ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة

عبدالله مسلميار

 

من یعیش في أفغانستان أو یتتبّع أوضاعها الاقتصادية، یعرف جیداً أن شعبنا في هذه الأیام یعاني من غلاء شدید في المعيشة، بدءاً من الأطعمة والفواکه إلی وسائل النقل ومواد الوقود. وهذا الازدیاد في الأسعار أحد ثمار الاحتلال الأمریکي. والخبیر بواقع المجتمع الأفغاني يدرك جیداً أن شعبنا طیلة القرون الماضیة -رغم قلة موارد العیش- کان یحظی بعیش رغید لا وجود فیه للغلاء وارتفاع الأسعار، لاسيما زمن حکم الإمارة الإسلامیة، إذا استثنينا من ذلك زمن الحروب وهجوم الأعداء علی البلد.

ومما كان يحیّر العالم أنه في زمن حکم الإمارة الإسلامية -رغم الضغوط العالمیة علیها ورغم إغلاق جمیع الأبواب التجاریة والاقتصادیة علیها من قبل الأعداء والطغاة- کانت أسعار السلع منخفضة جداً. والسر في ذلك يعود إلى أن قادة الإمارة کانوا هموا بخدمة الشعب، مبتغين رضی الرب. وقد قال وهب بن منبه: (إذا همَّ الوالي بالجور أو عمل به، أدخل الله عز وجل النقص في أهل مملکته في الأسواق والزروع والضروع وکل شيء. وإذا همَّ بالخیر والعدل أو عمل به أدخل الله البرکة في أهل مملکته کذلڬ). انتهی کلامه.

لقد صدق وهب في قوله هذا. لقد شاهدنا تحققها في أفغانستان. شاهدنا تحقق القسط الأول من کلامه زمن حکم الإمارة الإسلامیة. أما القسط الثاني ففي زمن الحکم الغربي الحالي.

ولنخوض في صمیم الکلام نقول أن المحتلین عندما دخلوا أفغانستان، أنفقوا قسطاً کبیراً من أموالهم علی الشعب الأفغاني، فعوّدوا شعبنا علی الرفاهیة المفرطة. وعندما خرجوا منها منهزمین متحسّرین علی ما بذلوا، قطعوا مساعداتهم. عندئذ بحثت الحكومة العمیلة عن سبل البقاء فرأت في زيادة الضرائب علی التجار خیر طریق للبقاء والحیلولة دون السقوط.

لذلك رفعت الضرائب أواخر العام الماضي. وإثر ذلک غادر کثیر من التجار البلد ولجؤوا إلی البلاد الخارجیة. والباقون منهم لجؤوا إلی رفع أسعار بضائعهم. بعد ذلک ازداد الغلاء في المعيشة، وواجه الشعب أزمة جدیدة. لذلڬ بتنا نری کثیراً من أبناء الشعب غادروا البلد؛ لأن العیش في البلد في ظل الغلاء المخیم علیها، صعب جداً. ولا شڬ أن زيادة الضرائب ويتبعها زيادة الأسعار من حق الدولة، ولکن بشروط عدة، منها:

تقدیم الخدمات والتسهيلات للتجار. فجمیع الدول قبل رفع الضرائب تتخذ خطوات جبارة لتقدیم الخدمات الکثیرة للتجار. أما حكومة کابل فلم تلقي بالاً لهذا الحق. وهنالک الکثیر من التجار یشکون ویعترضون ولکن أین الآذان الصاغیة والقلوب الواعیة؟

وللتاجر خياران: إما الصمت وأداء الضرائب الثقیلة. وإما مغادرة البلد. ولا خیار آخر أمامه.

والشرط الثاني: توفیر الوظائف والأعمال لأبناء الشعب. والحقیقة المؤلمة أن البطالة وعدم وجود الأشغال المناسبة قد بلغ في البلد مبلغاً كبيراً. فهنالک الآلاف من أبناء الشعب یعانون من مشکلة عدم توفر الأشغال. والعلة الأساسیة في ذلڬ هي أن رجال الحکم مستغرقین في قضایاهم السیاسیة والنزاعات الحزبیة والتلذذ بالدنیا. بينما يموت الشعب المسکین تحت مطرقة الجوع.

البطالة معضلة ربما یجد الشعب حلاً لها بالانتقال إلی بلاد أخری والعمل فیها، إلا أن ارتفاع الأسعار أزمة لا یمکن للشعب الصمود أمامها. فهذه معضلة حلها بأیدي رجال الحکم، إذا کان الحکم سلیماً ورجاله مصلحین. أما دولة الزور والفساد والسارقین والعملاء فلا یمکنها حل هذه المشکلة. وقد أدی هذا الوضع بعلماء الدین في جمیع الولایات إلى رفع أصواتهم للدفاع عن حقوق هذا الشعب المسکین. وحتی الآن لم تحرك هذه الاعتراضات ساکناً في رجال الدولة؛ وذلڬ لضعف الدولة وعدم مقدرتها علی حل هذه الأزمة الاقتصادیة. وقد هدد بعض العلماء بتنظيم مظاهرات واسعة في البلاد وإغلاق أبواب الجمارک.

هذا وقد أعلن رئیس البنڬ المرکزي لأفغانستان، في أواخر العام الماضي، مفتخراً، أن عوائد البنڬ من الضرائب جاءت قیاسیة بالنسبة إلی الأعوام الماضیة.

زیادة العوائد علی حساب من؟ علی حساب شعب مسکین لا یجد ما یسد به رمقه!

یقول خالد کنری، أحد المحللین لقضایا أفغانستان: “إن موقف الدولة تجاه الغلاء الفاحش في البلد وفشو البطالة مخجل جداً. وقد کنا فرحین إبان الانتخابات أن “غني” من علماء الاقتصاد، وسوف یأتي بتغییر جذري في جمیع المجالات وینمي اقتصاد البلد. أما الیوم فقد أدركنا أن الرجل متخصص في کشف موارد الضرائب وزيادتها. إن شعبنا، بمرور الزمان، توصل إلی هذه الحقیقة، وأن المحتلین لا یریدون اقتصاداً قویاً في أفغانستان، بل يريدون الزعزعة الاقتصادیة والأمنیة لها”.

ویقول عبدالقیوم سعادت: “العلة في ارتفاع أسعار السلع هو الضرائب الثقیلة التي فرضتها الدولة علی التجار لسد الفراغ الذي وُجِد بعد انقطاع المساعدات الخارجیة. وکان علی رجال الحکم أن یحیلوا شیئا من هذه الضرائب والعوائد إلی قسم الحمایة في السوق؛ وذلڬ للحیلولة دون ارتفاع الأسعار أو وجود الأسواق السوداء.

مع الأسف، إن رجال الحكومة يقبعون خلف جدران اسمنتیة، ولا یستمعون إلی صرخات هذا الشعب. ومثل هذه القرارات المهلكة ربما تدفع بالشعب إلی قطع صلته بالحكومة. وسنجني ثمار هذه الاعتراضات والصراخات في الانتخابات المقبلة”.

أما لیلى أدیب (طالبة أفغانیة) فتری أن الحل لهذه المشکلة هو بخروج جمیع القوی المحتلة من أفغانستان ووقوف شعبنا علی قدمیه من جديد، وإنعاش الاقتصاد الأفغاني. عند ذلڬ سنشاهد تقلّص البطالة وانخفاض الأسعار.

هذه آراء بعض الذين يعايشون واقع المجتمع الأفغاني المؤلم. نسأل الله حلاً سریعاً وفرحاً قریباً لشعبنا الأبي المظلوم.