المكر الأمريكي في التعاطي مع داعش أفغانستان

د. أحمد موفق زيدان

 

‏ربما لم تبقَ دولة إلاّ وقد نجحت في توظيف تنظيم الدولة “داعش” خدمة لسياساتها وأهدافها بشكل تكتيكي مرحلي، أو استراتيجي بعيد الأمد، وهو ما دفعت في النهاية والمحصلة ثمنه، ووقعت ضحيته، القوى الحية الناهضة والثورية والحية في الأمة، حصل هذا من قبل في سوريا والعراق، واليوم يحصل في أفغانستان ولكن ربما بشكل أخطر وأبعد وأعمق تأثيراً، كون القوى الثورية فيها وصلت إلى الدولة والحكم، بخلاف ما كان عليه الحال في سوريا والعراق، إذ كانت سيطرة القوى الثورية محدودة على التراب السوري وليست سيطرة كاملة كما هو حدث في أفغانستان.

‏السردية الداعشية حيال طالبان تتمثل في أن إمارة أفغانستان اليوم تخدم الأجندة الأمريكية، وتتحالف معها في مواجهة تنظيم الدولة، ويأتي حديث المسؤولين الأمريكيين ومعهم خبراؤهم ومعاهد دراساتهم لتعزز هذه النظرة، حين تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في استهداف وتقويض والقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى إشادتها في بعض الأحيان بعمليات طالبان التي تستهدف ملاحقة تنظيم داعش، وهو ما يقدم بالمحصلة دعاية مجانية لسردية تنظيم الدولة أمام أتباعه ومؤيديه، في أحقية نظرته وصوابيتها، بقتاله لحكومة الإمارة الإسلامية.

‏استمرار الغارات بطائرات بلا طيار على مواقع داخل أفغانستان، ستُلحق الضرر والأذى بسمعة حكومة الإمارة، وهو ما يعزز من نظرة ورؤية تنظيم الدولة في مواجهته للحكومة الحالية، وبالتالي يحشد بعض الغوغاء والعامة والسذج نحو هدفه المعلن في قتال من يصفهم بعملاء “أمريكا”، بينما في المديين القريب والبعيد، يقدم خدمات جليلة للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، والأخير من طرفه يحقق أهدافاً عدة، فيضرب عصافير متعددة بحجر واحد حين يتقرب إعلامياً وظاهرياً من الإمارة الإسلامية، فيشوّه الصورة، ويعزز رواية تنظيم الدولة في مقاربته للإمارة الإسلامية ومشاريعها.

‏تتحدث التقارير الأفغانية عن علاقة عملياتية بين تنظيم الدولة والتحالف الشمالي المعارض، بحيث يقدم الأخير دعماً مالياً لتنظيم الدولة من أجل تنفيذ عمليات تستهدف الإمارة وإنجازاتها التي حققتها خلال الفترة القصيرة الماضية، لاسيما فيما يتعلق باستتباب الأمن والاستقرار في كافة أرجاء الولايات الأفغانية، فتأتي التفجيرات التي تستهدف المساجد، والمؤسسات الحكومية وحتى الخاصة لتستهدف المشروع ونجاحه، وتسعى إلى زعزعة ثقة الناس والعالم بإمكانية استمرار طالبان في الحكم، ولكن تجربة تنظيم الدولة في العراق وسوريا أثبتت أنها غير مقبولة شعبياً لتبقى وتتنامى، بل وغير ممكنة التطبيق حتى حين كانت في السلطة، بعد أن رأينا رحيله ورحيل مشروعه من العراق وسوريا.

‏كانت المظاهرات المؤيدة للتحالف الشمالي الأفغاني في باريس وغيرها من المدن الغربية قد رفعت شعارات مؤيدة حتى لتنظيم الدولة (داعش) فقط لأنها تنفذ عمليات ضد الإمارة الإسلامية، ومع هذا لم تتعرض لها القوى الغربية، وتتهم مصادر في الإمارة الإسلامية الأفغانية قوى غربية بتسهيل وتيسير بعض عمليات التبرعات للتنظيم، وحتى عمليات التجنيد، والحشد، في صفوف تنظيم داعش من أجل التوجه إلى أفغانستان وزعزعة الاستقرار والأمن فيها.

‏ثمة مقاربات للتفجيرات الأخيرة التي استهدفت حسينيات الشيعة ومراكز تعليمية تابعة لهم كما حصل في المركز التعليمي الأخير بأن من يقف وراء هذه التفجيرات إيران، وذلك بهدف تعميق مشاكل الإمارة الإسلامية، وتعدد الجبهات المفتوحة عليها، ولكن بنظر المراقبين والمحللين فإن إيران انشغلت كثيراً في الاحتجاجات الأخيرة، وغير المسبوقة التي شهدتها، والتي دخلت حتى كتابة هذا المقال شهرها الثاني، وهي احتجاجات مختلفة تماماً عن احتجاجات سابقة في أعوام 2009، و 2017، و 2019، فتلك الاحتجاجات كانت بقيادة سياسية هرمية، تمكنت إيران يومها من سحق القيادة وفكّ شيفرة الاحتجاجات كلها، فماتت بالمهد، ولكن ظل الجمر تحت الرماد، فالثورات كالأفكار لا تموت، فهذه المرة احتجاجات إيران اجتماعية مطلبية، لا قيادة لها، وتشمل كل الشرائح المجتمعية والمناطق الجغرافية الإيرانية، ودخل فيها عنصر الطلبة والمرأة والعمال والبازار وغيرهم، وهو الأمر الذي سيُشغل إيران لفترة طويلة عن تدخلاتها في أفغانستان وغير أفغانستان، مما يتيح الفرصة للإمارة الإسلامية في تعزيز الأمن والاستقرار وتحييد خصوم ومنافسين، وهي فرصة للحكام في أفغانستان والثوار في مناطق مختلفة تتدخل فيها إيران للإستفادة من هذا الانشغال.

‏وكان الهزارة في أفغانستان قد استفادوا كثيراً خلال سنوات الاحتلال الأمريكي الممتدة لعشرين عاماً، بحيث تم إيفادهم إلى الغرب ودول عدة، مما مكنهم من الارتقاء في سلم التعليم، وهذا شمل النساء والرجال، وهو ما انعكس بشكل واضح في قدرتهم على الحشد والتعبئة إن كان في الشارع من خلال المظاهرات أحياناً، أو من خلال الحشد والتعبئة على مواقع التواصل الاجتماعي، وإطلاق الهاشتاغات لصالحهم، ولصالح ما يصفونها بمظلوميتهم.

‏ويأتي التنسيق الطالباني مع حكومة باكستان ليساعد ربما في تطويق واحتواء تنظيم الدولة” داعش” لاسيما وأن للتنظيم امتدادات باكستانية نتيجة التشاطر الجغرافي والعرقي واللغوي بين الطرفين، بالاضافة إلى العامل التاريخي الطويل الممتد من الجهاد الأفغاني حيث كانت قد برز فكر التنظيم غير المؤطر مبكراً في أفغانستان، ولكن لم يتأطر ولم يتنظيم كما حصل في العراق أو انتقل لاحقاً إلى أفغانستان وباكستان، ولكن يبقى مواجهة هذا الفكر لا بد من فكر مضاد، بحيث يتم التعرف على كل مفرداته، ويتم التعرف على كل الأسئلة التي يطرحها لأتباعه والأفراد الذي يحشدهم، من أجل الإجابة عليها وتفنيدها فكرياً وسياسياً.