الدروس الحسان من انتصار الطالبان (6)

محمد بن عبدالله الحصم

 

الدرس السادس: وقوع الهزيمة سنة كونية، وكيف تعامل معها الطالبان؟!

الهزيمة وقعت لجيش النبي صلى الله عليه وسلم في أحد، وهم أتقى وأطهر جيش في تاريخ الإنسانية، فلن يسلم منها جيش، ولله في ذلك حكمة سنتعرف عليها من خلال هذا المقال، وسبب وقوعها في تلك الغزوة هو سبب تفريط المسلمين في أسباب النصر، وقد سماها الله مصيبة فقال جل وعلا: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم). والله عز وجل بين في كتابه العزيز أن حصول انكسار أو سقوط أو هزيمة في صف المسلمين أنها من سننه وأقداره الكونية التي لا تبديل لها ولا تحويل، فقال عز وجل: (وتلك الأيام نداولها) بمعنى يديل الكفار على المسلمين تارة، ويديل المسلمين على الكفار تارة، لكن العاقبة في كل صراع إنما تكون لأهل الإيمان. وبعد قوله: (وتلك الأيام نداولها)؛ بين حكمته من هذا التقدير ومن وقوع الهزيمة في صف المسلمين، فقال: (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين).

أربع حكم ذكرها من تقديره لوقوع الهزيمة في صفوف المسلمين وهي باختصار:

– الأولى: (وليعلم الله الذين آمنوا). تمييز المؤمن الصادق من المنافق دعيّ الإيمان، وهذا لا يظهر في حال القوة فعندما تكون قويا فالجميع معك، لكنه يكون وقت الضعف وتسلط الأعداء.

– الثانية: (ويتخذ منكم شهداء). أي يصطفي منكم من سبقت له الكرامة بالاستشهاد – نسأل الله من فضله -.

– الثالثة: (وليمحص الله الذين آمنوا). أي يخلصهم من الذنوب ويكفرها عنهم بسبب هذا البلاء النازل بهم.

– الرابعة: (ويمحق الكافرين). أي يهلكهم لأنهم إذا انتصروا ازدادوا في غيهم وجبروتهم.

 

والمقصود: أن ما أصاب هذه الحركة المباركة “الطالبان” في سقوط الإمارة الأولى، ليس ببدع من سير الصالحين، فما أصابهم قد أصاب من هو خير منهم، ولكن هل صبروا وثبتوا؟ أم بدلوا وغيروا؟

الصحيح الذي لا يصح غيره، أن الهزيمة لم تفتَ في عضدهم، بل قدموا من الشهداء الشي الكثير الذي لا يخفى، وميز الله لهم صفوفهم فعرفوا الخبيث من الطيب وتمحصت صفوفهم، فعادت المحنة في حقهم منحة، والبلية عطية، فبنوا دولتهم على أسس من الصدق وهم قد عرفوا من معهم على الحقيقة من الأدعياء الذين ولاؤهم للمال والقوة لا للمبادئ.

فطالبان اليوم أقوى منها بالأمس، وأقدر على إدارة الصراع منها في السابق، لذلك سنرى تقدما ورفاهية تنتظر الشعب الأفغاني نسأل الله أن يديم عليهم فضله، وأن يهنؤوا بهذا الرخاء، ويحفظ الأفغان شعبا وحكومة، وأن يجعلهم ذخرا للإسلام وأهله.

وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.