فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ!

صلاح الدين مومند

 

بلا شك إن الله تبارك وتعالى قد أوجب على المسلمين مراعاة عهودهم وعقودهم، وألزمهم الوفاء بها مادام الطرف الآخر مستقيماً على العهد، فإن ظهر منهم ما يدل على نقضهم للعهد، فالواجب إعلامهم بانتهاء العهد، ولا يصح أخذهم على غرة، ومن ذلك يظهر أن الإسلام عظّم أمر الوفاء بالعهد، وحرم نقض العهد والغدر بالمعاهدين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، لأن عدم الوفاء بما نعاهد عليه له أضرار دينية ودنيوية بليغة، منها أنه يزعزع الثقة في المسلمين، ويجعلهم ليسوا أهلاً للثقة والاعتبار، وفي ذلك من الإضرار ما لا يخفى.

وإن من الحقائق الثابتة أن عواقب نقض العهد وخيمة، والأمثلة لا تكاد تحصر ومن ذلك نقض اليهود لعهودهم التي بينهم وبين النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان ذلك سببا لإجلائهم من المدينة، وطردهم منها، وكذلك كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد سلط الله على قريش رسوله والمؤمنين فغزوهم في عقر دارهم، وأسقطوا سلطانهم، وصاروا بعد العزة والقوة في غاية الوهن والضعف والهوان.

تبارك الذي أتى بالحق وأزهق الباطل وأشرق النور وطوى صفحة الظلام ونصر حزبه وأفشل حزب الشيطان، كان الكفرة يريدون ليطفئوا نورالله والله متم نوره ولو كره الكافرون. ولقد رأى العالم أخيرا أن أمريكا قد أقرت بهزيمتها النكراء واضطرت بأن تعترف أن طالبان طائفة لا تعرف الهزيمة إنها فئة تقاتل لنيل الشهادة وتذهب للقتال فرحة مستبشرة؛ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. نعم هذا من فضل ربي ونصرته وبرهان على جبروته وقدرته وشهادة على جنوده الذين لم نرهم، وهو القائل عز وجل: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب… رواه البخاري. فلله جنود السماوات والأرض بلا عدد.

هذا وقد خضع ورضخ المحتل أخيراً بتوقيع وثيقة نهاية الاحتلال مع الامارة الاسلامية، وأبرم بيننا وبينه العهد في الدوحة في 29 فبراير شباط -الماضي ونحن نعلم أن دأب أمريكا التي سمتها الطمع والهمجية، أنها تُشرّع بالغداة وتنسخ بالعشي، وهي تنتهك القوانين والاتفاقيات، فلسان حالها يقول: لا نُسأل عما نفعل وهم يسألون! ونأخذ ما نشاء ونذر ما نريد، وكما أن دأب الكفرة نقض العهود، قاموا بخرق العهد من أول وهلة، ونحن هنا بصدد بيان صور هذا النقض فيما يلي:

  • لم تمض أربع وعشرون ساعة على الاتفاق التاريخي بَيْنَ أمريكا والامارة الاسلامية الذي احتفلت به الولايات المتحدة أكثر من احتفالاتها بأعياد الميلاد، وطبلت وزمرت له أكثر مما طبلت وزمرت للمناسبات الأخرى، لكن بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على هذه الاحتفالية والفرحة الأمريكية بنهاية الصراع في أفغانستان؛ شنت القوات الأمريكية ضربة جوية علىٰ قوات الإمارة الاسلامية. وظهر الناطق باسم الرئاسة الأمريكية يوم 4/3/2020م بعد العملية العسكرية ضدنا ليوضح سبب هٰذا العدوان قائلاً: “لا نستطيع أن نترك حلفاءنا وحدهم ولا ندافع عنهم… والحكومة الأفغانية حليفتنا”.
  • تأجيل عملية إطلاق سراح خمسة آلاف معتقل لأسباب غير مبررة. والذي كان مقررا الشروع فيه إلى 10 مارس الماضي لتبدأ بعدها المباحثات بين الإمارة الاسلامية والساسة الأفغان.
  • استهداف المجاهدين العاديين ممن يسيرون بشكل عادي في المناطق الخاضعة للإمارة الإسلامية بطائرات مسيرة.
  • استهداف مراكز المجاهدين مراراً، رغم أنها ليست ساحات حرب والعهد يحظر ذلك، وكذلك مداهمة الأماكن والمناطق السكنية العامة من قبل الأمريكيين وعملائهم المحليين وهذا نقض صريح للعهد.
  • قصف المناطق السكنية للمدنيين وقتلهم بواسطة طائرات درون وغيرها في مختلف المحافظات منها: هلمند، وقندهار، وفراه، وقندوز، وننجرهار، وبكتيا، وبدخشان، وبلخ وتخار وغيرها من المحافظات، وهذه انتهاكات صارخة للاتفاقية.

 

نحن نعلم أن العملاء ليس فيهم رجل رشيد، فأشرف غني وعبدالله عبدالله كل واحد منهم يزعم أنه هو رئيس البلاد، ونحن ندرك أيضا أن كل سفينة تحتاج إلى ربـّان واحد فقط كي يسيرها ويدير أمورها للوصول بها إلى بر الأمان بقوة الشراع والمجداف والإخلاص، ولو وجدت سفينة بربـّانين سيكون هناك اختلاف بينهما في تسيير أمور هذه السفينة لأنه سيكون لكل واحد منهما رأي مغاير عن الأخر، مما قد يقود السفينة إلى الغرق والهلاك!

فاليوم أصبحت الرئاسة والحكم في بلادنا لأشخاص نهبوا أموال البلاد، وجرفوا خيراتها، وأذلوا أهلها، وملؤوا بهم سجونها، وجعلوهم أرقاء لهم ولخاصتهم الذين من أشباههم من الخونة واللصوص والمجرمين، ومما رصد من نهب الأموال خبر أذيع اليوم أن خمسة ملايين من العملة الأفغانية التي خصصت لعلاج مصابي كوفيد 19 في هرات قد سرقت، فلذلك يؤخرون مباحثات الصلح بحيلة أو أخرى على غرار ما قيل لأعرابي: أتريد أن تصلب في مصلحة الأمة؟ فقال: لا، ولكني أحب أن تصلب الأمة في مصلحتي!

فأحيانا يقولون إننا سنطلق سراح الأسرى بشروط مسبقة بعدم عودتهم إلى جبهات القتال، ويمنعون مرة أخرى إطلاق سراح بعض الأشخاص بحجة أنهم دبروا عمليات كبيرة في الماضي وسراحهم خطر على الأمن والاستقرار في البلاد، ثم يطلقون 200 من أسرى الإمارة في دفعتين وذلك بزعمهم في إطار الاتفاق المبرم بين الامارة والولايات المتحدة، ناوين تنفيذ بقية الخطوات فيما بعد وقد أطلقت الامارة الاسلامية مئات إلى اليوم من عناصر الحكومة كرد العمل بالمثل.

 

وكتب متحدث المكتب السياسي للامارة الاسلامية سهيل شاهين في حسابه على تويتر: “إن الحركة عقدت اجتماعا تفصيليا مع اللواء (سكات ميلر) بشأن تنفيذ اتفاق السلام الموقع في الدوحة”. وأضاف شاهين: “أن الاجتماع تناول الهجمات والاعتداءات التي تقع في المناطق غير القتالية “وطالبنا بإيقافها”.

هذا ومن حقنا أن نطالب الولايات المتحدة بأخذ هذا الأمر بجدية، لأنها قطعت على نفسها ذلك كما تعهدت بتنفيذ إطلاق سراح خمسة الاف من الأسرى من سجون العملاء في غضون عشرة أيام من أول شهر مارس الماضي.

ومع تلك الخروقات ونقض الميثاق تكراراً نعتزم الوفاء كما قطعنا على أنفسنا من خلال بيان أميرنا حفظه الله الذي قال فيما نصه: “لقد روعي في توافق الإمارة الإسلامية مع الجانب الأمريكي الأصول والضوابط الشرعية، كما أنه يوافق المعايير الدولية، لذا فإنه يعتبر عهد ووعد من قبل جميع المجاهدين والشعب الأفغاني، وصار لزاماً على الجميع تطبيقه وتنفيذه، وعلى جميع مسئولي الإمارة الإسلامية وأفرادها وفي العموم على جميع المواطنين ألا ينقضوا هذا التوافق والميثاق، وأن يستشعر الجميع بالمسئولية تجاه ذلك، لأنه لا حظ للغدر والمكيدة في الإسلام، كما أنها تعتبر من الذنوب العظام، لكن إن حصل النقض أو المخالفة من قبل الجانب الآخر، فإن على جميع الشعب أن يكون على استعداد تام للدفاع كالماضي”.

هذا ونحذرالأعداء وعملائهم أن نكث العهد وباله عليهم وسيندمون على ما يفعلون.

قال تعالى: (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) صدق الله العظيم.