القرآن دستورنا الوحید ولن نرضی بغيره بدیلا

غلام الله الهلمندي

 

قدّم الشعب الأفغاني الأبي أکثر من میلیوني شهید في سبیل تحکیم شرع الله علی مدار أکثر من أربعین سنة ماضیة، وقدّم الملایین بين مهجّر ومشرّد، ویتیم، وجریح، ومئات الآلاف من الأرامل لأجل إقامة الشریعة الإسلامیة، قدّم کل هذه التضحیات الضخام حتی ترفرف رأیة القرآن في سماء أرض الأفغان، وحتی تعلو کلمة الله العلیا: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، وحتی یصبح القرآن دستورًا وحیدًا في کافة المستویات والأصعدة، دستورًا تتحاکم إلیه الأمة في شؤونها کلها.

أصر الشعب الأفغاني علی حاکمیة القرآن إصرارًا قلّما نجد له نظیرًا في تاریخ الثورات والمقاومات، أصر علی ذلك رغم تکالب أمم الکفر وتکالب الذقون المتأسلمة أیضًا، وبهدف إقامة الشریعة الإسلامیة بالذات، ضحّی شباننا بالنفس والنفیس، وبذلوا الغالي والرخیص، وتفانوا بکل ما یملکون، وواجهوا التحدیات والصعوبات، واندفعوا إلی جبهات القتال، ومظانّ الموت، ومواطن الاستشهاد، قدّم الشعب کل هذه التضحیات، ولازال یقدّم غیر آسف علی ما فقده خلال الفترة السابقة، ولا آبه بما سیفقده خلال الفارة القادمة لأجل تحکیم الشریعة، قدّم کل ذلك ثابتا علی مبادئه شامخًا کجبال أرضه.

إذًا فلن یتنازل هذا الشعب عن شریعة القرآن قید أنملة، ولن یتراجع عن رأیة القرآن قید شعرة، فإن الشعب قد اتخذ قراره الحاسم، وانتخب طریقه، وأعلن موقفه، وخطط لمستقبله بدقة مجازفا بحیاته وبکل ما یملك، وضحی في هذا السبیل بالغالي والنفیس، ولن یرضی بالقرآن بدیلا، فإنه لو کان رضي بما دونه، لکان رضي به قبل أربعین عامًا، لو کان رضي بدستور مخالف للقرآن، لکان رضي في بدایة المطاف، وکان جنّب نفسه عن کل تلك الویلات والآهات، والخراب والدمار، والدماء والدموع، والدخان والنار، والجروح والآلام.

إن الشعب الأفغاني یعتبر شریعة القرآن خطا أحمر، ویحترمها کنظام مقدّس سماوي، ولا یصطبر علی المساس بها، مهما کان من أمر، إذ أن شریعة القرآن تعبّر عن هویة وحضارة الأمة الأفغانیة. إن شریعة القرآن رحمة للمسلمین وغیر المسلمین علی حد سواء، إن هذا الشعب قد جرب نظام الدیموقراطیة المزعومة الخبیثة التي تکیل بمکیالین لصالح الغرب علی حساب المسلمین في کل الأصعدة، وأدرك الشعب جیدًا أنها شعار ولا غیر، وأنها استبدادیة طاغیة یدعمها الغرب لصالحه، ولکن تسمی بالدیموقراطیة، إن هذا الشعب قد فقد ثقته بأي نظام غیر نظام شریعة القرآن.

إذا رضینا (لا سمح الله) بالدستور الحالي لإدارة کابل الذي دوّن تحت وصایة المحتلین، فقد خنّا الأمانة، وخنا دماء أکثر من میلیوني شهید، وخنّا آهات الأرامل، وصرخات الأطفال الرضّع، وصیحات الثکالی، ودموع الشیوخ، وبکاء أناس عزل، إذًا فلن نرضی بالقرآن بدیلا أبدا. هذا لن یکون.‌ فلیطمئن الشعب الأفغاني بأن هیئة المفاوضات للإمارة الإسلامیة تعمل بکل قواها علی تحکیم شریعة القرآن، وعلی تحقیق سلام شامل خالد یعود علی البلاد بالخیر والنفع، ولیطمئن الشعب بأن هیئة المفاوضات لن تخیّب ظنّه.

إن اتفاق سلام مع إدارة کابل (لا سمح الله) یعني أن کل تلك التضحیات الضخام ذهبت أدراج الریاح، وکل تلك البطولات أصبحت هباء منثورًا. إن مبادئ الشریعة الإسلامیة هي الخط الأحمر لدی الشعب، فالمساس بها مساس بإیمان الشعب وهویته وحضارته وتراثه وتاریخه. إن عزم الشعب الأفغاني في العودة إلی حاکمیة القرآن حاسم وجازم، إنه لن یقبل أي تنازل في هذا الأمر، إنه سیصمد وسیستمر حتی قیام دولة إسلامیة تحکم بشریعة القرآن، ومن ثَم فمن أراد أن یتنازل عن الشریعة الإسلامیة شبرا فهو لا یمثل الشعب الأفغاني أبدا.

نعم، لن نرضی بالقرآن بدیلا، القرآن الذي هو كلام الله عز وجل، الذي لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه، الذي هو معجزة الرسول العظمى الخالدة، الذي قد جاءنا بالحق والنور والهدى، وهو كتاب کله خیر، کتاب يقود البشرية إلى الرشد والسداد، ويرفعها إلى آفاق السعادة والرقي في الدنیا والآخرة، ويمنح البشریة فيضاً من الطهر والعفاف والجمال.

إن القرآن رمز عزتنا وشرفنا، ومصدر قوّتنا وصمودنا، وینبوع سعادتنا في الدنیا والآخرة، القرآن دستور إمارتنا، بل دستور حیاتنا بأکملها، فالقرآن دستور للفرد، ودستور للأسرة، ودستور للجماعة، ودستور في السراء والضراء، ودستور للسلم والحرب، ودستور للانتصار والهزيمة، بل دستور شامل لجمیع شؤون حیاة الأمة.

إن القرآن هدية سماوية عظیمة، ومنحة إلهية ثمینة. إن القرآن یهدي العقل البشري في کل موطن یحتاج فیه لهدایته، ویدله على درب السعادة والنجاة، إن القرآن صراط الله المستقيم، وحبله المتين، فلنعتصم بحبله جمیعا، ولنترك کل ما یخالف هذا الحبل المتین وراءنا ظهریا.

إن القرآن كتاب جامع یشمل أمور الدنيا کما یشمل أمور الآخرة، ویشمل أمور الفرد کما یشمل أمور الجماعة، مثلا توجد فیه آيات التوحيد والعبادات والعقائد مثلما توجد فيه آيات الحرب والسلم، وآیات تنظيم الحياة الاجتماعية والسیاسیة والاقتصادية سواء بسواء، إن القرآن دستور الحياة الکامل الشامل للمسلم في حياته كله من المهد إلى اللحد.