الخروج من أفغانستان .. “فرصة ثمينة” أمام الإدارة الأمريكية الجديدة

مع أنه لم يكن ثمة أي دليل وحجة على ضلوع الأفغان وتورطهم في أحداث 9\11، وأنهم كانوا بريئين من التدخل فيها براءة الذئب من دم يوسف، إلا أن أمريكا اعتدت على أفغانستان وشنّت حرباً بلا هوادة عليها دون أي مبرر.

حرباً مليئة بالجرائم والانتهاكات، ارتكبت فيها أمريكا أفظع أنواع الجرائم وأبشعها، حرباً دامية سفكت فيها أمريكا أرواح مئات الآلاف من الأبرياء العزل، حرباً مدمرة ومبيدة ومهلكة دمّرت بلاد الأفغان وأبادت القرى والمدن وهدمت مرافق الحياة وأهلكت الحرث والنسل.

نعم! حرب أمريكا على أفغانستان المسلمة المضطهدة من أطول الحروب في تاريخها، فقد مضى عليها ستة عشر عاماً ولازال الشعب الأفغاني محصوراً في أتونها ويئن ويعاني من ويلاتها.

 

لم تكتسب أمريكا من هذه الحرب سوى الخزي والعار، فقد أكلت هذه الحرب الطاحنة جماجم الآلاف من جنودها، وضيّعت فيها مليارات الدولارات، ودُمرت عشرات الآلاف من عرباتها ومصفحاتها وطائراتها، وبدأ اقتصادها يترنح، وظهرت موجات الاستنكار ضد تصرفاتها الإجرامية في العالم، وشوهت وجهها بفرض نظام فاسد فاشل على هذا البلد المنكوب، وسجلت أفغانستان رقماً قياسياً في زراعة المخدرات تحت ظل احتلالها، وانتهكت حقوق الإنسان وداست عليها، وما إلى ذلك من المآسي والكوارث التي تسببت بها.

 

فرصة ثمينة:

يا أهل الكتاب، إن قتل الناس بغير حق وإخراجهم من ديارهم والمظاهرة عليهم بالإثم والعدوان والفساد في الأرض من الأمور التي حرمها الله عليكم. وجنودكم في أفغانستان متورطون في هذه الجرائم التي تؤدي إلى الخزي في الحياة الدنيا وإلى أشد العذاب يوم القيامة.

وإن تغيير القيادة الأمريكية فرصة ثمينة لإعادة النظر في سياساتكم الاستعمارية حيال أفغانستان، ما عليكم إلا أن تنتهزوها قبل فوات الأوان.

وقد وجهت عدد من الشخصيات الأفغانية رسائل إلى الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” بهذه المناسبة، مفادها: بما أنك وجهت انتقادات لاذعة لسياسة بوش وباراك اوباما حيث قلت أنهما ورطا أمريكا في حروب ليس لها نهاية، وأن التهديدات ازدادت بعد 17 عاماً من التواجد الأمريكي في أفغانستان، وأن تدخل القوات الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان عام 2003 م كان خطأ حقيقياً.

فنرجو منك أن تتجنب تكرار التجارب الفاشلة البالية، وأن لا تقتفي آثار أسلافك وأن لا تسير على طريقهم المهلك، وأن تتخذ خطوات عملية نحو التخلي عن السياسة الاستعمارية والتدخل في شؤون الآخرين، وكل ما عليك فعله هو سحب قواتك المحتلة من بلادنا الحبيبة لنعيش حياة كريمة آمنة.

وإن كنت تظن أنك ستحسم المعركة لصالحكم بقوة الحديد والنار فهذا حلم خيالي لا يمكن له أن يتحقق، واعلموا أنكم أنتم البادؤون بالحرب وعلى عاتقكم مسؤولية إنهائها.

اعلموا أن الشعب الأفغاني انتفض في وجه الاحتلال الأجنبي دفاعاً عن عقيدته وأرضه وكرامته وحريته، فنحن لسنا إرهابيين، ولكن الإرهابيين هم أنتم، لأنكم اعتديتم على بلادنا، وردع العدوان والوقوف في وجه الظالم والمقاومة للدفاع عن النفس والأرض والعرض حق مشروع مكفول للجميع لا يختلف عليه اثنان.

فكما تريدون لأنفسكم الحرية والاستقلال ولا ترضون بالتواجد العسكري لأية دولة أجنبية على أرضكم بل في جواركم، فلماذا لا تقرون بهذا الحق للشعب الأفغاني؟ أنتم سلبتم حرية الأفغان وفرضتم عليهم إدارة عميلة لا تملك من الأمر شيئاً، وهكذا تصبون الزيت على النار وتنفخون في كيرها.

 

فلا يمكن تحقق الإنتصار بإرسال مزيد من القوات ولا بتكثيف قصف الطائرات والصواريخ الموجهة، ولا بالدعايات، ولا بالتهديدات، فقد جربتم كل أنواع هذه الجرائم وباءت بالفشل. وقديماً قالوا الذي يجرب المجرب فعقله مخرب، ولله در القائل، حيث قال:

 

لا تجرب نكتة جربتــــها      فمن التوفيق حفظ التجربة

فإذا جربتها مع حفظــــــها     لم يكن فعلك إلا ملعبــــة

 

ولو كان الانتصار يتأتي بالتقتيل والتشريد والقصف والتنكيل لكنتم انتصرتم قبل 16 عاماً، فما توقفتم عن ارتكاب أية جريمة خلال هذه الأعوام واستفرغتم جميع ما في وسعكم، ومع ذلك واجهتم الهزائم تلو الهزائم.

 

يجب أن تدركوا أن شعاراتكم البراقة التي كنتم ترددونها في بداية الاحتلال من محاربة الإرهاب، والحرية المزعومة، والديموقراطية، والسلام والرقي الاقتصادي وإعادة الاعمار، وحقوق الإنسان، وغيرها لم تعد تنفعكم، فإن الأفغان فطناء لن تنطلي عليهم هذه الحيل إن شاء الله.

إن الشعب الأفغاني لا يعتبر تدخلكم في شؤونه دعماً أو مساعدة، بل يعتبره احتلالاً مباشراً وعدواناً سافراً، فقد أدرك كل فرد من الأفغان أن المحتلين قتلة مجرمون، والمجاهدين أبطال مكرمون.

ولقد صمد الشعب الأفغاني زمناً طويلاً في وجه الاحتلال الأمريكي ولن يخضع أمامكم مهما أطلتموه. واعلموا أن للشعب الأفغاني خبرة طويلة في مقارعة الاحتلال الأجنبي ومطاردته وكفاكم عبرة في مطاردتهم للإنجليز والسوفييت.

ولا تحتقروا أمر الأفغان، فإنهم وإن كانوا ضعفاء لكن هممهم عالية كالجبال وعزائمهم عزائم رجال، ومعنوياتهم مرتفعة وتكبيراتهم مزلزلة، صامدون رغم كل المحن والإحن، واثقون بنصر القوي العزيز، يحاولون الدفاع عن عقيدتهم وأرضهم وعرضهم بكل ما أوتوا من قوة، بالحاويات الصفراء، بالعمليات الاستشهادية والإنغماسية والإقتحامات والكمائن والهجمات من الداخل، ويتحيّنون الفرص للانقضاض عليكم.

 

كما أن الآراء تغيرت والأفكار تطورت على مستوى المنطقة بشأن المقاومة الجهادية الأفغانية، فليس الأفغان وحدهم هم الذين يعتبرون جنود أمريكا محتلين ومعتدين، بل شعوب المنطقة كلهم يرون في تواجدكم خطراً على استقرار المنطقة.

فلا تضيعوا أموالكم ولا تهدروا دماء جنودكم ولا تفوتوا الفرصة، ولا تزدادوا بالنصائح عجرفة وغطرسة وغروراً، بل اعقلوها وعوها واقبلوها.

فحذارِ حذارِ من مغبة الوقوع فيما وقع فيه أسلافكم، فقد كانوا في ضلال مبين في اعتداءهم على العالم الإسلامي، وإلا فستكونون أنتم المسؤولين عن تبعات وحسرات وعواقب وخيمة تترتب على جرائمكم.

وأما إن استمرت أمريكا في بغيها وطغيانها وتمسكت بسياستها الاستعمارية الاحتلالية، فليس ببعيد أن تتحقق نبؤة ذلك الأشعث الأغبر، أمير المؤمنين الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله حيث قال: “ستنزل أمريكا من أعلى القائمة إلى أسفلها بإذن الله “.

إن العقلاء متفقون بأن أمريكا تخوض حرباً خاسرة ستهوي بها إلى هاوية الهلاك المحتوم، وستلحقها هزيمة ساحقة إن هي أصرت على استمرارها والخوض في غمارها، ويومئذ سيقف المسلم المضطهد على جثتها الهامدة ويقول لها: أيها الطاغية المغترة بقوتها المحتقرة لأمرنا، كيف رأيتي عظم حيلتنا مع استضعافنا عند عظم جثتك وصغر همتك.