المتغطرسون في خلایا حكومة کابل

محمد أمين

 

النظام السیاسي الذي صنعه المحتلون وقراصنة الیهود والنصاری في أفغانستان نظام سیاسي مليء بالعجائب والحوادث الغریبة التي یُستغرب وقوعها من حكومة تدّعي السلطة والسیطرة الأمنیة علی البلاد. والسر في ذلڬ أن الفاسد لا یأتي إلا بفاسد، وحصیلة الباطل لیست إلا الباطل.

والشعب الأفغاني منذ باکورة تأسیس النظام السیاسي المستقل في أفغانستان، یُعرف بالرجولة والحیویة، ولا تزلزله العواصف، یملک شخصیة قویة یستطیع بها القیادة عن جدارة ومقدرة. لكن يبقى أن البلاد برئیسها ووزرائها ومدرائها والعاملین فیها. أما الرئیس الأفغاني الحالي ووزراءه ومساعدوه فملفهم معروف لدی الجمیع بارتکاب أبشع الأفعال حتى أذهبوا ماء وجه الشعب، وما قضیة تعدي دوستم على عرض أحد الوجهاء عنا ببعید.

وقبل أسابیع نشر رئیس شوری ولاية هرات، کامران علیزائي، جنوده في مدینة هرات، وذلڬ للاعتراض علی الحکم الذي أصدرته المحمکة الذي يقضي باعتقاله مدة سنتین وستة أشهر؛ والجرم الذي اقترفه هو الهجوم علی السجن قبل أشهر وإطلاق سراح مجرم کبیر.

إن رسالة هذا الهجوم وحشر عشرات الملیشیات في ثاني کبری المدن الأفغانیة من حیث التجارة والثقافة؛ هي الغطرسة أمام الحكومة وتهديدها، ورفض الحکم الصادر من المحكمة. يحصل هذا رغم أن مدینة هرات تملڬ أکبر عدد من الجنود ورجال الأمن بعد مدینة کابل، الأمر الذي يدلل على مدى ضعف الدولة. إن الرجل الذي قام بهذه العملیة ذو نفوذ واسع، وهو أحد أعضاء الحكومة، ویدرك جیداً ضعف الدولة، فاستغل هذه الفرصة. أما الأمر الذي زاد المحللین حیرة وعجباً هو امتلاک ملیشیات کامران الآلیات الحربیة الثقیلة والخفیفة. والسؤال هنا: من أین حصل علیها؟ وکیف تجرأ علی استخدامها وسط مدینة مهمة جداً؟ والأمر الذي أثار غضب المواطنین بمدينة هرات هو صمت الشرطة وعدم تدخلها في القضیة.

فجمیع هذه النقاط تطلعنا علی ضعف شامل يخيم علی حكومة کابل. كما أنه في الشهر المنصرم عندما أقعد الرئیس الجنرال دوستم في بیته وأوصاه بعدم الحضور لمجالس الوزراء إلی أجل غير مسمى. عمل دوستم بقرار أشرف غني، ولکن بعد مدة، فاض صبر دوستم وخرج إلی مكان عمله مصطحباً معه مئات من ملیشیاته. ویعرف الجمیع أن دوستم بعمله الإجرامي هذا مجرم لا بد من محاکمته، إلا أن غطرسته لا تسمح للقضاة بمحاکمته. والیوم وفي ظل دولة فاسدة، ضعیفة، وفاشلة تحولت الغطرسة إلی ثقافة شائعة في أفغانستان. فکل یوم نسمع عبر وسائل الإعلام أن ملیشیات الأحزاب في الشمال یتقاتلون فیما بینهم ویهاجمون المدن والقری للبحث عن أعدائهم. وکل هذا يحدث على مرأی ومسمع الحکومة ورجالها الفاسدین.

ورجال الأمن في کابل مطالبون بالاستجابة لمطالب واعتراضات المواطنين بهرات.

لماذا یستطیع رجل يجلس علی کرسي شوری الولایة أن یحتل مدینة کبیرة مثل هرات لعدة ساعات دون أن یخاف من أحد!؟ لیس الرجل وزیراً ولا رئیس قومیة، بل رجل عادي له کرسي في مجلس شوری الولایة. إن لهذه الحادثة دلالة عميقة على وجود فساد داخل الدولة. ومرد هذا الفساد إلی رجال فاسدین متمكّنين داخل الدولة. وقد أعلن قبل ذلڬ رجال مخلصون أن الحكومة الحالیة هي حكومة السارقین والفاسدین.

إن الحل لهذا الواقع المرير يكمن في تغییر النظام الموجود، الذي هو أصلا حصیلة الاحتلال. لدینا تجربة طویلة مع الأنظمة السیاسیة التي ولدت في أحضان الاستعمار والمحتلین الغربیین. وفي أحضانها نشأ وترعرع المتغطرسون الذین لا یخافون ارتکاب أي جرم بحق الشعوب المسلمة. ووجود هؤلاء المتغطرسین وحمایتهم من مخططات المحتلین المهمة. لذلڬ نری أن أکثر المتغطرسین یملکون المباني الکبیرة والسیارات الفخمة والأموال الکثیرة. وأکثرهم یخدم إحدی الدول الخارجیة. فتجدهم في ذهاب وإیاب إلی السفارات الخارجیة.

إن أزمة المتغطرسین هؤلاء ستستمر حتی خروج المحتلین وقلب النظام العمیل الحالي.

نحن في انتظار رد فعل حكومة کابل تجاه هذه القضیة. فهل تختار السکوت والاکتفاء بالتشدق ببعض الکلمات الرنانة إسکاتاً للشعب، أم أنها ستختار موقفا حاسما تثبت فيه جدارتها للجمیع. والموقف الثاني لا نتوقعه منها.