جهاد شعب مسلم: قصة لأربعة أشقاء كلهم قتلوا في سبيل الله

نصیب جدران

 

هنا أفغانستان، هنا انهزمت أكبر أمبراطوريات العالم وفشلت إستراتيجياتها العسكرية، واضمحلت قواها العسكرية والإعلامية والمادية، لأنها تواجه شعبا مسلما يقارع ضد الاحتلال الصليبي، وحرام على المحتلين أن ينتصروا على هذا الشعب المسلم لأن أبناءه يتسابقون إلى جبهات القتال ويحِنّون إلى الشهادة في سبيل الله، هنا يعتز الآباء باستشهاد أبنائهم، هنا يفتخر العوائل بكثرة الشهداء وإليكم قصة تنافس أربعة أشقاء في ميادين التضحية والفداء والجهاد والإستشهاد.

يقرب حب الموت آجالنا لنا … وتكرهه آجالهم فتطول

وما مات منا سيد حتف أنفه … ولا طل منا حيث كان قتيل

تسيل على حد الظبات نفوسنا … وليست على غير الظبات تسيل

إذا سيد منا خلا قام سيد … قول لما قال الكرام فعول

وأسيافنا في كل غرب ومشرق … بها من قراع الدارعين فلول

 

التقيت قُبيل العيد الأضحى بمنطقة “دوشنبه” في ولاية “لوجر” مع الأخ المجاهد “عبد الله” الملقب بـ”أبي الليث” وبعد تناول العَشاء مباشرة أمر القائد المجاهدين أن لا تصاحبوه معكم إلى الحراسة لأنه قد استشهد شقيق له قبل شهرين وقبله بسنوات قتل شقيقاه الآخران وهو يعاني من الأمراض النفسية ولذلك نحن نشفق عليه كثيرا.

وفي الصباح طلبت من “عبد الله” اعطاء معلومات حول أشقائه الشهداء لأكتب مناقبهم ليبقى تاريخ بطولاتهم إلى جيلنا القادم.

فقال لي عبد الله: إن ثلاثة من أشقائي القارئ شمس الله، والملا سيف الرحمن والملا إحسان الله استشهدوا في سبيل الله وأنا شقيقهم الرابع أتقلب في جبهات القتال انتظارا لاعتناق ليلى الشهادة.

في أفغانستان قلما تجد عائلة لم تقدم شابا من شبابها شهيدا في سبيل الله، بل كثير من العوائل قدمت ثلاثة أو أربعة من أبنائها شهداء في سبيل الله ورفع أسلحته الشقيق الخامس، ونفس القصة حدثت للعم “كلا جان”.

القارئ شمس الله، وسيف الرحمن، وإحسان الله، وعبد الله أبناء “كلا جان” كلهم قتلوا في سبيل الله، ينتمي هؤلاء الأبطال إلى مركز ولاية باكتيا إلى منطقة “تندان” “تيري”

الشهيد القارئ شمس الله كان أكبر إخوانه، بدأ دروسه الإبتدائية عن دار العلوم العربية في مدينة “كرديز” وتخرج عنها، ولما هاجمت قوات الحلف الأطلسي بقيادة أمريكا أفغانستان كان القارئ “شمس الله” شابا فأخذ أسلحته عام 2003 الميلادي وبدأ مسيرته الجهادية، وكان شمس الله يملك خبرة في العبوات والألغام الأرضية، وكانت أعوام بداية الاحتلال ولم يكن في حسبان الأمريكيين أن قوتهم الطاغية ستنهزم أمام أسلحة ضعيفة، واستخدم الشهيد القارئ شمس الله العبوات أحسن استخدام، وأربك المحتلين الأمريكيين في منطقته، وفي عام 2005 اعتقله الأمريكيون فقضى 3 سنوات في سجن باغرام وتم اطلاق سراحه عام 2008 الميلادي.

وبعد النجاة من السجن لم ينكسر عزمه، فواصل مهاجمة الأعداء بالعبوات وشن عشرات التفجيرات على الأمريكيين على طريق كابل _ كرديز، وأثناء هذه المسيرة المباركة استهدفته المروحيات وأصيب بإصابات بالغة، وفي عام 2015 الميلادي نصب كمينا على القوات الأمريكية في منطقة “مغلان” بولاية “لوجر” فهربت الدبابات والمدرعات وبقيت دبابة واحدة حاصرها المجاهدون ولم تجد سبيل الفرار فاستنجدت بالطائرات، فجاءت مروحية وقصفت المجاهدين فقتل القارئ شمس الله برفقة مجاهدين آخرين وخلّف ثلاث بنات يتيمات.

ولما قتل أخوهم الأكبر اعتنق الأخ الأصغر “سيف الرحمن” راية التوحيد وواصل الجهاد المقدس، وكان سيف الرحمن دارسا في مدرسة “دهيرى” بمدينة خوست، ودرس الكتب الدينية إلى الدرجة العالية المعروفة بالدورة الصغرى، وقال لي عبد الله: لما رأت العائلة شوق سيف الرحمن إلى الشهادة اشترت له الأسلحة وزودته بها، وسجّل سيف الرحمن اسمه في دفتر الإستشهاديين ولكنّه حاز أمنيته وقتل في غارة جوية بدلا من العملية الإستشهادية وقتل في غارة جوية لطائرات بدون طيار الأمريكية في ولاية لوجر عام 1433 الهجري.

بدأ أخوهم الثالث الشهيد إحسان الله دروسه الإبتدائية في قريته ثم في مدرسة “لتكو” بولاية خوست وكان طالبا في العالية.

وفي عام 1428 الهجري بدأ يساهم في العمليات الجهادية في الهجمات والكمائن في ولاية “لوجر”، وغلب عليه حب الجهاد حتى لم تمنعه الإصابات والاعتقالات عن مواصلة الجهاد، حيث أصيب أربع مرات واعتُقل مرتين، وكان فيلق “صفر” يشن مداهمات كثيرة في ولاية “لوجر”، وجاء الجنود في العاشرة صباحا إلى المنطقة وكان المواطنون يعرفون همجيتهم ولذلك هجروا المنطقة، فأخذ إحسان الله أسلحته وسارع نحو الجنود وكمن لهم فقتل ثلاثة منهم وأجبرهم على الفرار، وأصيب الأخ “إحسان الله” في تبادل اطلاق النار، ولكن لم يأت الجنود إلى هذه المنطقة، وكان الشهيد إحسان الله يملك خبرة في العبوات والألغام إلى جانب الكمائن والهجمات، وشن أربع عشرة هجمة على العدو بواسطة العبوات وإضافة إلى ذلك هاجم ثكنة “إلياس خان قلعة” برفقة إخوانه المجاهدين وغنم أربع قطع سلاح إيم فور وقطعة بيكا.

و واصل عبد الله قائلا: وكان على طريق “خوشي” العام ثكنة عسكرية تؤذي عوام المسلمين، فأراد المجاهدون أن يهاجموها، ولما راجعنا قائمة المجاهدين المهاجمين كان اسمي بينها، فقال إحسان الله لي أولا: امكث أنت، أنا سأذهب اليوم إلى القتال، ثم بكى أمام القائد بأن يصاحبه إلى الهجوم، فقلت: لا بأس، سنذهب كلانا، ولكن الأمير أذن لإحسان الله وأمرني بالبقاء.

وبدأ الهجوم في التاسعة مساء، وكان إحسان الله في المهاجمين واقترب من الثكنة، وألقى قنابل يدوية إلى الثكنة، وأطلق الجنود عليه النار فأصيب في يده ورِجله، ثم وصلت الدبابات إلى مساعدة العملاء فأطلقوا عليه النيران وقتلوه.

وإني سطرت هذه الأسطر واحتفظت بها لأرسلها إلى أخي الشهداء “عبد الله” وقبل أيام أرسل لي أحد الإخوة صورة لجثمان “عبد الله” في أكفانه وأخبرني بأن عبد الله نال الشهادة في سبيل الله.

إن عبد الله الملقب بـ”أبي الليث” لم يضع أسلحة إخوانه الشهداء على الأرض بل حملها في وجه أعداء الله من المحتلين الصليبيين وعملائهم، وبقي لمدة في سجن باغرام سيء الصيت، ولكن عزمه لم يفل عن الجهاد في سبيل الله، ولم يركن إلى الدنيا، بل واصل الكفاح ضد المحتلين وأذنابهم ببسالة وشجاعة حتى ارتقى شهيدا في سبيل الله نحسبه كذلك والله حسيبه.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل شهادة “عبد الله” وإخوانه وسائر الشهداء وأن يفتح على المجاهدين وينصرهم نصرا مؤزرا إنه ولي ذلك والقادر عليه.