انطباعات أسير الرحمن

أنورشاه الزابلي

 

أحد المجاهدين الصادقين من أصدقائي والذي يثبع الآن في زنازين الطواغيت (ولا أستطيع أن أذكر اسمه لأجل المسائل الأمنية)، هذا الصديق الحميم قُبض عليه قبل سنوات في ولاية نيمروز من قِبل العملاء الخونة حينما كان يتنقّل من مكان إلى مكان آخر لأجل الأمور الجهادية.

مكث رفيقُ درْبنا في سجون العملاء أذنابِ الصليبيين قرابة سنة و أربعة أشهر، حتى منّ الله عليه وأطلق سراحه. بعد إطلاق سراحه من أيدي الخونة لم يكلّ ولم يملّ، بل عاد إلى الخنادق وزِناد البنادق من جديد، وهذه المرة لم يجاهد فقط بل هاجر لأجل مبادئه الإيمانية وأبجدياته العقدية.

قضى مدة غير طويلة في مشواره المعهود ولكن قدّر الله بأن يقبض عليه ثانيا مع ثلة من قادة المجاهدين بسبب وشاية الجواسيس وذلك أيضا في ولاية نيمروز.

انتُقل من فوره إلى سجن بجرام سيئ السمعة ومكث هناك أكثر من سنة، ثم نُقل إلى سجن آخر وهو إلى حدّ الآن خلف القضبان من ثلاث سنوات.

هذا المجاهد الأبي والرفيق الوفي يتمتع على قدر كبير من الصبر والمصابرة ويقينٍ جازم، ضحّى وما زال يضحي بنفسه ونفيسه في سبيل مبادئه وقيمه -نحسبه كذلك والله حسيبه – متزوجٌ وله أولاد وبنات، ولكنه لم يتيسر له كثير من الوقت بأن يجالس أبنائه، ويلاطفهم برفق وحنان، وذلك بسبب ظروفه الجهادية وزجّه في السجون مرة بعد أخرى.

بعد التي واللتيا، اتصلتُ به قبل قرابة شهرٍ وقلتُ له: كثيرٌ من المساجين والمحبوسين يدخلون السجن أصحاءَ سالمين جسميا وروحيا، لكنه لا تمضي مدة (وهي مختلفة عن بعضهم البعض) إلا ويعانون أنواع الأمراض ويقاسون أقسام العلل الروحية والنفسية، وحتى يجنّ بعضهم ويفقدون وعيهم وعقلهم و…

ثم بعد هذه المقدمة سألت عنه: هل أنت أيضا ابتُليت بهذه الأمراض النفسية أم ماذا؟

 

أجاب صديقُنا إجابة تجدر بأن تكتب بماء الذهب وتُسجل بحروف من نور، كانت إجابته تنبع عن ينبوعه الإيماني وتحكي عن قوة إيمانه الكامل ويقينه الصامد.

وأنا أعرّب إجابته التي كانت باللغة البلوشية بلا نقص وزيادة، علها تكون نبراسا لقراء(الصمود).

قال: يا أخي! كان فضل الله وإحسانه علينا. العقيدة تحفظ الإنسان. جئنا لأجل عقيدتنا ونصرّ عليها و -إن شاء الله- نموت في سبيلها. هذا الأمر (السجن) لا يؤثر فينا سلبيا.

عزم الإنسان [في إشارة إلى نفسه] نضَج أكثر من ذي قبل ولم يتزلزل ولم يرجف.

وقد فتح الله علي بابا للعلم، بعد طول عهد من هذا المنهل العذب. ينقضي أكثر أوقاتنا في الدرس والمباحثة العلمية.

الله يحفظنا، وهذا امتحانٌ من الله وفيه من الحِكم ما لا تُحصى. بدعواتكم الصالحة لم يؤثر السجن فينا سلبيا قط.

 

الله اکبر!

 

هذا الصديق أسير واحدٌ من آلاف الأسرى في سجون الطواغيت أبناء أبي رغال. هؤلاء الأسرى انسلكوا في صفوف العشّاق لأجل المبادئ العلياء والقيم المثلى، لا يبالون بلومة لائم ولا بمباركة أحد. لا يغترون بكثرة السالكين ولا يستوحشون بقلة المؤيدين، الأسر والجراح لا يزيدهم إلا صرامة وصمودا.

على عكس هؤلاء المجاهدين الصامدين، انظروا إلى المساجين لأجل حطام الدنيا، كيف يفقدون قواهم العقلي وتوازنهم النفسي.

بالله عليكم قولوا لي: ما هي الفارق بين أسرى الرحمن وأسرى الشيطان؟