مدرسة الجهاد الأفغاني

عماد الدين الزرنجي

 

منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وتزامنا مع الاحتلال الغربي للأقطار الإسلامية، شهد العالم الإسلامي قيام حركات جهادية ضد المحتلين المستعمرين، الذين تدفقوا على العالم الإسلامي كالجراد المنتشر فدمروا البلاد وأراقوا الدماء وهتكوا الحرمات وغصبوا الثروات.
إن الحركات الجهادية في شتى بقاع العالم الإسلامي لعبت دورا رياديا ناجحا وكانت حجر عثرة أمام المحتلين في كل زمان. وقد نجحت بعض هذه الحركات في مهمتها وحققت أمنية تحرير البلاد من براثن المحتلين، بينما سقطت حركات أخرى في نهاية المطاف في شبكة كيد الأعداء وباءت بالفشل.
هنالك حركات جهادية في تاريخ الإسلام المعاصر لم تنجح فقط في مهمتها في هزيمة المحتلين وطردهم عن البلاد، بل صارت ملهمة للشعوب المضطهدة المظلومة في العالم، وأيقظت سواكن الشباب المسلمين الذين يتطلعون إلى إعادة المجد للأمة الإسلامية.
لا نشك في أن الجهاد الأفغاني ضد الشيوعيين خلال ثمانينات القرن الماضي، صار ملهما للشعوب المضطهدة تحت وطأة النظام الإلحادي الشيوعي، إذ استلهموا الحرية من المجاهدین الأفغان وحرروا بلادهم من الاحتلال وحققوا استقلالهم السياسي والاقتصادي والعسكري.
إن المتتبع لصمود شعبنا الباسل أمام أكبر وأقوى جيش في تلك الفترة الزمنية يتحير ويتساءل: ما هي العوامل التي جعلت هذا الشعب الفارغ اليدين يحقق هذا الانتصار الباهر المنقطع النظير في القرن العشرين.
إن الإيمان الراسخ بحقيقة الإسلام وحتمية الانتصار للمسلمين والغيرة الإسلامية الأفغانية التي تناطح الجبال الراسيات، وعدم قبولهم الذل والهوان والاحتلال، هي من أهم العوامل التي  حققت النصر لنا والهزيمة لأعدائنا.

مضت على ذلك الانتصار الباهر أمام السوفييت سنوات قليلة حتى قام الأمريكان وحلفاءهم بتنسيق مع عملائهم الداخليين بشن هجوم بربري جديد على بلدنا، وذلك على أعقاب حادث الحادي عشر من سبتمبر.
لم يكن يتخيل المحتلون أن يبقى شيء من رجولة الشعب الأفغاني المسلم بعد تقديم مليوني شهيد وآلاف المهاجرين وتفشي الفقر والبطالة في خلايا المجتمع. لكن شعبنا أثبت للجميع أن العالم يمكن أن يتغير، لكن الأفغان مازالوا متمسكين بدينهم وعقيدتهم وأن علم الجهاد لم يزل يرفرف فوق رأسه.
إن الجهاد الأفغاني الجديد ضد المحتلين الغربيين أتى بأثماره اليانعة ولله الحمد. وصار ملهما لجميع الحركات الجهادية في البلاد الإسلامية المحتلة.
إن انتصارنا مع بضاعتنا المزجاة في العتاد العسكري ضد أعتى عدو للإسلام وأقوى جیش على الأرض، ليس بالأمر السهل، بل إنه انتصار تاريخي على غرار انتصار الصحابة في غزوة بدر الكبرى.
وفي باكورة الاحتلال الأمريكي لبلدنا لم يكن يصدق أحد أن ينجح جهادنا ضدهم، بل كان الكلام عن انتصار المجاهدین وهزيمة أمريكا كان أمراً مضحكاً للبعض. رحم الله المحلل السياسي الفقيد، (وحيد مجده) إذ أكد في بداية الاحتلال أنه ليس بمقدرة الحلف الأطلسي القضاء على المقاومة الإسلامية وأنه قريبا سترفع الإمارة الإسلامية رايتها من جديد، وكان المحللون المصطبغون بالصبغة العلمانية يضحكون عليه ويستهزئون به.
إن مثل هذه الاستهزائات والإيمان الراسخ بقدرة العدو، ليس بالأمر الجديد، بل كان لها نظائر في التاريخ الإسلامي؛ عندما هجم التتار على الأقطار الإسلامية كالجراد المنتشر واحتلوا أكثرها، جرى هذا المثل على الألسن آنذاك: (إذا قيل لك أن التتار قد انهزموا، فلا تصدق)!.
إن انتصار المسلمين على التتار، وانتصارنا ضد المحتلين الغربيين، أثبت أن الانتصار في المعركة لا يتحقق بالعدة والعدد والكثرة والدبابات والصواريخ والطائرات الحربية والقنابل الذرية وكثرة المال، بل إن الثبات في المعركة والإيمان الراسخ بوعد الله بنصر عباده المؤمنين وتوحيد الكلمة وإطاعة أوامر الشرع، هي الأسلحة الأساسية التي تكفل النصر الباهر.
هذه حقيقة صرحت بها الآيات القرآنية، قال الله تعالی: (وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) [البقرة/٢٩٤]. وقال عز وجل: (وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) [محمد/٧].
لاشك أن انتصارنا هذا سوف يكون ملهما لجميع الحركات الجهادية على صعيد العالم الإسلامي. فإن الإيمان الراسخ وتوحيد الكلمة من أبرز الموارد التي يمكن للحركات الإسلامية الاستلهام منها.
بعد اليوم سيتهدم حاجز الخوف من الأمريكان والحلف الأطلسي في قلوب الشعوب الضعيفة. ولا نشك أن القرن الجاري هو قرن هزيمة المحتلين إن شاءالله، وذلك باستلهام الدروس من الجهاد الأفغاني. وماذلك على الله بعزيز.