جاء العيد ورفاق الدرب غُيَّاب

غلام الله الهلمندي

 

هذا أول عيد نحتفل به بعد هذا الانتصار ورفاق الدرب غُيّاب. غُيّاب للأبد، ولكنهم حاضرون في القلوب. نحتفل به وشهداؤنا ليسوا برفقتنا، أضاؤوا لنا الطريق وأعمروا ماضينا وبنوا مستقبلنا، ثم رحلوا للأبد. عبَّدوا لنا طريق الجهاد والحرية والنصر، ثم ارتقوا. نشعر اليوم بفراغ هائل في نوادينا، وفي نفوسنا، وهل يستطيع أحد أن يملأ هذا الفراغ؟ كلا وألف كلا!

حلّ علينا العيد وشهداؤنا الذين قدّموا لنا هذا النصر، هذا العيدَ العظيمَ، ليسوا برفقتنا، كيف نفرح وكيف نسعد اليوم، ورفاق دربنا غُيّاب دونما أمل بعودتهم بيننا.

إنه أول عيد نحتفل به، والوطن حرّ من قيود الاحتلال، حر من أغلال العمالة، نحتفل به تحت ظلال الإمارة الإسلامية الوارفة، نحتفل به وقد استعدنا حرّيتَنا، وأبناء الوطن الأصلاء هم مَن يقررون مصيرهم، دون أن يتسيّدهم الأجانب، هذا (والله) إنجاز عظيم وسعادة كبيرة، ونعمة جليلة من الله علينا، لا بد أن نشكره عليها بطاعته وإقامة شريعته والحفاظ على النظام الإسلامي النقي والاستماتة لدينه.

 

لن ننساكم يا شهداءنا، كيف ننساكم وأنتم مَن أعددتم لنا (بفضل الله) هذا الربيع، هذا البستان الذي نشم رائحته العبقة. لن ننساكم ولن ننسى دربكم، ولن ننسى الغايات التي قاتلتم لأجلها، ولن ننسى الأحلام التي قُتِلتم في سبيلها، ولن ننسى أمانيكم التي ضحيتم في سبيل تحقيقها بحياتكم وشبابكم، بأغلى ما تملكون من متاع الدنيا، بل بِعتموها مقابل جنات تجري من تحتها الأنهار، سنحقق أمانيكم بإذن الله، ناموا قريري العين ومطمئني القلب، فهناك من يسهر على تحقيق أمانيكم، وهناك مَن يسقي الدوحة التي سقيتموها بدمائكم، ناموا قريري العين بعد التعب، بعد أن ناضلتم لأجل شريعة ربكم، بعد أن أدّيتم رسالتكم، ناموا قريري العين، فإننا رفعنا راية الإسلام فوق القصر الرئاسي في كابول، رفعنا راية (الشهادتين) فوق كل هضبة في طول البلاد وعرضها، رفعنا راية التوحيد رغما عن أنوف الحاقدين في أراضي الكفر، رفعناها في سفارتنا في موسكو، عاصمة روسيا.

 

أقمنا نظاما عادلا على أساس الشريعة الإسلامية. هزمنا قاتليكم وأرغمنا أنوفهم في التراب والوحل، وبعضهم اليوم هاربون خوفا وجبنا، يعيشون خارج البلاد أذلةً، يعيشون حياةً بلا قيمة.

 

وما للمرء خيرٌ في حياةٍ *** إذا ما عُدَّ مِن سَقَط المتاع

 

هربوا وخلا الوطن من وجودهم النجس، وبعضهم قتلوا في المعارك، والبعض الآخر عفونا عنهم، حتى يكتمل الأمن والسلام، وحتى نستطيع أن نقيم النظام الإسلامي في أجواء آمنة.

 

ناموا قريري العين، فقد ساد الأمن والسلام أرجاء الوطن، لا يُقتل الآن الأطفال، ولا يُهان الشيوخ، ولا يُهان خيارُكم ولا يُسجن أحرارُكم، ولا تُنتهك حرماتكم، ولا يداس قرآنكم تحت الأقدام النجسة، ولا تُهان مقدساتكم، ولا يضحك أحد على العمامة السوداء، وإنما العمامة السوداء باتت عمامة النصر التي تحكم البلاد، ولا يسخر أحد من اللحية، رمز الرجولة والهيبة والوقار، حققنا وسنحقق أمانيكم، يا رفاق الدرب!

 

أنتم رحلتم إلى حيث أعدّ لكم ربكم، رحلتم وتركتم حبَّكم في صدورنا نتألم منه، ولكن ما أعذب هذا الألم! لم ننسَكم (والحمد لله) ولم ننس طريقكم، مازلنا على طريقكم، نسلكها حتى آخر رمق بحماس وأمل. المسيرة مستمرة، لم نتغير ولن تغيِّرنا بهرجة الدنيا بإذن الله، ذلك عهد بينا وبينكم، لن ننساه أبدا، نعاهدكم بأننا سنصمد ولن تزلزلنا العواصف بإذن الله، ثابتون على مواقفنا، وعلى نهجنا في النضال والفداء والتضحية والاستشهاد، مازلنا نود أن نلتحق بكم في ركب الشهادة، إن أحلامنا القديمة لم تتلاشَ بعدُ في صدورنا، إنها محفورة في أعماق قلوبنا، وعند أول ذكر للشهادة تطرب لها نفوسنا. تحقق النصر والتمكين (والحمد لله رب العالمين) ولكن بقيت أمنية الشهادة في قلوبنا، يا رفاق الدرب، لم ننسَ العهد.