الطاغوت!

بقلم عرفان بلخي

 

يوم تسويد هذا المقال كان تنصيب الطاغوت رئيس أمريكا الجديد دونالد ترمب والعالم بأسره -لاسيما الاسلامي الذي يئن تحت وطأة الاحتلال الأمريكي- ينتظر ابتداءاً من اليوم، الأيام العصيبة والتعيسة المستقبلية، ويتساءل ماذا سيكون مصير الأمة الإسلامية في حقبة حكمه؛ لأنه رجل كما يصفه الأستاذ عطوان :”طاردته الفضائح والتحرشات الجنسية، طالما سعى اليها، في سنوات حياة انشغل فيها بالصفقات التجارية، وتكديس المليارات، ولم يتصور أنه في أي يوم من الأيام سيصبح رئيسا للدولة الأعظم في العالم، فهو الوحيد بين 44 رئيساً أمريكياً سبقوه، لم يخدم في الجيش الأمريكي، ولم يتولَّ أي منصب حكومي، وعاش بين أحضان الجميلات في أبراجه العاجية الفخمة، متنقلا بطائرته (البوينغ) العملاقة بين العواصم العالمية بحثاً عن المزيد من الثراء والجميلات”.

ولأنه الرئيس الأسوأ، بشهادة سلفه الأسبق جورج بوش الإبن، والذي كشف عن سرّه للمرّة الأولى وقال أنّه يعدّ الساعات ليأتي رئيساً أسوأ منه إلى البيت الأبيض، أي دونالد ترامب. وتابع في حديثه للمراسلين في منزله قبيل التنصيب، إنّه سينتظر بصعوبة مجيء يوم إذ سيعزل عن “عرش أسوأ رئيس أميركي” وتسقط هذه التهمة عنه لصالح رئيسٍ آخر، وقال: “أقرّ وأعترف، لم أشعر قبل الآن أنّه سيأتي هذا اليوم في حياتي”.

حقاً، إنه فرعون الحقبة المعاصرة، وطاغية زماننا حتى النخاع بكل معاني الطغيان؛ لأن الطُّغيانَ: تَجاوزُ الْحدِّ في العصيان، ويُقال أنَّ الطاغية مَن أسرف في المعاصي والقهر، وقد يَتَّخِذ من القوانين -خاصَّةً الوضعية- ما يُتِيح له ارتكابَ الفظائع والفضائح. إن الطَّاغوت هو الطُّغيان إذا ما استفحل؛ للتَّعميم على كلِّ سلوكيات الناس، وطمْسِ حُرِّياتِهم، وحَبْس أنفاسهم، وعَدِّ حركاتِهم، ومراقبة سكناتهم إلى جانب تَحْميل المولى -عزَّ وعلا- لِهَذه العبارة معانِيَ الاستبداد المؤدِّي حتْمًا إلى الضَّلال والكفر، واتِّخاذها أيضًا رمزًا مُضادًّا للإيمان، مُناقِضًا للإسلام.

إن رئيس أمريكا في عصرنا الحاضر هو الطاغوت الأكبر، ونعرف أن عداوته وأمثاله من الكفرة للمسلمين قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بيّنها الله في القران الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم، فمن لم يقنع ببينة القران، فليشاهد ما يجري بالعيان في الدول الإسلامية التي تئن تحت وطأة الاستحمار والاحتلال الأمريكي.

وقد طالب ترامب في تصريحاته المثيرة للجدل بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وإغلاق الحدود في وجوههم، وفي أولى فقرات خطاب تنصيبه، قال: إن مكافحة الإرهاب الإسلامي من أولوياته، ويُذكر أن لترامب تصريحات سابقة لا تقل “هستيرية” عن تصريحه عن المسلمين بأنهم حيوانات، فهو الذي قال في إحدى الندوات: إن المسلمين ابتهلوا وهللوا في الحادي عشر من سبتمبر، كما أنه طالب بضرورة استخدام كاميرات لمراقبة كافة المساجد في الولايات المتحدة.

مشكلة دونالد ترامب مع المسلمين لم تعد مخفية قبل هذا، فقد طالب بتجريد المسلمين الأميركيين من حقوقهم المدنية بسبب معتقداتهم. وليس هو فحسب، بل قبل ذلك صرح بكلمات الطغيان كثير من بني جلدته، مثلا: خطب يوماً (ألبرت بيفريدج) ممثِّل ولاية (إنديانا) في مجلس الشيوخ الأمريكي وهو يقول: (لقد جعل الله منَّا أساتذة العالم! كي نتمكن من نشر النظام حيث تكون الفوضى، وجعلنا جديرين بالحكم لكي نتمكن من إدارة الشعوب البربرية الهرمة، وبدون هذه القوة، ستعمُّ العالم مرَّة أخرى البربرية والظلام، وقد اختار الله الشعب الأمريكي دون سائر الأجناس كشعب مختار!! يقود العالم.

وهاهو الكبر والتعالي على الرب وعلى العباد بمنطق من قال: (ما علمت لكم من إله غيري)، ومن قال (ما أريكم إلَّا ما أرى وما أهديكم إلَّا سبيل الرشاد)، يقول أحد كبرائهم وهو متحدث باسم البيت الأبيض في حرب الخليج: (جئنا نصحح خطأ الرب الذي جعل البترول في أرض العرب)، وهذا بوش الابن يخاطب برويز مشرَّف بمنطق القوة والتهديد ليركع له وينحني: (أمامك خياران: إمَّا أن تدخل في حلف أمريكا ضد الإرهاب، وإمَّا أن نعيد باكستان للعصر الحجري). حقاً إنَّها سياسة من لا يفتح مجال الحوار ولا يفهم لغة الأخذ والرد، وهي القاسم المشترك الذي جمع طواغيت الأرض على كرسي التجبُّر، وسيف القهر، والكبرياء البغيض.

قال أحد الأساتذة من علي منبر: إنَّ الأمريكان الطغاة جعلوا أنفسهم بمنزلة الرب، واستقوا من الفكرة الثيوقراطية مبدأً؛ بأن يُطاعوا ويُخدموا من قبل الناس، وإلا فالجحيم ينتظرهم لأنَّهم مفوضون -حسب ادعائهم- عن الله بالحكم والقتل، وهذا كلام نيكسون: (إنَّ محور علاقات أمريكا مع ألمانيا وأوروبا وآسيا والعالم كلِّه هو مصالح أمريكا، وعلى العالم كلَّه أن يخدم مصالح أمريكا).

إن أمريكا لا تزال تقوم بالأعمال الإجرامية على كوكبنا المثخن بالدماء والجراح، فهي تقصف البيوت الآمنة في البلاد الإسلامية وتقتل المدنيين العزل في عقر دارهم.

وإنَّ غمامة الإجرام الأمريكية التي ظلَّلت العالم منذ قرن من الزمان وآذتهم بشتى أساليب الإيذاء، وتعدّت على دمائهم، بل تغذَّت عليها، إنَّ هذه الهمجية التي تتعامل بها أمريكا مع شعوب الأرض لن تبقى أبداَ، ولقد بشَّر الكثير من مفكري أمريكا بسقوط هذه الدولة، وعدم بقائها على ظهر البسيطة، لأنها تعدت على حقوق الحق، وعلى حقوق الخلق، ومن ذلك ما قاله توماس شيتوم وهو من قدماء المحاربين في فيتنام، وصاحب كتاب الحرب الأهلية الثانية: (أمريكا ولدت في الدماء، ورضعت الدماء، وأتخمت دماء، وتعملقت على الدماء، ولسوف تغرق في الدماء!).

إن القرآن الكريم مليء من أمثال هؤلاء الفراعنة، فهناك فرعون إبراهيم عليه السلام الذي قال (أنا أحي وأميت)، وأبو جهل فرعون أمتنا، والفراعنة الآخرين من بعدهم، وكلهم في أحقاب الدهر يسعون في الأرض فساداً، يسفكون دماء الأبرياء ويضرمون نيران الحروب على المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، إنهم يقتلون المسلمين في عقر دارهم ويجوسون خلال ديارهم وبين أيديهم الدبابات المدججة وفوق رؤسهم الطائرات المحلقة ووراء ظهورهم مئات الآلاف من العساكر المدربين الذين يقطعون على الناس طريقهم إلى الحياة الآمنة الكريمة.

ولكن الله يريد غير ما يريد فرعون، ويقدر غير ما يقدر الطاغية. والطغاة البغاة تخدعهم قوتهم وسطوتهم وحيلتهم، فينسون إرادة الله وتقديره، ويحسبون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبون، ويختارون لأعدائهم ما يشاؤون، ويظنون أنهم على هذا وذاك قادرون.

حاشا وكلا! فنحن الأفغان جربنا هذه الإرادة الإلهية الفائقة التي كانت قدرنا طول جهادنا مع الطغاة والمعتدين، فأول ما بدأت الحرب من قبل الطغاة الأمريكيين وتحالف الناتو علينا في أكتوبر 2001 وشنت السفن والطائرات العسكرية الأمريكية على إمارة أفغانستان الإسلامية موجات من الغارات الجوية تحت مزاعم وهمية بمكافحة الإرهاب، قصفونا بكل الوسائل (طائرات ودبابات، وقنابل 15 ألف رطل، وصواريخ، وقنابل عنقودية)، ثم قررت قوات الإمارة أن تغير تكتيكات المواجهة، فانسحبت من المدن ومارست حرب العصابات.

أنا الغريق فما خوفي من البللِ!

ومرّت السنون وأهلها، ودمر الاحتلال بلادنا ستة عشر عاماً بأيدي بوش الإبن ومن بعده أوباما ومن اليوم الطاغية ترامب سيدمرها دون مبرر يذكر!.

قفا نبك على حبيب ومنزل !.

نعم على مدار آلاف الاعوام الماضية شهدت بلادنا عدداً لا يُحصى من الغزاة، بدءاً من جنكيز خان إلى تيمورلنك إلى سلالات المغول والحربين الأنجلو-أفغانية في القرن الـ19، وبالأمس القريب عام 1979 أرسل الإتحاد السوفييتي المعتدي قواته واحتل البلاد فأبدى المجاهدون الأبطال الاشاوس مقاومة شديدة مما أدى إلى انسحاب قواته كاملة، متلبسا بالخزي والعار.

بل السراويل من خوف ومن دهش *** واستطعم الماء لما جد في الهرب!

 

فهذه البلاد استعصت جبالها الوعرة وعزائم شعبها الصامدة، فهزمت الجيش الأحمر السوفياتي في ثمانينيات القرن العشرين شر هزيمة، ودفنت في مقبرة كابول جنود السوفييت. واليوم أصبحت مقبرة للأمريكان والحلف الأطلسي، وسيكون الإنسحاب الأمريكي الكامل المماثل غير بعيد.

والإمارة الإسلامية تطلب من الطاغوت كما جاء في بيان الإمارة: “مراجعة السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان وعدم اتباع التوجهات السابقة وتذكره أن العنف في أفغانستان سيستمر، إذا واصلت إدارة ترامب اتباع توجهات الادارتين الأمريكيتين السابقتين، بقيادة أوباما وبوش الابن. وأن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، بدعم قوات التحالف، أسفر عن دمار وخسائر في الأرواح وخسائر مالية بالمليارات في السنوات الـ16 الماضية، كما أن استخدام القوة أسفر عن تكوين صورة سلبية للولايات المتحدة وتزايد الكراهية ضدها”.

ونحن نؤمن بأن الله ضمن للمؤمنين أن يدافع عنهم، ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتماً من عدوه، ظاهرٌ حتماً على عدوه، فالمستضعفين الذين يتصرف الطاغية في شأنهم كما يريد له هواه البشع النكير، هؤلاء المستضعفين يريد الله أن يمن عليهم بهباته من غير تحديد، وأن يجعلهم أحراراً وقادة، لا عبيداً ولا تابعين، وأن يورثهم الأرض المباركة، وأن يمكن لهم فيها فيجعلهم أقوياء راسخي الأقدام مطمئنين، فلذلك أصحاب العقيدة لا يخضعون أمام الفراعنة والجبابرة، وهم طول حياتهم في جهاد.

والفجر من خلف الدياجي مقبل.