من مسلم أفغاني إلى مسلم فلسطيني

غلام الله الهلمندي

تخيّل أنك جالس في بيتك مع أهلك وأولادك وزوجتك، تتناول قهوتك بسعادة، فجأة يأتي أحد لا يدق عليك بابَك، بل يدخل عليك من فوق الجدار أو يكسر الباب ويدخل بكل كبرياء ومن دون إذنك، ويريد منك أن تخلي منزلك له من الفور قهرًا و ظلمًا وعدوانًا. هذا ما يحدث بالفعل في القدس المحتلة، في حي الشيخ جراح، وهذا ما حدث قبل ذلك في حيفا، في عكا، في العسقلان، في كل شبر من فلسطين المحتلة، حينما تمتنع عن إخلاء منزلك وتدافع عن نفسك وأهلك وبيتك، يقوم جبابرة الأرض بتنديدك ويستنكرون موقفك ويعتبرونك إرهابيًا مجرمًا، هذا ما يحدث في فلسطين يا أبناء أمة محمد! يا مسلمون! يا أحرار العالَم!

هكذا بالضبط فرض الكيان الإسرائيلي الغاصب سيطرته على أرض فلسطين الحبيبة، قد قامت دولة بني صهيون على أنقاض ديار المسلمين المستضعفين، على الظلم والقهر واستلاب الحقوق. قامت دولة العدو الإسرائيلي على دماء الأبرياء وآهات الثكالى وأنات اليتامى. قامت دولة بني صهيون على محرقة أهل الأرض ومذبحة المستضعفين. هكذا أعلن بنو صهيون دولتهم المزعومة.

منذ بداية الاحتلال انتفضت فلسطين بين الحين والآخر، ولكن هذه الانتفاضة المباركة تختلف تمامًا عن سابقاتها، فإن الكيل قد طفح، ولم يبق شيء مقدس للشعب الفلسطيني وللأمة جمعاء إلا وقد داسه اليهود، لم يبق لهم بيت إلا وقد دخلوه قهرًا. هذه الانتفاضة ليست كسابقاتها، إنها انتفاضة يستشم منها رائحة النصر والتحرير، رائحة السجود في ساحات المسجد الأقصى المبارك. سبحان الله… إنه فجر جديد، إنه فجر مشرّف، سيكتب بإذن الله الشباب الفلسطيني تاريخًا جديدًا شريفًا هذه المرة.

إن بشائر النصر باتت تلوح في الأفق الفلسطيني، لا شك أن الفلسطيني اليوم كما هو بالأمس مجاهد شجاع لا يلين ولا يستكين ولا يساوم ولا يُخدع كما خدع أول مرة، إن فلسطين لا تتحرر بالمفاوضات، وإنما ستتحرر بالمقاومة والصمود والجهاد في سبيل الله، دعوا العروبة والقومية والوطنية في دنياها، فالمسلمون ليسوا بحاجة لعروبة لا دين فيها ولا إسلام، دافعوا عن دين الله، دافعوا عن شريعة الرحمن، قاتلوا باسم الإسلام فقط، حتى ينصركم الله عز وجل وهو لا يعجز ولا يُقهر أبدا.

يبدو بحمد الله أن الجيل الموجود هو جيل النصر والتمكين، الواجبُ هو الثبات والاستمرار والصمود، نحن أمام جيل جبار عزم على غسل العار الذي لحق بالأمة، جيل قذف في قلوب المحتلين الرعب وحشرهم بالملاجئ، جيل تعّود على التضحيات في سبيل الدفاع عن المقدسات، تعوّد على تقديم الدماء في سبيل استعادة أرضه. هناك أب حنون يفقد أسرته بأسرها مرة واحدة، ثم يقول بكل فخر وثقة إنها فداء للأقصى. امرأة تقف أمام أنقاض بيتها وتقول بكل شموخ وفخر إنه فداء للأقصى، البيت يعوّض، أما الأقصى فلا يعوّض. شاب أثخنته الجراح والدماء قد غطت وجهه وملابسه، يرفع علامة النصر من تحت الأنقاض بعد أن ظل عالقا تحت الأنقاض لست ساعات.

الأرض أرضكم يا فرسان القدس والديار دياركم، والمزارع مزارعكم، والحقول حقولکم، قاتلوا لأجلها بكل ما لديكم من قوة. إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، إن العدو لا يكترث بالتنديدات والاستنكارات، وإنما ترتعد فرائصه مما يخرج من فوهات بنادقكم، ويهتز خوفا وهلعا من أصوات صواريخكم، كل صاروخ تطلقونه باتجاه الأعداء يقرّبكم نحو التحرير، يقرّبكم نحو بلادكم وحقوقكم ومنازلكم التي أجبرتم على إخلائها قبل عقود لأعدائكم. إن اليهود لا يعرفون سوى منطق القوة، منطق الرشقات الصاروخية، منطق ضربات الاستشهاديين. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الصاروخ، ألا إن القوة قذائف الهاون، أوجعوهم في مفاصل حياتهم الاقتصادية والعسكرية، دكوا حصونهم.
فليعرف كل فلسطيني أن لا شيء مستحيل في طريق القدس إذا توفرت الإرادة والتضحية والثقة بالذات. علّموا أولادكم أن يضحوا بكل شيء للقدس بل لكل شبر من الأراضي المحتلة، فلسطين حرة أبية مهما كانت قابعة تحت الاحتلال، شاء من شاء وأبى من أبى، إنها أرض مباركة؛ (سبحن الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) [الإسراء 1].

إن تنصروا الله ينصركم، انصروا دين الله حتى ينصركم، استمروا واثبتوا واهجموا على المحتلين بعزم قوي يجعل ساعدكم قوية، ولا أنكر فضل التفاوض ولكن إذا لم يدعم التفاوض حرب وثبات وصمود واستشهاد وعطاء فلا فائدة منه أبدا.

اصبروا وصابروا ورابطوا وقوموا صفًا واحدًا، وحّدوا صفوفكم ينصركم الله، إذا وحدتم صفوفكم ولم تثقوا بمؤتمرات الأجانب الذين يكيلون بمكيالين دومًا لصالح بني صهيون، ولم تثقوا بوعودهم الزائفة ونفاقهم وخداعهم لن يغلبكم جيش ولن تقهركم قوة. سيعود الأقصى بتضحياتكم إلى الأمة طاهرًا شامخًا منتصرًا من جديد، وسيموت أعداؤكم من الرعب، فإنّ الرعب قد تمكّن من نفوس قطاعات الكيان الغاصب، ستموت هذه الكلاب الضالة من صدى تكبيراتكم بإذن الله.

إذا كان الله معكم وإذا كان عزمكم أكيد وإرادتكم قوية فلا تبقى “القبة الحديدية” حديديةً. لا تحميهم القبة الحديدية من غضب الفرسان. إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرْحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين النّاس، لقد مضت الأيام التي فيها كان القرح يمسكم أنتم فقط، فاليوم تقتلونهم كما يقتلونكم، تقصفونهم كما يقصفونكم، توجعونهم كما يوجعونكم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون.

لا تثقوا بوعود أحد مطلقا، لا تشكوا ضعفكم وقلة حيلتكم إلا إلى الله، اقطعوا رجاءكم إلا من الله، لا تثقوا بتفاوض ليس خلفه صاروخ، ثقوا بأنفسكم فإن الثقة بالنفس بعد التوكل على الله هي الحجر الأساس في النجاح والظفر والتحرير، بل هي لبنة الصمود وطينته.
والشعب الأفغاني هو النموذج في فن الصمود وفي فن التفاوض، اقتدوا به في مقارعة المحتلين وطردهم من دياركم. إن الشبان الأفغان هم أساتذة العالَم خلال التاريخ المعاصر، علّموا الدنيا كيف يجب أن يقارَع المحتلون.