الشهيد محمّد مرغابي من صفوف العملاء إلی قافلة الشهداء

محمّد المرغابي من أبناء قریة اسفرمان بمديرية جهارسده بولاية غور، لم یکن بادئ الأمر ملتزماً بالدين؛ وذلك لأنه كان في عنفوان شبابه وكذلك لعدم وجود الدعاة الصالحين الذين يرشدونه إلى ما فيه خيره في الدنيا والآخرة، بينما كان أدعياء الشر والشيطان نشطون في دعوته للالتحاق بصفوفهم، وهو ما حصل بالفعل، حيث قضى مدّة يعمل جندياً عسكرياً في عهد كرزاي وأشرف غني، ليأخذ راتبه الشهري ویعیش عیشاً رغيداً وسعيداً، لأنه كان يجهل أن العمل تحت راية الاحتلال ذنبٌ كبير، حيث يبتعد المرء عن الدين والإسلام بمجرد التحاقه بصفوف العملاء.

فكان محمد في صفوف الأعداء، مع أنّ المجاهدين كانوا قد ظهروا في منطقته، وكانوا يتقدمون ويقومون بتمشيط القرى والمناطق من وجود الأعداء، فانغمس في حبّ الدنيا ومتاعها الزائف آنذاك؛ ولهذا لم يلتحق بصفوف المجاهدين، إلا أنّ الله سبحانه وتعالى إذا أراد بشخصٍ خيراً هداه إلى سواء الصراط، وحقاً إنّ الله على كل شيء قدير.

نعم؛ انضمّ الشهيد محمد رحمه الله في ربيع العام الماضي بصفوف المجاهدين، فتغير حاله من حال إلى حالٍ، فكان رحمه الله تعالى متواضعاً، حُلو المعشر ذا خلق رفيع، يفرح لأفراح المسلمين ويألم لآلامهم، وكان يُمضي كثيراً من وقته في التفكير بهموم الجهاد ومشكلات المسلمين.

أجل؛ فمحمد الذي كان بالأمس حاملاً سلاحه يستهدف به المجاهدين، التحق اليوم بصفوف المجاهدين ليدافع عن الإسلام والمسلمين، وبينما كان بالأمس يبيت حارساً لثكنات أعداء الإسلام، صار اليوم خفير الإسلام والمجاهدين.

وبالأمس كان يأخذ راتبه الشهري ليهنأ بعيش رغيد بدولارات أميركا، ولكنه اليوم ينفق من أمواله للإسلام والمسلمين، وهكذا يكون حال من يريد خدمة الإسلام لينال الفوز في الدنيا والآخرة.

وبعدما انضم إلى صفوف الإمارة الإسلامية لم يهنأ له بال، فبات يدعو رفاقه السابقين في ولاية غور عبر اللاسلكي، يدعوهم لترك صفوف الباطل والكفر والنفاق، وينضموا لصفوف المجاهدين، أو أن يقعدوا في بيوتهم إن عجزوا عن الأولى.

وفي يوم من الأيام اتصل بأحد العملاء من رفاقه السابقين ليدعوه لترك صفوف العملاء، فقال له ذلك العميل: ماذا جنيت عندما التحقت بصفوف المجاهدين وماذا استفدت؟

فأجابه ذلك الشاب الملهم الذي كانت جوانحه ملئية بالآلام والأوجاع والذي كان حريصاً على دعوة رفاقه ونصحهم لترك هذا العمل الشنيع، أجابه: رأيت ما لم أرد أن أقوله لأحد، ولكنكم أجبرتموني على أن أقوله لكم، نعم بعدما التحقت بصفوف الإمارة الإسلامية رأيت النبي صلى الله عليه وسلم – فداه أبي وأمي – في المنام 3 مرات، وهكذا تيقنتُ بأن هؤلاء المجاهدين على الحق.

وفي ربيع العام المنصرم أراد المجاهدون أن يشنوا هجوماً على مديرية جهار سده لفتحها، فرصّوا صفوفهم وكانوا يرتبون أمورهم لهذه الغزوة المباركة، فاستعدّ زهاء 300 مجاهد لهذه العملية المباركة، ولم يتخلف المجاهد محمد عنهم؛ لهُيامه وغرامه بالجنة والروح والريحان والحور العين وأنهار الجنة الجارية وكؤوسها المترعة.

وماهي إلا لحظات حتى طوّق المجاهدون المديرية، وكان محمد معهم، فبدأت المعركة ودامت نحو 7 أيام، فنفدت ذخائر المجاهدين، فعزموا على الإنسحاب، وفعلا انسحبوا، لكن محمد لم يرجع معهم؛ لأن روحه كانت قد فاضت إلى بارئها، وترك الدنيا الدنية وانضم لقافلة الشهداء الصالحين الآخرين، كما نحسبه إن شاء الله.

واستشهد في هذه الغزوة المباركة 16 من المجاهدين الأبطال بما فيهم محمد إلا أنّ قصة شهادة محمد عجيبة، فالشهيد محمد رحمه الله عندما استشهد سقط في النّهر أو أسقطه الأعداء في الماء، وانتظر المجاهدون مدة يبحثون فيها عن جسده، فمضى يوم ويومان وثلاثة وأسبوع وأسبوعان ولكن جسد محمد لا يزال مفقوداً، فظنّ أقرباؤه بأنّ الحيتان والأسماك أكلت جسده، ولكنّ إرادة الله سبحانه وتعالى شيء آخر، حيث خرج جسده بعد 21 يوماً.

يا سلام! 21 يوماً وجسد محمد في النّهر الكبير في مرغاب، ولكنّ المفاجأة عندما رأوا كرامة الشهيد وشاهدوا بأنّ جسده سالمٌ لم ينقص منه شيء ويكأنه استشهد الآن.

وحكى أحد الإخوة بأنّ رِجل محمد أصيبت في تلك المعركة، فدملت جراحه السابقة ونبت جلدٌ جديد، وعلاوة على ذلك نبت الشعر عليه، فسبحان من أكرم الشهداء بكراماتٍ خارقة للعادة.

وهكذا لمّا رأى أهالي تلك المنطقة هذه الكرامات، اطمئنّت قلوبهم للمجاهدين، وزالت عنهم الشكوك والأوهام.

إنّا وإن فقدنا شهيداً فسيكون بعده مجاهدون آخرون، وإذا غربت شمس طلعت شموس، ولن نجزع لأمر الله، وإنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، ولا نقول ما يغضب الرب عز وجل.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي الشهيد محمد رحمه الله تعالى الذي سبقنا إلى لقاء ربه، عن جهاده في سبيل الله، خير ما يجزي به عباده الصالحين في جنات النعيم المقيم، وأن يغدق عليه من سحائب رحمته ورضوانه، وأن يرفع مقامه في الآخرة مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

سلامٌ عليك يا محمد المرغابي إلى يوم نلقاك عندما يقوم الناس لرب العالمين.