أوراق من دفتر سجين: فرحة الإفراج عن المعتقلين، وإضراب عن الطعام لبعضِ آخَرين!

محمد داود المهاجر (فك الله أسره) – مراسل مجلة الصمود من سجن بلتشرخي

في الأسابيع الأخيرة تقلبت الأمور في السجون والمعتقلات. قلّب المسجونين من صفحات حياتهم في هذه الآونة الأخيرة أوراقًا مريرة، وهكذا أوراقا مليئة بالفرح والسرور.
فمن ناحيةِ فرحةُ الإفراج عن بعض المعتقلين -وإن لم يكن موافقًا لما تم عليه الاتفاق والتوقيع في الدوحة على إطلاق سراح نحو خمسة آلاف من المحبوسين- ومن ناحية أخرى، الإضراب عن الطعام لبعض آخرَ من المحتجزين في سجن بولتشرخي لشدة الخوف من شيوع فايروس كورونا في السجن.

قبل بضعة أيام بدأت الحكومة العميلة في كابول بإطلاق سراح بعض المعتقلين من سجن قاعدة باغرام الأمريكية، حيث يبلغ عددهم نحو ثلاثمئة وستين شخصًا. لم يكن عمل الحكومة موافقا لما تم عليه الاتفاق في الدوحة، فأدى ذلك لانسحاب وفد الإمارة الإسلامية لكابولَ بعد أن وجدوا الحكومة تتقاعس وتتأخر في أمر الأسرى. لقد بدأت الحكومة العميلة بإطلاق سراح بعض المعتقلين لتبعد أنظار الأشهاد عن مماطلتها في أمر الأسرى.
رغم كل هذه المغالَطات من جانبهم، إلا أنه كان في الأسرى المفرج عنهم عشراتٌ من المجاهدين، الذين قضوا سنوات عديدة وصعبة في غياهب السجون، استنارت أعين أسرهم وأُثلجت صدورهم وانتشر الفرح والسرور في السجون والجبهات والبيوت، بين المعتقلين وأحبائهم من المؤمنين، وتعانق الآباء والأبناء، والأمهات والأبناء، وبقيت القلوب منتظرة للإفراج عن الآخَرين، ولازالوا مرتقبين المذياع والتلفاز ورنّات الهواتف والجوالات ببشرى إطلاق سراح أحبتهم وقرة أعينهم، ولكن الأمر -إلى وقت الكتابة- كان متوقفاً ولا يدرى ما هو السبب؟!

وبالمقابل، أطلقت الإمارة الأسلامية أيضا سراح بعض الأسرى من الحكومة العميلة الذين كانوا لدى المجاهدين منذ سنوات أو شهور بعد أن تغيروا كل التغيير، فكرًا وصورة، قلبًا وقالبًا؛ فصارت صورهم ووجوههم مثل المجاهدين والملتزمين بالشريعة.
نعم، بدأت الفرحة والسرور بين السجناء تزداد وتزداد، وفرح آلاف من أُسَرهم من الآباء والأمهات والزوجات. كثير من هؤلاء الشباب قد قضوا سنوات طِوالا -نحو عشر سنوات أو أكثر- ولم يروا أبناءهم الصغار، حتى صاروا الآن كبارا لا يعرفون آباءهم إلا من الصور!
ومن هؤلاء الشباب المرضى -وإني أعرف بعضا منهم- أصبحوا في السجن مشلولي الأيدي والأرجل لِما عانوه من ضغوط عصبية ومآسي وأحزان متفرقة. أحدهم جرح قبل سنوات بسقوط قذيفة صاروخية على زنزانتهم والمسماة بدِلتا (اسم لضابط أمريكي وضع على تلك الزنزانة، وهكذا الزنزانات الأخرى مسماة بأسماء الأمريكيين!)، واستشهد وأصيب منهم آخَرون بجروح؛ فشلت يد هذا الأخ وبدنه جراء هذا الحادث، تقبل الله منهم.

والأمر الثاني المرير أنه قبل رمضان بأكثر من أسبوع، بدأ المعتقلون في السجن المسمى بالخاص الإضرابَ عن الطعام بسبب الزحام واكتظاظ السجناء وعدم مبالاة الحكومة العميلة بأمور وقائية وصحية لشيوع الوباء المسمى بكورونا، هذا الأخطَبوط الموحش والمهلك في البلد، خاصة في كابول. بدأ الإضرابَ عن الطعام في أول الأمر نحو ألفان من المعتقلين (أي كلهم) وأدخل أكثر من مئتي منهم الأعمدة الحديدية في أفواههم، إشارة إلى كمال الإضراب عن الطعام (أمر صعب لا يقبله إلا من أجهِد واضطر إلى ذلك الأمر).
ومضى على هذا الأمر نحو اربعة أيام أو أكثر، ووصل المعتقلين إلى حالة سيئة؛ وعندها بدأ المعتقلون في سجن بلتشرخي الإضراب عن الطعام، وانتشرت الصور من سجن فراه، وعزم كثير من سجناء هلمند، قندهار ووردك على هذا الإضراب.

وبعد هذه الضغوط، تسهل الأمر وجاءت الوفود من جانب الحكومة العميلة من البرلمان(!) وجاء الرئيس للسجون مرات ووعد ما وعد، وجاؤوا بالبشرى للمعتقلين بإطلاق سراح كثير منهم وفق إجراءات تشريعية ورئاسية من جانب رئيس الحكومة العميلة، وانتهى أمر إضراب الأسرى عن الطعام، وبعد أيام بدأ الإفراج عن بعض المعتقلين وتسلسل الأمر إلى وقت الكتابة ولله الحمد والمنة. (هذا واستُثنِي من هذا الإفراج السياسيون والمجاهدون وبقي الأمر خاصة لغيرهم).
الأمر الغريب الذي وقع في هذا الإفراج؛ هو أخذ المال من المعتقلين وفق التشريع والدستور! حيث طلبوا عن كل سنةٍ لم يقضها المعتقل في السجن عشرين ألفا أفغانية من كل معتقل، فمن قضى نحو سبع سنوات في السجن وبقيت له أربع سنوات فهو مرغم على دفع ثمانين ألف أفغانية للحكومة! مال كثير، عجز عن دفعه عشرات من المعتقلين واستدان كثير منهم، رغم كل المشاكل الاقتصادية في البيوت، خاصة في هذه الظروف الاستثنائية والحجر الصحي، ولكنهم كانوا فرحين بوجود سبيل للخلاص من هذه الظلمات، وأنهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا!

الأمور في السجون والمعتقلات أصبحت خطيرة، وخطر فادح وكارثة بشرية بالمرصاد. وفي هذه الآونة الأخيرة دخل كورونا إلى المعتقلات، وطلائع هذا الفايروس قد وجدت في كثير من الإخوة.
في هذه الفينة التي أنا مشغول فيها بالكتابة (الثالث من رمضان ١٤٤١ هـ.ق) جاء إلي أخ يشتكي من وجع وحمّى شديدة في بدنه ورأيت شدة الحمى والألم على وجهه، وقال ذهبت إلى مستشفى السجن واشتكيت الألم وارتفاع ضغط الدم ولكنهم لم يمدّوا يدا إلي للكشف عن المرض خوفا من الفايروس الموحش! ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.