الدروس الحسان من انتصار الطالبان (3)

محمد بن عبد الله الحصم

 

الدرس الرابع: الجهاد حياة.. للفرد والأمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وخير المجاهدين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين… وبعد:

فيقول الرب سبحانه: ﴿یَٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ ‌لِمَا ‌یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ ۝٢٤﴾ [الأنفال: 24].

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قال الواحدي والأكثرون على أن معنى قوله: ﴿ ِلمَا ‌یُحۡیِیكُمۡۖ﴾ هو الجهاد، وهو قول ابن اسحق واختيار أهل المعاني، قال الفراء: إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوكم يريد أن أمرهم إنما يتقوى بالحرب والجهاد، فلو تركوا الجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم. قلت: الجهاد من أعظم ما يحييهم به في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، أما في الدنيا: فإن قوتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد، وأما في البرزخ فقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ ‌بَلۡ ‌أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ ۝١٦٩﴾ [آل عمران: 169].

وأما في الآخرة فإن حظ المجاهدين والشهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظ غيرهم ولهذا قال ابن قتيبة: ﴿ ِلمَا ‌یُحۡیِیكُمۡۖ﴾ يعني: الشهادة. [الفوائد 88].

وقال القرطبي رحمه الله: وقيل المراد بقوله: ﴿ ِلمَا ‌یُحۡیِیكُمۡۖ﴾ الجهاد لأنه سبب الحياة في الظاهر لأن العدو إذا لم يغز غزا وفي غزوه الموت، والموت في الجهاد الحياة الأبدية، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ ‌بَلۡ ‌أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ ۝١٦٩﴾ [آل عمران: 169].

نعم فالحياة بذل وهوان الموت خير منها، والهالك في هذا الطريق حي عند ربه يرزق له أجره ونوره، فبئست الحياة حياة الذل والهوان التي يستسلم فيها للعدو، ويمكن فيها الأعداء من التحكم في البلاد، والحكم على العباد، فتنتهب فيها الثروات، وتضل الأنفس وتهتك الأعراض، وتسلب الحقوق، وتغير الفطر ويكون السلطان فيها لغير الله لهؤلاء الطواغيت، فيبدلوا شريعة الله بالقوانين الوضعية التي تحمل نحاتة أذهان البشر وزبالة أفكارهم، هذه القوانين التي لا تقيم حقا ولا تزهق باطلا والمليئة بالثغرات التي يجد لهم المنافقون فيها ألف سبب لدفع الحق وإقرار الظلم، وصدق الله إذ يقول: ﴿ أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَیۡرِ ٱللَّهِ ‌لَوَجَدُوا۟ ‌فِیهِ ٱخۡتِلَٰفࣰا كَثِیرࣰا ۝٨٢﴾ [النساء: 82]

 

وبفضل الله أولا ثم بفضل جهاد الطالبان وصبرهم في هذا الطريق، وثباتهم وتضحياتهم ها هم اليوم يعيشون الحياة الحقيقية حياة العز والكرامة، وها هم يعيشون حياتهم دون سلطان من أحد سوى سلطان ربهم ومولاهم، لا يرتهن أمرهم للخارج، بل أمرهم شورى بينهم.

نعم هذه هي حياة العزة والكرامة، قال المتنبي:

لا يسلم ‌الشرف ‌الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدم

 

ولا عزة ولا كرامة لمن يعطل شريعة الله وتملى عليه الأوامر من أعداء الله، فيسارع لتنفيذ ما يطلب منه، كما وصف الله المنافقين بقوله: ﴿فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ ‌یُسَٰرِعُونَ ‌فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤئِرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَٰدِمِینَ ۝٥٢ ﴾.

ونحن نقول للإمارة الأفغانية اثبتوا على ما أنتم عليه، وإياكم والمداهنة في الدين، واعتصموا بحبل الله أجمعين، ولا تطيعوا المكذبين، الذين يريدونكم أن تدهنوا فيدهنون. واعلموا أنما أنتم فيه هو الحياة الحقيقية.

واجعلوا نصب أعينكم دوما قول الله تعالى: ﴿یَٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ ‌لِمَا ‌یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ ۝٢٤﴾.