استعراض العضلات والقنابل الفتاكة لا ينجز المهمة!

عرفان بلخي

 

إن الإمبراطورية الأمريكية قامت على الدماء وبنيت على جماجم البشر، فقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب (بينهم 18.5 مليون هندي أبيدوا ودمرت قراهم ومدنهم). ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة. وخاضت أمريكا في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق 93 حرباً جرثومية، أُبيد بها الهنود الحمر بـ 41 حرباً بالجدري، و4 بالطاعون، 17 بالحصبة، و10 بالأنفلونزا، و25 بالسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا. وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثاراً وبائية شاملة اجتاحت المنطقة من فلوريدا في الجنوب الشرقي إلى أرغون في الشمال الغربي، ففي عام 1636م تظهر أول وثيقة تثبت استخدام الأمريكان للسلاح الجرثومي عمداً.

“قامت أمريكا بإبادة ملايين الهنود الحمر، يصل عددهم في بعض الإحصائيات إلى أكثر من مائة مليون، وهم السكان الأصليون لأمريكا، وبعدها أصدرت قراراً بتقديم مكافأة مقدارها 40 جنيهًا، مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر، و40 جنيهًا مقابل أسر كل واحد منهم، وبعد خمسة عشر عامًا، ارتفعت المكافأة إلى 100 جنيه، و50 جنيه مقابل فروة رأس إمرأه أو فروة رأس طفل، هذه هي الحضارة الأمريكية” هذا ما كتب الباحث في علوم الإنسانيات منير العكش في كتابه.

ويضيف: “في إحدى المعارك قتلت أمريكا فيها خلال ثلاثة أيام فقط 45.000 ألف من الأفريقيين السود، ما بين قتيل وجريح ومفقود وأسير. وأمريكا أكثر من استخدم أسلحة الدمار الشامل، فقد استخدمت الأسلحة الكيماوية في الحرب الفيتنامية، وقتل مئات الآلاف من الفيتناميين. وأمريكا أول من استخدم الأسلحة النووية في تاريخ البشرية. وإن القصف الأمريكي “لهانوي” في فترة أعياد الميلاد، وعام 1391هـ أدى إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم. وقتل الجيش الأمريكي المدرب في “غواتيمالا” أكثر من 150 ألف فلاح، ما بين عام 1385هـ وعام 1406هـ”.

إن طريقة القتل عند الأمريكان في غزو البلاد المحتلة طريقة وحشية بحتة، فهم يصبون وابلاً من أطنان القنابل على رؤوس البشر، وكأنهم يصبونها على جبال صماء، وصدق الله حيث يقول: (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ. ……)، وكلما تصفحنا سجلها الأسود نجد فيه جرائم لاتعد ولاتحصى.

وخير شاهد على ذلك، القنبلة التي ألقاها الجيش الأمريكي يوم الخميس 13 أبريل/نيسان 2017م، التي تزن 9,800 كيلو غراماً، والتي أطلق عليها اسم “أم القنابل” وهي أضخم قنبلة، ليس لها مثيل حتى الآن؛ يبلغ طولها (9) أمتار وقطرها متر واحد. وقالت عنها مجلة العلوم «بوبولار ميكانيكس» أن وزن هذه القنبلة يوازي وزن طائرة إف-16 مقاتلة. وبحسب منظمة «جلوبال سيكيوريتي» لنزع التسلح فإن وزنها يبلغ (9,8) أطنان، وتشكّل أضخم سلاح غير نووي في الترسانة الأمريكية.

وتقول المنظمة المشار إليها أنها قنبلة مدمرة تحوي (8480) كلغ من مادة إتش6 المتفجرة. وبحسب موقع المنظمة فإن قوة تفجيرها تعادل قوة (11) طناً من مادة (التي أن تي) وهي مسيّرة بالأقمار الصناعية، وتُلقى من الجو لتنفجر قبل ارتطامها بالأرض ويمكن أن تُشاهد أعمدة دخانها على بعد (32) كلم.

ألقى الآمريكان هذه القنبلة على ولاية ننجرهار في بلادنا، مستهدفة -بزعمها- شبكة أنفاق في منطقة أشين بالولاية التي تُعدّ ملجأ لتنظيم «الدولة الإسلامية» ضمن الحملة الأمريكية على ما يسمي بالإرهاب، والتي أصبحت ذريعة جاهزة يُسمح بموجبها بارتكاب المجازر تلو المجازر في أبشع صورها وأفظع تأثيراتها حتى لو استدعى الأمر استخدام أو تجربة أسلحة لا يضاهيها شيء في الفتك والتدمير، مثل تلك القنبلة التي فجروها وسمّوها بـ”أم القنابل”!

نقول: إن استعراض العضلات وإلقاء القنابل الفتاكة لن ينجز المهمات، فقبل ذلك ألقى الاتحاد السوفياتي أكثر وأكبر من هذا. وفي حديث لقناة “زفيزدا” الروسية، أعرب الخبير الروسي عن دهشته للضجة التي أحدثها استخدام واشنطن لقنبلتها المذكورة في أفغانستان، وأعاد خودارينكو إلى الأذهان أن القاذفات السوفيتية ألقت على تحصينات ومعاقل المسلحين الجبلية في أفغانستان 289 قنبلة بشدة “أم القنابل” سنة 1988م، ما ينفي اعتبار واشنطن أنها الوحيدة التي تمتلك قنابل من هذا النوع. وفي الختام، أشار الخبير الروسي إلى أن العسكريين في واشنطن لا يحتلون الصدارة في هذا المضمار، وأن قنابلهم ليست الأجود من نوعها في العالم.

ونحن نقول أنه كل تلك القنابل عديمة الفائدة، لآن الإيمان أقوى من عربدة السلاح ومن كل شيء.

في الوقت نفسه، نددت الإمارة الاسلامية بهذه الجريمة النكراء بأشد العبارات واعتبرت مرتكبيها مجرمي حرب دوليين. وقال المتحدث باسم الامارة أن استخدام مثل هذه الأسلحة الثقيلة يُخلّف خسائر ومشاكل بعيدة المدى في بلادنا. وأن إنهاء ظاهرة ما يُسمى بـ”داعش” في أفغانستان هي مسؤولية وعمل الأفغان، وليس المحتلین الأجانب، وأن على الأمريكيين حراسة حدود بلادهم إن كان لديهم قلق من أحد.

ليس هناك أي مجوز للمحتلين يسمح لهم بقتل أهالينا تحت مسمى “الحرب على داعش” وقصف مناطق بلادنا واستخدام وتجربة أسلحة ثقيلة على ترابنا واستمرار الحرب هنا بمختلف الذرائع؛ بل إن هذا ظلمٌ وتجاوز صريح.

أمريكا تستفيد من هذا العمل التمثيلي إعلامياً ودعائياً، حيث تظهر نفسها للعالم على أنها تقمع داعش من جهة، ومن جهة أخرى تمنح أهمية وحيثية لداعش وتقويها عملياً. ومن الأدلة الواضحة لمساندة الأمريكيين لداعش هو أن مجاهدي الإمارة الإسلامية في الفترات السابقة تمكنوا 3 مرات من قمع مسلحي داعش إلى حد أنهم اقترابوا من إنهاء وجودهم بالكامل، لكن في كل مرة كانت تقوم الطائرات الأمريكية بقصف مجاهدينا بشكل كثيف وإنقاذ مسلحي داعش.

هذه جرائم الطاغية الباغية رأس الكفر أمريكا في حق الإنسان، وهذا ما اقترفته أيادي أمريكا القذرة النجسة، فهي لا تراعي لذي حَرم حرمته، ولا لحر حريته، ولا لإنسان إنسانيته. وها هي تستخدم أسلحة محرمة دولياً في جميع البلاد المحتلة، فهي التي استخدمت في بلادنا القنابل العنقودية قبل ذلك، واعترف مسؤولون عسكريون بارزون في القوات الأمريكية باستخدامها خلال عمليات القصف بالإضافة إلى الفسفور الأبيض والأسلحة شبه النووية الجديدة، بحيث أصبحت أرض بلادنا حقلاً للتجارب الحية، وأصبحت سوقاً للأسلحة الاسرائيلية اليهودية.

وهناك فضائح وأفعال غير إنسانية يندى لها الجبين، ارتكبها الجنود الغزاة من عمليات القتل العشوائي والاعتداءات وعمليات الاغتصاب وتدنيس المساجد وحرق المصاحف وتمزيقها وإذلال المسلمين، واحتقار كل المعايير الأخلاقية والإنسانية المتعارف عليها. ورغم كل ذلك، فإن الولايات المتحدة تظل تصور نفسها بأنها الراعي الرسمي لحقوق الإنسان في العالم وتناشد وتعطي الدروس لدول العالم في احترام حقوق الإنسان، وفي الديمقراطية والحرية، دون أن يؤثر فيها ما ترتكبه قواتها من انتهاكات لا إنسانية، كمجزرة يوم 11 مارس 2012م، عندما تم قتل ستة عشر مدنيًا وإصابة ستة آخرين في منطقة بنجواي في ولاية قندهار معقل الأبطال والمناضلين بواسطة الجناة الأمريكيين، وتسعة من الضحايا كانوا من الأطفال، وأحد عشر من القتلى كانوا من عائلة واحدة، أُحرِقت بعض الجثث في وقت لاحق من صباح ذلك اليوم، وذلك بفعل المجرم “روبرت بيلز” من جيش الولايات المتحدة الأمريكية.

والعجب كل العجب أن أمريكا تدفع أحيانا تعويضاً لمواساة المقتولين الأبرياء! فقد نُشِرت وثائق عسكرية أمريكية أتيح لوكالة “رويترز” الحصول عليها تشير إلى أن الجيش الأمريكي دفع لرجل أفغاني ما يزيد قليلاً على ألف دولار تعويضاً عن قتل ابنه المدني في عملية قصف بالقرب من الحدود مع إيران في آذار عام 2014م، وبعد ستة أشهر دفع الجيش الأمريكي لرجل أفغاني آخر عشرة آلاف دولار تعويضاً عن مقتل طفليه في عملية قادتها قوات معتدية في الإقليم نفسه.

أما رجل من قندوز ففقد 20 من أقاربه من بينهم شقيقه وزوجة شقيقه وأصيب تسعة من أقاربه في عمليات للقوات الأمريكية والأفغانية بالقرب من مدينة قندوز في تشرين الثاني من العام الماضي، ولم يحصل بتاتاً على شيء من الجيش الأمريكي.

وقال “مركز المدنيين في الصراعات” ومقره الولايات المتحدة إن واشنطن بدأت دفع تعويضات في أفغانستان عام 2005م بعد أن أدركت أن طالبان تكسب نفوذاً بمنح المدنيين أموالاً بعد الضربات الأمريكية التي يسقط فيها قتلى والمصابين.

وهكذا تثمن أمريكا دماء وأرواح الأفغان! وقالت مارلا كينان مديرة البرامج في مركز المدنيين في الصراعات: “قد يحصل رجل في قندهار على 4000 دولار تعويضاً عن سيارته التي أصيبت بتلفيات، بينما تحصل امرأة في جارديز على 1000 دولار تعويضاً عن طفلها القتيل”.

حقاً إنهم مجرمون بكل ما في الكلمة من معنى، وهم مسؤولون عن كل ما لحق بشعبنا الأبي من القتل والدمار والتنكيل والعذاب وإهانة المقدسات وهتك الحرمات.

إنهم لا يعرفون للرحمة ولا للعدل طريقاً، مع ما يخفون من حقد ومكر. وكم ذا يخطئ المتغطرسون وينخدعون بما يملكون من قوة ومن حيلة، ويغفلون عن العين التي ترى ولا تغفل، والقوة التي تملك الأمر كله وتأخذهم من حيث لا يشعرون.

ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.