بناء الوطن الجريح

أبو فلاح

 

إن رجال الإمارة الإسلامية أبطال المعامع الحمر. وهذا ما لا يشك فيه أحد، وقد اعترف به العدو وانبهر، قبل أن يعتزّ به الصديق ويفتخر. لقد وُلدوا في الحروب، وترعرعوا في الخنادق، وشبّوا تحت القصف، إنهم كما يصف عنترة بن شداد نفسه:

خُلِقتُ مِنَ الحَديدِ أَشَدَّ قَلباً *** وَقَد بَلِيَ الحَديدُ وَما بَليتُ

وَفي الحَربِ العَوانِ وُلِدتُ طِفلاً *** وَمِن لَبَنِ المَعامِعِ قَد سُقيتُ

 

إن إدارة الحروب، وإعمار الخنادق، والتضحية بالأرواح والدماء ليست بالأمور المستغربة بحقهم. فهم أبناء الحروب، وللحروب قد خُلقوا أصلا. ولكن العجيب أنهم أثبتوا للعالَم بأنهم أبطال السلام والتفاوض والإدارة أيضا.

إن الذي لا يُتقن فن الحرب لا يتقن فن السلام، وكذلك الذي لا يتقن فن السلام لا يتقن فن الحرب، وزعماؤنا – لحسن الحظ – يحسنون كليهما، الحربَ في أوان الحرب، والسلامَ في أوان السلام.

وبعودة الإمارة من جديد إلى سدة الحكم، تأكد للجميع أن زعماء الإمارة أساتذة الحرب والصراع، وأنهم أبطال المواقف الصعبة، كما أنهم أساتذة السلام والسياسة والدبلوماسية والتفاوض ورجال الدولة. كان يتوقع الأعداء بأنهم سيفشلون في إدارة الدولة وتنظيمها، ولكن ثبت -بحمد الله- للعالم خلاف توقعاتهم. واليوم يشاهد العالَم، بما فيه الأعداء، بأن الإمارة تدير الدولة بشكل منظم وأفضل، فقد استتب الأمنُ في ظل دولتهم بطولَ البلاد وعرضها.

 

لله درهم فقد بدؤوا يعلّمون العالَم فن الحكم والإدارة، بينما لم يدرسوه بأنفسهم في فصول الجامعات، هذا يعني أن الله ينصر مَن نصره ونصر دينه، (إن تنصرو الله ينصركم) هذا يعني أن الإيمان والإخلاص والحب والعقل إذا اجتمعوا صنعوا المعجزات. والأمن الذي كان العالم يدّعي البحث عنه في أفغانستان ها قد حصل. فلماذا العالم غير راضٍ عن الأمن الذي حصل على أيدينا؟

إن أفغانستان اليوم يجب أن تُدرَج على قائمة الدول الآمنة على مستوى العالم، بفضل الله ثم بفضل سواعد أبناء الوطن الأصلاء، ليس أبناء الاحتلال الذين تربوا على يد الاحتلال من أجل زرع الفتن متى لزم الأمر.

 

إن الوطن الذي مزّقته الحروب والصراعات، لا يتم إعماره وبناؤه على أيدي الأجانب، ولا يتم بناؤه على أيدي المحتلين الغاشمين الذين أتوا يحاربونه ويبيدون أهله. ومَن اعتقد أن الأجانب يبنون له وطنه فهو -دون شك- أحمق أو متحامق، إن الوطن تبنيه أيدي أبنائه الصادقين المحبين له، الذين ضحوا له بكل ما يملكون من الغالي والنفيس، ضحوا له بإخوتهم ورفاق دربهم، ضحوا له بدمائهم وأطرافهم وأشلائهم. هؤلاء هم أهل الوطن وأبناؤه الصادقين، ليس أولئك الذين خدموا المحتلين دهراً على حساب الوطن والشعب، والآن يريدون أن يحكموا الوطن والشعب دون استحقاق.

 

لقد قطع زعماؤنا بحمد الله، في إدارة الدولة، أشواطا ولو قليلة في بناء الوطن، رغم العوائق والأزمات، ولكنها ستستمر وتؤتي أكلها في المجالات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والثقافية. إن زعماءنا يصلون الليل بالنهار في سبيل إعمار الوطن، لا يعملون مثل الموظفين في الدوائر الحكومية في الدوام الرسمي فقط، وإنما يعملون أكثر من ساعات العمل الرسمي، دون ملل أو فتور، وبكل جدية وإخلاص، وبإرادة فولاذية، عزموا على بناء وإعادة إعمار الوطن من جديد، وإعادة الروح للحياة العامة رغم كل الأزمات.

إن المجاهدين مليئون بالحماس والحيوية والمثابرة من أجل بناء الوطن. وهم العنصر الأساسي الذي سيخرج بالوطن من جميع الأزمات الداخلية والخارجية ويصل به إلى بر الأمان.

المهم أن الإمارة الإسلامية قد قضت على الفساد الإداري إلى حد كبير، الغول الذي يلتهم أموالا باهظة من ميزانية البلاد، ولاحقت اللصوص وقطاع الطرق، وحققت نجاحا مرموقا في تأمين الأمن والسلام، وأدخلت في قلوب الناس إحساسا بالأمن لم يسبق له مثيل منذ عشرين سنة، فابتهج الجميع بالأمن الذي بدأت مظاهر الفرح والسعادة والأمل به تسود أرجاء الوطن.

سيأتي (بإذن الله) اليوم الذي يزدهر فيه الوطن الجريح، وستلتئم جروحه، ويسمو في سماء العلم والازدهار والرقي والتقدم التقني، رغم أنف الحاقدين الذين يعادون الوطن وينتمون إليه في آن واحد! كما سما من قبل في سماء العز والشرف والفخر والبطولات.

إن آثارا من الأمل والحياة والحيوية مُشاهَدة في كل ذرة من تراب الوطن، الناس مليئون بالأمل والحماس تجاه مستقبلهم. فإنهم وجدوا أكبر ما كانوا ينتظرونه، وهو الأمن، انتهت الحرب، وانتهت الصراعات الداخلية.

ينبغي على الجميع الإسهام في صنع لوحة الأمن، والحفاظ عليها، يجب أن نحافظ عليها بإقامة شرع الله، وتنفيذ حدود الله، وعدم الانجرار خلف الشائعات الشيطانية.

إنه من الطبيعي أن لا تجنى الثمار مباشرة وبشكل سريع، فكل ثمرة ناضجة احتاجت في بداياتها إلى وقت ومجهود وتجارب حتى تصل لما وصلت إليه من صلاح وجاهزية للقطف،

وهكذا الحال عندما تتحرر بلاد ما من قبضة الاحتلال والطغيان، تبدو الأمور للوهلة الأولى أنها تتجه إلى الفوضى والانفلات، فما يلبث الأمر حتى تعود الحياة إلى نصابها الصحيح. ولكن رغم كل ذلك، لم ينفلت زمام الأمور من أيدي قادتنا، بل أحكموا إدارتهم الواعية على كل مناحي الحياة، وهذا بلا شك شارة القوة والشعبية التي يتمتعون بها بفضل السياسات الرشيدة التي اعتمدوها.