استغلال الغرب لقضية تعليم المرأة

أ. خنساء عثمان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). [سورة البقرة: 105].

في هذين اليومين ضج العالم وعلا الصياح بالويل والثبور، نتيجة تعليق الطالبان للتعليم الجامعي للإناث مؤقتاً؛ لوقف مظاهر الفساد الأخلاقي والقيمي الذي استشرى نتيجة خروج النساء للدراسة في الجامعات، وبيّنت أنها إجراءات مرحلية تتخذ للمحافظة على نظافة المجتمع من الفتنة، والسفر دون محرم، والسكن في مناطق بعيدة عن الأهل من أجل الدراسة، و… و… وكل ما يتبع خروج المرأة (للجامعة).

وهنا بدأ الشجب والإنكار، واتهام الطالبان بحرمان المرأة من التعليم، ثم الاستشهاد بالآيات والأحاديث التي تحث على طلب العلم، وأن الإسلام لم يحرم العلم!!!

كما هو المعتاد في كل مرة وكل حادثة عندما ينظر بعض الناس إلى المشهد الأخير من القصة، ولا يرجعون لبداياتها وجذورها..

 

لذلك، أقول ومن الله التوفيق:

أولا: لمَ كل هذا الاهتمام بهذه الحادثة التي طرأت على وضع المرأة الأفغانية؟ ولمَ التهديد بوقف المعونات، والإسراع للاستعانة بالمخزون الإستراتيجي من المأجورين في الهيئات والمنظمات، واستعمال مراتب الإنكار الثلاثة إزاء هذه الحادثة؛ وقد ذاقت المرأة الأفغانية الأمَرَّين قصفا وتجويعا وتشريدا، ولم يحرك أحدهم ساكنا، اللهم إلا بعض التصريحات الخجولة الباردة؟!

 

وثانيا: أليس هذا دليلا ساطعا على أن أهم سلاح يستعمله الغرب ليضمن بقاءه جاثما على صدور المسلمين هو استغلال قضايا المرأة وإخراجها من بيتها بدعوى التعليم، وهذا أمر قديم وله جذوره. واقرأوا إن شئتم فصل (قضية تحرير المرأة) للشيخ محمد قطب من كتابه القيم (واقعنا المعاصر).

ولا بأس أن أنقل من كتابه هذا بعض العبارات والمقتطفات التي لا تغني عن قراءة الكتاب، وإنما هي شواهد فقط:

يقول رحمه الله: “سقط الحجاب تدريجا عن طريق (بنات المدارس)! أو لم تقرر المؤتمرات (التبشيرية) في مخططاتها ضد الإسلام ضرورة العمل على تعليم المرأة المسلمة وتحريرها”!

ثم يقول: “وكانت المناهج في مدارس البنات رجالية في الحقيقة لأمر يراد فيما بعد، ولكنها بعد مغطاة، فالفتاة تدرس نفس المناهج المقررة في المدارس الثانوية للبنين، ولكنها تدرس إلى جانبها مواد نسوية كالتدبير المنزلي ورعاية النشء؛ وذلك للإيهام بأن المقصود من التعليم في هذه المدارس هو إعداد الفتاة لحياة الأسرة التي تنتظرها، إذ كانت أشد نقط المعارضة في تعليم البنات بعد المرحلة الابتدائية أن الدراسة الثانوية ستعطل الفتاة عن الزواج وهي في سن الزواج، وتبعدها عن جو البيت الذي خلقت له والذي ستقضي بقية حياتها فيه.

فأما تعطيل الفتاة عن الزواج فقد واجهه أصحاب (القضية) بالمطالبة بإرجاء سن الزواج وتحريم الزواج قبل سن السادسة عشرة، (وصدر تشريع بذلك)..

وأما إبعاد البنت عن جو البيت فقد واجهه أصحاب (القضية) بتلك الدروس المتناثرة في التدبير المنزلي ورعاية النشء…، حتى إذا هدأت ثورة المعارضين وصار التعليم الثانوي للبنات أمراً واقعاً بعد المعارضة العنيدة التي كانت من قبل، أخذت هذه الدروس النسوية تتضاءل حتى مُحِيَت في نهاية الأمر وأصبح المنهج رجالياً خالصا في مدارس البنات”.

ثم كثر الإقبال على المدارس حتى ضاقت بهن “وأصبحت أفواج البنات تذهب في الطرقات وحدها وتجيء”.

“وأصبحت الفتاة تتخرج بعد خمس سنين على ذات المناهج التي يتخرج عليها الفتى لتصبح للفتاة قضية جديدة، قضية (الدخول إلى الجامعة)”.

“وجاء دور الجامعة”.

“ودارت معركة طويلة بين المدافعين والمعارضين”.

“والمدافعون يومئذ أحد فريقين: فريق يعلم جيدا أن الطريق الذي تسير فيه (القضية) سيؤدي إلى انحلال أخلاق المجتمع وتفككه كما حدث في أوروبا، وهو يريد ذلك ويسعى إليه جاهداً لأنه من (الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)، وفريق آخر مخدوع مستغفل؛ لأنه مستعبد للغرب، لا يرى إلا ما يراه الغرب، ويظن -في غفلته وعبوديته-أن سيده دائما على صواب!

وهذا وذاك معا مسخران لخدمة الصليبية في المجتمع الإسلامي..

وقال هذا وذاك: إن (قضية) المرأة تستلزم أن تدخل الفتاة الجامعة لتؤدي (رسالتها) على الوجه الأكمل!

وقضية التعليم الجامعي أو غير الجامعي -ليست هي القضية بالنسبة للمرأة المسلمة، فلن يمنعها الإسلام من طلب العلم وهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها. ولكن الإسلام يشترط في تعليمها وفي نشاطها كله شرطين اثنين: أن تحافظ على دينها وأخلاقها، وأن تحافظ على وظيفتها الأولى التي خلقها الله من أجلها، وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال، وفي حدود هذين الشرطين تتحرك حركتها كلها، وهي حدود واسعة سل عنها الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن.

ولكن عباد الغرب وشياطينه لم يكونوا يريدون شيئا من ذلك بطبيعة الحال وهم يطالبون للفتاة المسلمة بالتعليم الجامعي وما تبع ذلك من (قضايا)؛ فأما الشياطين فإنهم ما جاءوا يبتغون الإصلاح، إنما جاؤوا للتخريب بادئ ذي بدء”.

“واستغرقت المعركة ردحا من الزمن غير قليل..، وضاعت حقائق كثيرة في وسط المعركة كانت على الأقل تستحق دراسة مستأنية ليتخذ فيها القرار على بصيرة”.

“وتقرر الأمر الذي خطط له المخططون فأصبح (أمرا واقعا) رضي المتدينون أو كرهوا، وأعلنوا رأيهم أو صمتوا عنه”.

ثم بين سبب انهزام المعارضين وأنه بسبب هزيمتهم الداخلية، فقال: “كان المسلمون قمينين أن يصمدوا ولا ينهزموا؛ لأنهم يملكون العقيدة الصحيحة من جهة، ولأنهم هم المؤهلون أن يقفوا للكيد اليهودي من جهة أخرى؛ لأن الله وعدهم بالنجاة من ذلك الكيد إن استقاموا على الشرط: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا)… لو كانوا على إسلام صحيح!

ولكنهم لم يكونوا، فأصابهم ما أصابهم، وبدلاً من أن يصححوا للبشرية منهج حياتها، ويهدوها الى المنهج الحق، تخلوا هم عن منهجهم الرباني، وراحوا يلهثون لهثا وراء الجاهلية الأوربية، ويستأذنونها في مذلة -أن تسمح لهم باللهث وراءها ولا تحتقرهم ولا تستصغرهم إلى أن يتمكنوا من اللحاق بها في آخر الشوط!

وذلك هو التفسير الحقيقي لما حدث في قضية المرأة، وكل القضايا الأخرى التي ألمت بالمسلمين في أثناء نهضتهم المعاصرة.

دخلت المرأة الجامعة لا (لتتعلم) فقط.. ولكن (لتتحرر)!

لتتحرر من الدين والأخلاق والتقاليد!!

فقد قيل لها -كما قيل للمرأة الأوربية من قبل-: إن التعليم والاختلاط والحرية و(التجربة) كلها (حقوق) للمرأة، كان الدين والأخلاق والتقاليد تمنعها من مزاولتها، واليوم ينبغي أن تحطم الحواجز كلها لتحصل المرأة على ما لها من حقوق..

لم تكن هناك طفرة، إنما جاء كل شيء بالتدريج”.

انتهى النقل من كتاب (واقعنا المعاصر)، فصل: (قضية تحرير المرأة).

هذه مقتطفات من كلام محمد قطب (لا تغني عن قراءة كتابه) توضح أصل المشكلة التي يحارب لها اليوم “المجتمع الدولي” ومن يدور معه من خبثاء أو مغفلين.

 

والآن نعود لمشكلة طالبان مع أدعياء ومدعِيات العلم، نطرحها على شكل أسئلة:

■ لقد أسست معظم المعاهد والجامعات في أفغانستان (ككل المعاهد في بلادنا) على أعين الأمريكان وغيرهم من الكفار والمنافقين، لذلك يحق لنا أن نتساءل: هل أربعة عشر شهراً كافية لتأسيس صروح تعليمية جديدة تتوافق مع الشريعة الإسلامية التي بذل الشعب الأفغاني دون إقامتها روحه وفلذات أكباده؟

■ هل نهل المعلمون والمعلمات، على مدى عشرين عاما تحت احتلال الأمريكان، من الثقافة الإسلامية، أم من الثقافة العلمانية الغربية وتربوا على أعين اليونسكو والنظام الدولي؟

■ هل هؤلاء جديرون بأن يعلموا الذكور فضلا عن الإناث؟

■ وهل المنظمات الدولية تدعم التعليم لوجه الله، أم أن مساعدات رموز النظام الدولي وعملائه في المنطقة تهدف إلى أن تبيع طالبان دينها وشرفها؟

هذه أسئلة تحتاج للجواب عليها قبل التسرع بالحكم على أفعال طالبان.

 

إنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها من نساء تقول إحداهن لزوجها بعد زفافها إليه بأيام، وقد أراد أن يذهب لحلقة أبيها سعيد بن المسيب: اجلس فعندي علمُ سعيد.

وأخرى فقيهة مسلمة، ابنة العلامة محمد بن أحمد السمرقندي وزوجة علاء الدين الكاساني الملقب بملك العلماء؛ نشأت على فضائل الأخلاق، وحب العلم، والسعي في طلبه، والنبوغ فيه، مع الانضباط بضوابط الشرع وأخلاقياته، وكانت عالمة وجريئة في الحق مع اعتزاز أمام الملوك والسلاطين، حتى كانوا يشاورونها في بعض أمورهم الخاصة ومسائلهم العويصة. حتى كان والدها لا تأتيه الفتوى إلا وعرضها على ابنته وسمع رأيها بها، فكانت الفتوى تخرج وبها توقيعان؛ توقيعه وتوقيع ابنته، فلما تزوجت بالكاساني صاحب “البدائع” كانت الفتوى تخرج بخط الثلاثة، واشتهرت بخطها الجميل.

خطبها من أبيها الكثير من ملوك الروم والعرب من المسلمين إلا أن والدها لم يجب أحدًا لهذا، وزوجها بدلاً عنهم تلميذه النجيب علاء الدين الكاساني، بعد أن شرح التلميذ كتاب شيخه (تحفة الفقهاء) في كتابه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) فزوجها إياه وكان مهرها هو الكتاب، حتى قال الفقهاء: (شرح تحفته وزوجه ابنته).

 

إيه يا نسمات الأمل..

أسأل الله أن يكون في عون الطالبان؛ فالخرق واسع، واللهَ نسألُ العون لنعمل بجد وعزم أكيد لتعليم المرأة المسلمة العلم الذي يجعلها تأخذ بيد أسرتها ومجتمعها لصلاح الدنيا ولجنة عرضها السموات والأرض.

والله الموفق للصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.