الدروس الحسان من انتصار الطالبان (4)

الدرس الرابع: الجهاد مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية

محمد بن عبد الله الحصم

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين … وبعد:

فالرحمة من أهم وأعظم خصائص الإسلام، بل جعل الله الرحمة عنوان رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). والنفي والإثبات أقوى أساليب الحصر في اللغة العربية، فحصر الرسالة بالرحمة يدل ذلك على أنها الهدف من الرسالة وغايتها هي الرحمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إنما أنا ‌رحمة ‌مهداة) فحصر رسالته بالرحمة وأنه بعث بها ولأجلها، لذا نجد الرحمة في كل جانب من جوانب دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام، حتى الحيوانات جعل الإسلام لها حقوقا فضلا عن الإنسان الذي هو محل للتكريم كما قال الله عز وجل: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).

فالشرع الإسلامي جاء برحمة البشر حتى في العقوبات والحدود من حيث ثبوتها، أو إقامتها، أو الهدف منها، وهو تطهير الجاني من جنايته، فلا تطهره العقوبات الوضعية، بل لا يتطهر إلا بالحدود الشرعية.

وكذلك الجهاد في أصل مشروعيته والحكمة منه، إنما هو الرحمة، فالغاية من تجييش الجيوش في الإسلام ليس هو احتلال البلاد ونهب خيراتها وتسخير الشعوب في مشاريع تخدم سياساتها وجعلها حديقة خلفية للدول المستعبدة والذين يسمون هذا الاستغلال الجشع زورا وبهتانا بالاستعمار.

إنما الهدف منه هو إدخال الناس في دين الإسلام لإخراجهم من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

والدليل على هذا الهدف السامي أن الكافر في أرض المعركة حتى لو سبق منه الإثخان فينا ثم أسلم فقد عصم دمه وماله فلا يجوز قتله لأنه بإسلامه تحقق الهدف الأعظم للجهاد في الشريعة الإسلامية.

وكان قتله ذنبا عظيما كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله فقتله، فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله فقال: «لم قتلته؟» قال: يا رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمى له نفرا، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقتلته؟» قال: نعم، قال: «فكيف تصنع ‌بلا ‌إله ‌إلا ‌الله إذا جاءت يوم القيامة؟» قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال: «وكيف تصنع ‌بلا ‌إله ‌إلا ‌الله إذا جاءت يوم القيامة؟» قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: «كيف تصنع ‌بلا ‌إله ‌إلا ‌الله إذا جاءت يوم القيامة» (رواه مسلم).

‌‌وعند فتح مكة أصدر عليه الصلاة والسلام أمرا عاما بالعفو عن المخالفين فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهم الذين آذوه وآذوا أتباعه، وهكذا فعلت هذه الحركة المباركة “طالبان”، وجددت سنة نبيها عليه الصلاة والسلام، وعفت عن مخالفيها وتعالت على جراحها وطبقت معلما من معالم الرحمة التي جاء بها الإسلام وهو العفو عند المقدرة، ليعلم الجميع أن الجهاد رحمة وأن المجاهدين أرحم الناس بالخلق، حتى أبهروا في ذلك العالم الذي توقع منهم الانتقام من المخالفين، فجزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء، وأعطوا صورة بيضاء عن تلك التي طمسها أدعياء الجهاد في هذا الزمن من تصويرهم المجاهدين بالمنتقمين والقتلة والمتعطشين للدماء . أسأل الله أن ينصر الإسلام وأهله ويذل المشركين والمنافقين. اللهم آمين.