القيادة الإسلامية وميزاتها في ضوء أشعار العلامة الدكتور محمد إقبال رحمه الله

حكمة الله البلوشي

 

لا شك أن الزعامة والقيادة تحتل من الإسلام والمسلمين محل العمود الفقري من الحيوان، فمهما صلحت القيادة، واستقام الولاة، وسدد الزعماء فإن الأمة إلى صلاحها أسرع، وإن الشعب إلى انتهاضها من كبوتها أقرب. وأما إذا سرى الفساد إلى هذه الطائفة من الأمة، ولعبت بهم الأهواء النفسية، وزاغت قلوبهم عن الصراط القويم؛ زاغت الأمة عن الطريق وحادت عن الجادة.

وإلى ذلك أشار الحديث الذي جاء في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي رحمه الله تعالى: صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة: الأمراء والفقهاء.

وما أحسن ما قال المتنبي:

 

إذا كان رب البيت بالدف ضارب *** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

 

فالملوك والأمراء وأصحاب الزعامة الإسلامية والقيادة الأممية إذا كانوا راكنين إلى الدنيا، معرضين عن الآخرة، مؤمنين بحطام الدنيئة، كافرين بالقدرة الإلهية، فإن أتباعهم وأشياعهم ربما تقدموا عليهم في الفساد والرذالة بخطوات ومراحل، ولم يجانب الصواب مَن قال: الناس على دين ملوكهم.

وللأسف والحزن الشديدين أن الأمة الإسلامية المنهكة -صانها الله- تواجه اليوم هذه الظاهرة الخطيرة المقلقة، وترثي فقد قادتها وزعمائها. وما زاد الطين بلة، ورش الملح على جروحها المؤلمة، أنه قُدّر لها -إلا من رحم الله- أن تستبدل أبطالها الشجعان، بولاةً لايحملون من الإسلام إلا اسمه، ولا يربطهم بالإسلام وقضاياه المؤلمة أدنى رابط، ولا يقلقون لشأن المسلمين المنكوبين المعذبين في أنحاء المعمورة على أيدي الكفرة الظلمة الطغام، وليس لهم نصيب من الرجولة والغيرة الإيمانية والحماسة الدينية إلا اسمها. وياليتهم وقفوا على هذا الحد، ولم يجلبوا علينا إذا فاتتهم مساعدتنا، ولم يكونوا كلابا لأعدائنا إذا أبت نفوسهم الدنيئة أن يكونوا أسودا للحق، فإنهم يكبّلون أقدام الأمة، ويعوقونها عما يقرب إلى الله، ويصفون كل نهضة دينية بالإرهاب وإحداث القلق وتهديد الأمن، فيا أسفاه ويا ويلاه!

ولا يخفى على أي أحد ممن أولاه الله مسكة من العقل ما أورثه هذا الحال للأمة من الأضرار الفادحة، وجلب عليها الخسائر المنهكة، وأوقعها في ذل ذليل وغياهب مظلمة؛ فترى الأمة لاتبالي بما تقترف من الذنوب ، وتعلن الحرب على الله ورسوله من غير حياء وحشمة…

ونظرا إلى هذه الظاهرة المؤلمة يلفت الدكتور العلامة محمد إقبال رحمه الله تعالى أنظار الأمة إلى المعاني والأوصاف التي ينبغي للقائد الإسلامي أن يتصف ويتضلع بها، فيقول رحمه الله:

 

ہے وہی تیرے زمانے کا امام برحق

جو تجھے حاضر و موجود سے بیزار کرے

 

إن الإمام الحقيقي والقائد الإسلامي بكامل معناه هو الذي ينفخ فيك روح البسالة والحماسة الإسلامية، ويحرضك على الغيرة للشريعة، ويدفعك نحو الذب عن حرمة الشرع المتين، ويجعلك  بحيث لاتخاف في الله لومة لائم، بل ويُجرّؤك على مزاحمة العوائق والموانع، ويحدوك نحو إزالتها كأنها متلاشية، منعدمة.

 

موت کے آئینے میں تجھ کو دکھا کر رخ دوست

زندگی تیرے لئے اور بھی دشوار کرے۔

 

يقول رحمه الله:

إن الإمام الحقيقي والزعيم الإسلامي هو الذي يحبب إليك الموت في سبيل الشريعة التي شرعها الله للناس، بحيث تستلذ بالموت في تحقيق أهدافك، وتعتقد أن الموت ليس نقطة انتهاء السفر، إنما هو نقطة الانطلاق وبدء الحياة السرمدية، وأن الموت هدية للمؤمن، وأنه جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب، وأن المسلم لا يكون إلا بين الحسنيين: إما الغنيمة والظفر والبقاء إن منَّ الله تعالى عليه بالنجاة، أو الشهادة ولقاء الرب في جنات النعيم إن قتل في سبيل الله. قال تعالى: (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين…).

ولتحقيق هذا الهدف السامي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجع المسلمين ويهوّن عليهم الموت، فكان يختار لهذا أساليب متنوعة مؤثرة، تارة كان يقول: لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل. وتارة كان يخوف المسلمين من العاقبة الوخيمة، والنتيجة الفاشلة، والذل الذليل إذا كرهوا الموت ، وتلكأوا عن الاستماتة في سبيل الله، فكان من أثر هذا أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا أشد الناس حبا للموت، ولا يبالون به أي مبالاة، فكان سيدنا علي -كرم الله وجهه- يقول: أ بالموت تهددني؟! فوالله ما أبالي وقعت على الموت، أو وقع الموت علي.

ولما أراد مشركوا مكة أن يقتلوا سيدنا خبيب رضي الله تعالى عنه أنشد قائلا:

 

فلسْتُ أُبالي حين أُقتَل مسلما *** على أي جنْب كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأْ *** ‏يباركْ على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع

 

وما إلى ذلك من مئات القصص التي تنبئنا بحبهم للموت، وتدل على عدم مبالاتهم به.

فهكذا ينبغي للإمام أن يفرغ هذه العقيدة الصافية في قلوب المؤمنين إفراغا. وبدلاً من أن يعلمهم التخلف والجلوس مع القواعد؛ يشجعهم على الإقدام إلى المعارك الفارقة بين الحق والباطل، القاضية على الكفر والشرك، الرافعة لعلم الشرع، ويسعى في أن يعلمهم الصمود والاستقامة ورفع العزائم ، ويدرّبهم على إباء الضيم والطموح إلى المعالي، ويحبب إليهم تحمل المشاق، ولله در القائل إذ قال:

 

ولكل جسم في النحول بلية *** وبلاء جسمي من تفاوت همتي

 

دے کے احساس زیاں تیرا لہو گرما دے

فقر کی سان چڑھا کر تجھے تلوار کرے۔

 

يضيف رحمه الله قائلا:

إن الإمامة الحقيقية تستدعي من صاحبها أن يحيي في الشعب أحاسيسهم الإيمانية، ويخرجهم من مستنقع الجهل إلى النور، ويكشف لهم عن مآثر أجدادهم، ويحيي فيهم فكرة استعادة مجدهم، ويحرضهم على الثورة التي لا تتوقف إلا عند مصرع الباطل، ويكرّه إليهم الركون إلى الدنيا الدنيئة، العائقة عن الوصول إلى المعالي، ويجعل كل واحد كأنه سيف هندي مسلول على رأس الكفر، أبى أن يعود إلى غمده إلا إذا وجد راية الإسلام ترفرف في ربوع العالم، والعالم لا يُحكم إلا بما يرضاه الله ورسوله، ويعم العدل، وينتهي الظلم، ويقضى على عبودية الناس.

 

وفي الأخير يقول:

فتنہ ملت بیضا ہے امامت اس کی

جو مسلمان کو سلاطین کی پرستار کرے۔

 

يقول إن الإمامة التي لا تلقن الشعب إلا الخضوع أمام طغاة الزمان، ولا تدرسهم إلا مواتاتهم في كل ما يتقولون به على الله، إنها ليست إمامة وقيادة إسلامية، إنها فتنة تسعى في قلع الجذور الإسلامية المتبقية، إنها فتنة تمهد السبل للقضاء على الإسلام -والعياذ بالله- وإطفاء نوره.

 

فمن ههنا تستطيع أن تعرف مدى تفاقم الشر، وتسرب الفساد إلى قادة المسلمين اليوم. نسأل الله تعالى أن يعيد إلى الإسلام مجده بقيادة رجال يحبون الموت، ويحببونه إلى الناس في الذب عن الإسلام والدفاع عن حرمته.