أوراق من دفتر سجين: ما يعانيه السجناء من الأمراض المزمنة

محمد داود المهاجر (فك الله أسره) مراسل مجلة الصمود من سجن بلتشرخي

 

يعد السجن أحد منابع الأحزان والهموم، ومصدر الضغوط والمآسي، وفيه متاعبٌ ومشاكلُ شتّى، ونحن لسنا بصدد بيانها بأسرها؛ بل اخترنا ضربا منها له أهميته البالغة في سلسلتنا هذه، ألا وهو الأمراض والأسقام التي يعانيها السجناء طيلة الشهور أو السنوات الطويلة التي يقضونها وراء السدود المنيعة وقضبان الألم، ولا حول لهم ولا قوة إلا بالله.
وسأواصل بيان بعضَها الأخرى -إن شاء الله- فيما بعدُ.

الأمراض والأسقام هي مما لا بد منه في حياة العباد؛ ولكنها في السجون تكثر وتزداد لأسباب لا حصر لها، وبصفة خاصة عندما تتراكم الأحزان وتتزاحم الهموم والظروف القاسية داخل السجون، كالأحوال النفسية والضغوط الفکریة والروحية والأسقام الجسمية وخاصة الجلدي منها والعصبي وضيقِ المكان الذي يعيش فيه السجين.

 

عدم المبالاة بأمور المرضى

إن ما يعانيه المحتجزون والمعتقلون في سجون المحتلين وعملائهم في أفغانستان، من آلام ومآسي وأمراض، لا مثيل لها، ولا يحصى بحدّ وعدّ.

ومن تلك الآلام التي يجدر ذكرها، ما يعانيه السجناء في معتقل باغرام الأمريكي وسجن بلتشرخي المركزي في كابل، من أحوال المرضى السيئة، وعدم مبالاة الموظفين الحكوميين بهم، وعدم الاهتمام بهم حق الاهتمام؛ حتى إن الأمراض البسيطة مثل الحمى وانخفاض ضغط الدم وارتفاعه والزكام وغيرها تزداد یومیا وتستغرق أياما طويلة، حتی إن بعض الأسقام قد تؤدي إلى حال أسوء ثم الموت.

إن الأمراض البسيطة عند عدم المبالاة بها قد تسبب بأمراض مزمنة، ويصعب علاجها، وهكذا كان حال السجناء المرضى. وكان على رأس قائمة الشكاوى والملاحظات عند قدوم وفد أو مندوبين من جهة الحكومة: أن يوفروا للمرضى التسهيلات الطبية والصحية ويُمعِنوا النظر في ذلك الأمر أكثر من ذي قبل، ولكن ذلك يذهب مهب الريح ودون أي جدوى مؤثرة أو نتيجة ملموسة.

 

إثارة الفوضى لأجل المرضى

كثيرا ما كنا نُصاب في باغرام بأمراض بسيطة التداوي أو نشكو من الحمى والزكام والألم في البطن مثلا ونطلب من موظفي الحكومة نقلَ المرضى إلى المستشفيات الموجودة والخاصة لهم، ولكنهم رغم توافر كل الإمكانات الطبية، كانوا لا يجيبون نداءاتنا ومطالباتنا ويعاملوننا معاملة سيئة، حتى كنا نضطر إلى إثارة الفوضى والبلبلة داخل الغرفة والإضراب عن أكل الأطعمة، لنساعد أخينا المريض الذي يلتوى من شدة الألم وقد شابك رجليه بعضها إلى بعض؛ ثم بعد كل هذه الفوضى، تراهم ينطلقون بالمريض إلى المستشفى بالإكراه.

 

ضيق المكان واختلاط المصابين

إن للأسقام أسبابا ظاهرة أو خفية، كما قدّرها الله تعالى لعباده؛ وفي السجن بعض من أسبابها الخاصة، ومن تلك الأسباب، سببُ رئيسي لكثير من الأمراض في السجن وهي ازدحام السجناء داخل غرفة وزنزانة واحدة، حيث يُؤون في مكان ضيق عدد كبير من السجناء -المصابين بالأمراض وغير المصابين- أكثر مما يسعه ذلك المكان، ولا يمنحونهم حقوقهم المتفق عليها دوليا، لا من حيث الطعام ولا من حيث الأمكنة والمضاجع والحقوق الأخرى؛ وليس لواحد منهم مضجع أوسع من متر في متر ونصف.

 

لا يُطلَق سراحهم حتى يموتوا

تنص القوانين الدولية والقرارات العالمية حول المرضى السجناء: أن المصاب بأمراض مستعصية كالسرطان ونحوه؛ يطلق سراحه حتى يتمكن من التداوي أو يقضوا ما بقي لهم من مدة يسيرة من الحياة في حضن الأسرة و بين ظهراني أولادهم وأزواجهم. ولكن أعداء الدين والملة لا يعملون بمعشار ما فُرض عليهم من القوانين والتشريعات الدولية والحقوقية للمحتجزين، فضلا عما فرضه الله على عباده من حسن السلوك مع الضعفاء والمساكين من أهل السجن وغيرهم.

ورُغم كل هذه المقررات، رأينا بأم أعيننا كثيرا من الإخوة السجناء قضوا نحبهم ولقوا حتفهم في أسقام أصيبوا بها منذ سنوات مديدة كالسرطان وغيره، ولكن الحكومة العملية لم تطلق سراحهم ولم يؤذن لهم بأمر يكون لهم فيه خير حتى لقوا الله تعالى ولبّوا نداء الموت.

وبعض من الإخوة ماتوا بأمراض بسيطة، لأن أحداً لم يعبأ بهم وبما يعانونه من أدواء، ولا يعالجونهم معالجة يستحقها المحتجزون وأهل السجن، هذا ولم تكن هناك صعوبة في توفير العلاج حتى يتعذر الأمر عليهم -إلا في بعض من الإخوة- وكانت عندهم الأدوات الطبية والصحية متوفرة!

 

سرِقة الأدوية

إن الفساد الإداري وسوء الإدارة وسرقة الأموال أشربت بها قلوب موظفي الحكومة، وصار من مهماتم: البحث  حول كيفية ملء البطون والجيوب مما تناله أيديهم بسهولة! يخطفون كل شيء توفّر لهم أمر سرقته؛ حتى رأيناهم يسرقون اليسير من الأشياء، نحو: اللبن الجامد والسكر، الأشياء التي كانت من رواتب المحتجزين اليومية؛ ويسرقون الأدوية المجانية ليبيعوها على المرضى ويأخذون منهم المال، وإضافة عليها يطلبون من السجين المريض والمسكين نفقة الذهاب والإياب!

ومن ثَمّ أصبح كثير من المرضى الفقراء لا يذهبون إلى المستشفى، لأنه كان معلوما عندهم أن الأطباء لا يعطونهم من الأدوية ما يجدي نفعا.

 

خلاصة الكلام

إن ما كتب في هذا المقال هو عشر معشار ما تعامل به الحكومة العميلة السجناء والمحتجزين. وليس بعيدا عنا ما حدث قبل بضعة أشهر في الـ ٧ من شهر رمضان ١٤٤٠ هـ.ق حيث قتلوا كثيرا من السجناء داخل سجن بلتشرخي بالرشاشات والبندقيات ودخلوا عليهم بالحشود العسكرية، فضربوا، وشتموا وقتلوا كثيرا من الأبرياء العزل من أهل السجن مكتوفي الأيادي. وكلما أتيحت لهم فرصة، فعلوا ما يريدون بلا رادع، وأظهروا الحقد الكمين في صدورهم تجاه المستضعفين من المؤمنين والمجاهدين. هذا هو دأب عملاء المحتلين، عبدةِ الدراهم والدنانير، الذين لعنوا على لسان نبيهم صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم: “لُعِنَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَلُعِنَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ”. برواية الترمذي.