توقيع اتفاق تاريخي

الشيخ أبوحفص الموريتاني

 

الاتفاق بمراحل التفاوض عليه، وبشكله وبرمزيته، وبمضمونه وبمحتواه، كان نصرًا عظيمًا للطالبان، وهزيمة مذلة لأمريكا.

رحم الله الملا عمر، فلا زالت كلماته تتردد أذني وهو يقول يوم جيّشت أمريكا العالم لغزو أفغانستان: لقد وعدنا الله بالنصر، ووعدتنا أمريكا بالهزيمة، وسوف نرى أي الوعدين سيتحقق!

نجاح الطالبان بدأ من خلال مراحل التفاوض الأولى قبل التوصل للاتفاق، حيث اشترطت الإمارة الإسلامية شروطا للدخول في المفاوضات، فرضخت لها أمريكا بعد ممانعة ورفض.

من تلك الشروط:

1 – الإفراج عن بعض قيادات المجاهدين في السجون الأمريكية والأفغانية، ورفع أسمائهم من قوائم الإرهاب الأمريكية، والدولية ليتمكّنوا من السفر لتمثيل الإمارة الإسلامية في المفاوضات.

2 – أصرّت الإمارة الإسلامية أن تكون المفاوضات في الدوحة، وبواسطة قطرية، ورفضت عروضًا أخرى قدمت لها من دول منافسة لقطر، فقبلت أمريكا شرط الإمارة الإسلامية.
3 – أصرّت الإمارة أن يكون موضوع المفاوضات الأول هو خروج القوات الأمريكية والأجنبية من أفغانستان، وليس أي موضوع آخر، فاستجابت أمريكا بعد ممانعة.
4 –  أصرت الإمارة على رفض أي مفاوضات مع حكومة كابل قبل توقيع اتفاق خروج القوات الأمريكية والأجنبية مع أمريكا، فرضخت أمريكا، وقبلت مع ما في ذاك من إحراج.
5 – رفضت الحركة نقاش مستقبل الحكم في أفغانستان، وموضوع تطبيق الشريعة الإسلامية مع أمريكا، واعتبرت ذلك موضوعًا سياديًا، ليس من حق أمريكا، ولا غيرها التدخل فيه، فقبلت أمريكا، ورضخت.

ولما وصلت المفاوضات إلى مرحلة التوقيع أصرّت الإمارة على أن يكون أهم بنود الاتفاق:
1 – التزام أمريكا بخروج قواتها، والقوات الدولية الأخرى من أفغانستان، وفق جدول زمني محدد.
2 – التزام أمريكا برفع جميع العقوبات الأمريكية، والدولية المفروضة على الحركة، بما في ذلك وصفها بالإرهاب.

3 – عدم التزام الحركة بالدخول في صراع، أو مواجهة مع الجماعات الجهادية في أفغانستان، وإن التزمت بعدم السماح لهذه الجماعات بتهديد أمن أمريكا وحلفائها انطلاقا من أفغانستان.
ولكن هي من يحدد الطريقة التي ستتعامل بها مع تلك الجماعات.
وكان للإمارة ما أرادت..

 

هذا الاتفاق التاريخي بين طالبان وأمريكا يبعث رسائل متعددة، في اتجاهات مختلفة. من هذه الرسائل:
1 – رسالة إلى العاملين للإسلام تقول: إن هذا النجاح التاريخي للطالبان ما كان له أن يكون لولا الله ثم ثبات الإمارة على مبادئها، ووفائها لأمتها، وصبرها على جهادها، وفرضها لشروطها بحضورها الفاعل في الميدان.. فخذوا الدروس والعبر.

2 – رسالة إلى العالم كله تقول: إن ما عجزت عنه 19 عاما من الحرب العالمية بقيادة أمريكا على ما يسمى الإرهاب بدأ يتحقق من خلال هذا الاتفاق التاريخي بين طالبان وأمريكا.
لقد اثبتت 19 من (الحرب على الإرهاب) أن هذه الحرب فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق أهدافها..
بينما أثبتت تجارب الحوار، والتفاوض، والاستماع إلى مظالم الجماعات والشعوب الإسلامية نجاعتها وجدوائتها، فهل يقتدي العالم بأمريكا في خيار السلم هذا، كما اقتدى بها من قبل في خيارات الحرب؟
نامل ان يكون هذا الاتفاق حدثا ملهما لدول وجماعات إسلامية تطحنها الحروب منذ سنوات وسنوات!!