الجهاد هو السبيل الوحيد لكسب الحريّة ودحر الغزاة المعتدين

صلاح الدين مومند

يشهد التاريخ أن أمريكا هي التي سنت سنة القتل والدمار والعبودية والاستعمار في أحقاب الدهر، فما من دولة إلا اعتدت عليها الأمريكان بشكل من الأشكال، وهناك قصص وحكايات تسرد عدوان أمريكا على البشرية من أول يوم تأسيسها، فعلى سبيل المثال نقرأ تاريخ المسلمين الأفارقة الذين اقتلعوا من أوطانهم، حتى من أحضان أمهاتهم، ليباعوا في سوق النخاسة الأمريكية، ويلاقوا صنوف العذاب والإرهاب وهناك رحلة العذاب والألم الطويلة من لحظة اختطافهم مرورا بالأقفاص الخشبية التي كان يحجز فيها الأفارقة قرب السواحل قبل شحنهم بالسفن، ثم الرحلة الطويلة الشاقة الرهيبة عبر الأطلسي حيث يوضعون في قعر السفينة، ويربطون بالسلاسل، ومن ثم ينقل إلى سوق النخاسة الأمريكية من سيد إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، ومن ولاية إلى ثانية، كل ما فيها غريب عليهم، وكل من فيها يتفنن في تعريضهم لصنوف العذاب.

ذكر المؤرخون أنه نقل الكثير من المسلمين السود من أبناء أفريقيا الغربية إلى البرازيل في القرن السادس عشر بواسطة المستعمرين البرتغاليين، ليكونوا عبيدا يعملون في مزارع ومصانع السكروفي أعمالا شاقة ومتدنية أخرى.

يعود أصل الأفارقة المسلمين الذين نقلوا إلى البرازيل إلى القبائل الإسلامية في غربي أفريقيا، وأهمها (اليوريا) و (الهوساء) وكانوا على درجة من الثقافة، متقنين القراءة والكتابة، وكان أسيادهم أميين أو شبه أميين في أحسن الأحوال، وكانوا عاجزين حتى عن كتابة أسمائهم ناهيك عن حساب أمورهم المالية، وقد كتب المؤرخ البرازيلي ( نينا رود ريكرز) قائلا: ” لم يكن الذين وصلوا إلى البرازيل من السود غير متحضرين بل كانوا أبناء قبائل متحضرة، وكانوا يتقنون القراءة والكتابة إضافة إلى ذلك كانت لديهم تلك الروح الإسلامية التي أثبت التاريخ أن لها المقدرة على تحريك أمور عظيمة، لهذا لم يكن من السهل قيادهم أوتطويعهم وجعلهم مجرد أدوات بسيطة للحراثة، ومنذ البداية أبدى هؤلاء مقاومة عنيفة للعبودية، وقاموا بانتفاضات عديدة ضد معتقليهم، ولم تتوقف هذه الثورات حتى ألغيت العبودية في البرازيل في نهاية القرن التاسع عشر، وربما كانت أول انتفاضة لها تاريخ معروف في البرازيل تلك التي قامت على أيدي أفراد قبيلة الهوساء المسلمة المذكورة.

فمع بداية القرن التاسع عشر بدأ المسلمون من أبناء تلك القبيلة تنظيم صفوفهم والتخطيط الدقيق للانتفاضة، وأججت روح الحماس والعزم فيهم، ويذكر العديد من المؤرخين أن أحد أهم العوامل التي ساعدت على هذه الانتـفاضة هو التفوق والتمييز الفكري والثقافي الذي كان يتمتع به أفراد القبائل اليورية والهوساوية، ولهذا السبب لم يتمكن التنصير الإجباري ومحاولة تغيير أسمائهم إلى أسماء غربية نصرانية، أو أن يطفئ الحمية المحمدية التي كانت تضطرم فيهم.

وبدأ مسلسل الانتفاضات والثورات الإسلامية التي قام بها أبناء الهوساء واليوريا في البرازيل يوم 28 حزيران/يونيو 1807م وقامت انتفاضة أخرى في 1827 في معامل السكر في فكتوريا رافقتها انتفاضات أخرى، وكلما هاجمتهم قوات الشرطة أبدوا مقاومة بطولية، ورفضوا تسليم أنفسهم، فأصدر الحاكم أمرا بدك مواقعهم، وإطلاق القذائف عليهم بصورة عشوائية، فقتل العدد الكبير منهم، وأسر العدد الكبير المماثل، وحكم على غالبيتهم بالإعدام.

نعم كانت قوة التنظيم الديني وتعاليم الإسلام وتأثيره واضحة في هذه الثورات جميعا، وقد رفض هؤلاء المقاتلون الأشدّاء أن يصبحوا عبيدا طيعين، وقد كان العامل الرئيسي دينيا، وكانت روح الجهاد هي التي حركت الثوار، وكانت السلطات التي تولت قمع هذه الثورات والانتفاضات غير مدركة تماما لأبعادها الدينية, فقد كان هؤلاء المجاهدون يجتمعون في المعابد الإسلامية حيث وصلت الدعوة ذروتها، وأهم هذه الثورات كانت ثورة المسلمين عام 1835 والتي هزّت السلطات الاستعمارية، حيث سمع دوي صداها في أرجاء البرازيل، وبذلك خفرت وشجعت العمل على إلغاء العبودية هناك إلى الأبد.

نعم إن المعركة بين الحق والباطل والعبوديّة والحرّية جارية من حين آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، وهناك سنة الله في الكون أنه لا يغير حالة القوم إلا بتغييرهم أنفسهم، ويقول عزّ من قائل في كتابه العزيز: { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

فلأ جل هذا يقاتل شعبنا ببسالة منقطعة النظير القوات الغازية، وقد آن أوان التغيير بمشئية الله تعالى، وما يمرّ يوم إلا وفلقة النصر تتجلى في الأفق، وهناك مقاومة مسلّحة في الشمال والشرق والجنوب وغرب البلاد، وما من يوم إلا وترفع عشرات جنائز المحتلين من أراضي المعركة، وقد أذلّ الله تعالى الجبابرة الذين كانوا يحسبون بلادنا لقمة سائغة، ويظنون استتباب حكم الاحتلال فيها في غضون أسابيع أو أشهر، ولكن خسر ظنهم حيث وصل الأمر إلى السنين العديدة، وأنهم ما استطاعوا خلال ثماني سنوات حكمهم حتى في شبر واحد من هذه الأراضي الطاهرة المخضبة بدماء الشهداء والمجاهدين الأبرار، ولن يستطيعوا في المستقبل استعباد هذا الشعب الأبي المحّب للحرّية والاستقلال إن شاء الله تعالى.

نعم هناك في أحقاب تاريخ الأفغان كانت حفنة من الخونة المرتزقة الذين يرقصون بدف الاحتلال لكنهم محكومون بالخيانة لهذا الشعب وآماله المقدسة، ومصير هؤلاء الفناء في الآتي القريب، وقد كتب الله النصر والحرّية لهذا الشعب، وقد تكون بتضحية الأنفس والأرواح، وأفراد هذا الشعب يتقنون التضحية والإيثار في سبيل الله والحرّية.

{ ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} صدق الله مولانا العظيم.