الحكومة الأفغانية الجديدة تغير معالم أفغانستان.. ما الذي يحدث؟

صحيفة واشنطن بوست

 

الإمارة الإسلامية تغير معالم العاصمة الأفغانية، وهذا رأي السكّان فيما تفعله الإمارة التي تحكم أفغانستان منذ التحرير وحتى الآن.

تنظّم الإمارة الإسلامية حملة هدمٍ لبيوت وقصور سواء كانوا لأعضاء النّظام السابق أو منازل مواطنين عاديين في العاصمة الأفغانية كابل التي تعترض مسار الطريق المستقبلي، ولكنّ اللافت للنّظر أنّ الحملة تقابل بقدر كبير من الرضا من السكّان حسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية. فلقد شرعت سلطات الإمارة الإسلامية في تنفيذ مشروع طموح لتغيير وجه العاصمة الأفغانية كابل، المدينة المزدحمة بخمسة ملايين نسمة، ولاتزال تحمل ندوب وآثار وملامح فترات الصراع الأهلي والغزو الأجنبي، ورخاء الأموال الجديدة حسب تقرير للصحيفة الأمريكية.

 

إزالة جدران قصور أمراء الحرب.. وهكذا جاءت الأموال

وفّرت بلدية كابل التابعة للإمارة الإسلامية، خدمات المرافق للمنازل والشركات. ثم تجمع الرسوم بعدها لدعم ميزانيتها. بدأت الحكومة مؤخرًا في العمل على تطوير بعض الزوايا المختارة والأزقة المهملة في العاصمة كابل.

وتدير الحكومة مائة وثمانين مشروعًا في الوقت الراهن تشمل غرس الأشجار في الفواصل الوسطية بالطرق، وتنصيب المعالم التذكارية في ميادين المرور، وتمهيد الطرق الرئيسية من الصّفر. ومن المتوقع أن تصل التكلفة الإجمالية إلى نحو تسعين مليون دولار.

وشهد حي (شيربور) الراقي في وسط المدينة إزالة الجدران المقاومة للانفجار المحيطة بالقصور الفخمة التي كان يقطنها أمراء الحرب ومسؤلوا الحكومة السابقة. وتحرّكت الجرّافات لرصف وتمهيد الشوارع التي كانت مغلقة في وجه العامة من أجل تقصير مسافات التنقّل والسماح للسكان بإلقاء نظرة على عراء أصحاب النفوذ المهجورة حسب وصف الصحيفة الأمريكية.

 

ننتظر هذه اللحظة منذ وقتٍ طويل ونثق في أنّ الإمارة الإسلامية ستعوّضنا

في حيّ دشت برتشي المتهالك، وصلت فرق البلدية لهدم المنازل القديمة، استعدادًا لبناء طريق يربطها بالطريق السريع الرئيسي. يذكر أنّ التصوّر الأصلي لهذا الطريق وضع قبل ثلاثة وأربعين عامًا بواسطة رئيس أفغانستان الأوّل محمّد داود خان الذي أطاح بالملكية ووضع خطته الكبرى للعاصمة التي يرجع عمرها إلى قرون مضتْ. لكن خطته لم تتحقق مطلقًا.

بينما وقف رجل من السكّان بلحية بيضاء يدعى شرف الدين وعمره ثمانية وستين عامًا لمشاهدة العمّال الذين يغطّيهم الغبار وهم يهشّمون صفًا من منازل الطوب القديمة التي تعترض مسار الطريق المستقبلي. وقال شرف الدين: ننتظر هذه اللحظة منذ وقت طويل. وأردف أنّ بعض السكان يشعرون بالقلق حيال تعويضهم عن عقاراتهم. لكنه أوضح أن “حكومة الإمارة الإسلامية” تعدّ أكثر أمانًا من الحكومات السابقة، ولهذا يجب أن نثق في أنهم سيدفعون التعويضات. لن ننتظر المساعدات الدولية لتعمير أفغانستان.

وقال نعمت الله باركزي (المتحدث باسم مبادرة إعادة إعمار كابل): إنّ جميع مشروعات التنمية الدّولية توقفت بعد تولّي الإمارة الإسلامية السلطة العام الماضي. وأضاف: لا نريد الانتظار حتى يستأنفوا عملياتهم أو الاعتماد على المساعدات الخارجية.

وتواجه الدولة التي يبلغ عدد سكانها أربعين مليون نسمة صعوبات اقتصادية. لكنّ باركزي أكّد قائلًا: نريد حل مشكلاتنا الشخصية، ونريد أن نجعل مدينتنا جميلة. لا نريد أن يظنّ النّاس أنّ كابل أصبحت مدمّرة الآن وأنّنا لا نهتم بالثقافة.

وقدّرت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2002م حوالي 88 مليار دولار من المساعدات الأمنية و36 مليار دولار من المساعدات المدنية. إضافة لمليارات الدولارات من الدول الغربية الأخرى. إلا أنّ الحكومات الموالية للغرب ظلّت تعتمد على الدعم الخارجي. وكشف تقرير لصحيفة ديلي تلجراف عن أنّ جزءًا من المساعدات البريطانية للحكومة الأفغانية السابقة وقواتها الأمنية وُجِّه لدعم فساد ووحشية الشرطة.

 

الرشوة اختفت.. وتفكيك قلعة دوستم التي كانت عصية على الشرطة

أوضح عابد بلوش (55 عاماً) تفشي الفساد والرشوة وانتشار عصابات المخدّرات في الماضي، لكنّ جميع هذه الأشياء اختفت الآن.

يقول: سأصدّق البلدية إذا قالت أنها ستدفع لي المال في غضون عام. تتميّز الحكومة الجديدة بالصدق. وبدأت في تغيير المشهدين المادّي والسياسي معا.

وهذه شهادات السكّان في كابل عن أداء حكومة الإمارة الإسلامية، وتظهر وجوه التغيير في تفكيك القلعة التي كان يقطنها عبدالرشيد دوستم الجنرال العسكري ونائب الرئيس سابقًا، إذ كانت القلعة تطل على تقاطع ضيّق في المدينة طيلة سنوات، وتبطئ حركة المرور بشدّة، وحاولت الشرطة اعتقال دوستم ذات مرّة، لكنّ قواتها عجزت عن اجتياز الجدران المقاوِمة للانفجار والأسلاك الشائكة، وأبراج المدافع. بينما اختفت تلك التحصينات الدّفاعية الآن وأصبح بإمكان المشاة التجوّل في الممرات المُحيطة بالقلعة.

وقال حارس أمني تابع للإمارة الإسلامية، في الخمسينيات من عمره، ويُدعى خيرالله: يجعلني هذا أشعر وكأننا فعلنا شيئًا مفيدًا، وأنّ كل السنوات التي قضيناها في المعارك كانت تستحق العناء. لقد جلبنا السلام وأصبح الرجال يطلقون اللحى ويذهبون إلى المساجد، وصار المواطنون يمشون بحرية حسبما نقلت عنه الصحيفة الأمريكية.

 

هدم المعالم المرتبطة بالقادة المناهضين للإمارة الإسلامية

تتجلى بعض المشروعات العامة الأخرى بوضوح لتحمل رمزية سياسية. فعلاوة على إقامة الحواجز الخرسانية الفاصلة في الطرق المزدحمة هدم عمّال المدينة المعالم التذكارية البارزة في الميادين المرورية. إذ جرى تنصيب غالبيتها تكريمًا للقادة المناهضين للإمارة الإسلامية مثل أحمد شاه مسعود وعبدالحق بعد مصرعهما، لكن تلك المعالم التذكارية سيجري استبدالها بأشكال مجرّدة، بدلًا من تماثيل أبطال الإمارة الإسلامية، نظرًا لالتزام الإمارة برؤية فقهية تحرم التماثيل.

بينما تشهد المناطق الأفقر في المدينة أعمالًا شاقّة، لتطوير الطرق القديمة وبناء الطرق الجديدة على وجه السرعة. إذ بدأ العمل على الطريق الجديد في (دشت برتشي) باستخدام المعدّات الثقيلة في الشهر الماضي. واجتمع حشد من السكّان لمشاهدة المعدّات وهم يشعرون بالحزن أثناء هدْم منازلهم، لكنّهم كانوا سعداء ويشعرون بالسّعادة؛ لأنّ منطقتهم سترتبط بالطريق السريع رقم واحد أخيرًا. ويربط ذلك الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب بين كابل وقندهار. وذلك بعد أن بناه التحالف الأمريكي من أجل التقدّم في الستينيات. وقال الجزّار العاطل محمد محسن وعمره ثلاثين عامًا: لا أدري لماذ يجب أن فعل ذلك الآن مع اقتراب الشتاء وشعور النّاس بالجوع. لكننا نحتاج إلى هذا الطريق. وأتذكّر حديث والدي عنه عندما كنت صبيًا. وها هو الحلم يتحقق مع مجيء الحكومة الجديدة. لهذا يجب أن نكون سعداء.