت الحركات، وأشعلت البلدان نارا، وأحدث شقاقا كبيرا بين التنظيمات الجهادية، بل ابتلعت بعضها؛ هي فتنة داعش، ذلك الدم السرطاني القاتل في شرائين الأمّة،

وتلك الصورة الممسوخة المشبوهة من الإسلام، المستوردة من مخابرات أمريكا، المفرّقة للجماعة، والمشتة للشمل، والمبيحة للدم المحرّم، والمكفّرة المفسّقة، والفاجرة الفاسقة، التي أعلن الأمير -بعد مساعٍ مكثفة سِلمية- الحربَ المسلّحة ضدّها حدّا من تمددها، وعملا بما قاله النبيّ صلى الله عليه وسلّم حول الخوارج:

“لئن أنا أدرکتهم لأقتلنهم قتل عاد”. حتى تمّ اقتلاع هذه الفتنة العمياء من معظم محافظات أفغانستان بطولها وعرضها، في مدة لم تكن تخطر بخلد أحد، بالنسبة إلى حجمها وكِبرها.

‏وكان الأمير أعجوبة سياسية، وعقلا استخباراتيا، وكان له مواقف عجيبة في الحفاظ على كيان الإمارة من التورّط في الأفخاخ السياسية التي حاكتها لها عقول الشرّ خلف الكواليس، وكان ذا خبرة واسعة في العلاقات السياسية، فقد نسج لطالبان شبكة واسعة من العلاقات في المنطقة والعالم، حيث يُعرَف بمهندس العلاقات الدبلوماسية، وكان وراء فتح مكتب طالبان بقطر.

وكان من خدماته الجليلة هي تسيير الإمارة الإسلامية من حركة جهادية قامت من أعماق الشعب منتظمة في الحروب لكن غير منتظمة في إدارة البلد؛ إلى إمارة توازي دولة فلها وزاراتها، ولجانها، ومؤسساتها.

مع كلّ ذلك كان أمير المؤمنين تذكارا من الملّا الكبير، ونموذجا منه، ونسخة عنه، وخلفا صالحا لسلفه الصالح، حيث بدأ دربه من حيث ختمه بلا انحراف ولا انعطاف. رحمه الله تعالى.