حرية التعبير! وإطلاق النار على المعترضين

 

لقد سلط المحتلون نظاماً عجيباً على شعبنا المظلوم، فقد أطلقوا على هذا النظام اسم (الحكومة الديمقراطية)، وجعلوا (حرية التعبير) أهم شعار لها، فظن الناس بأنهم سيتمكنون بفضل حرية التعبير من رفع نداء مظلوميتهم وضعفهم وإيصالها إلى المسئولين، وأنهم سيتدخلون فوراً لرفع الظلم عنهم وتلبية مطالبهم!

لكن الشعب لم يكن يعلم بأن المحتلين إلى جانب (حرية التعبير!) أتوا بمثبطات اللامبالاة، فمن اليوم الذي حصل فيه الناس على حرية التعبير من ذلك اليوم قام المسئولون بتخدير أنفسهم بتلك المثبطات والمهدئات، وسدُّوا آذانهم، لذا فمهما حاول الشعب من رفع صوته وقضيته من خلال حرية التعبير، ومهما علا صوته، وإن ملأت صرخاته أرجاء الفضاء فلن يبلغ صوته أذن أحد من المسئولين، ولن يستشعر واحد منهم حال الشعب واضطهاده.

لن يقدر أحد أن يقدم نموذجاً واحداً طيلة السنوات الثمانية عشر الماضية حققت فيه المظاهرات والاحتجاجات الشعبية مطالبها، فإن من تنتهك حقوقهم وتداس كرامتهم يخرجوا إلى الشوارع والطرقات، فيصرخون ويُوَلْوِلون أمام الدوائر الحكومية، وينصبون الخيام للاعتراض، ويظلون على هذه الحال أياماً وأيام دون أن يصغي إليهم أحد أو يستشعر ألمهم، إلى أن يَمَلّوا في آخر المطاف، ويرجعوا إلى منازلهم بقلوب محطمة تملأها الضغينة واليأس.

ونتيجة لاستمرار هذه المهزلة، شعر مسئولو إدارة كابل أخيراً بأنهم معفُوون أصلاً عن انتقادات الشعب أياً كانت، فكل ما يقال عن فسادهم، وظلمهم، واختلاسهم، وتورطهم في الجرائم لا يحرك فيهم ذلك ساكناً ولا يلقون لها أي اعتناء، فيعتبرون أنفسهم غير مسئولين بل أصحاب تقدير واحترام، وإذا ما خرجوا إلى الأسواق فيجب على الشعب أن يمسكوا على رؤوسهم المظلات، ولو افترضنا أن الشعب رفع صوته معترضاً فإن هؤلاء الجبابرة يمنحون لأنفسهم حق رد اعتراضات الناس بالأعيرة النارية.

فخلال الأيام الماضية حصلت أحداث في ولايتي غور ولوجر قام فيه المسئولون المتغطرسون باستخدام الظلم والهمجية والغطرسة في حق شعبنا الأعزل، فالفقراء والمحتاجون من النساء والشيبان الذين تجمعوا في ولاية لوجر للحصول على شيء يسير من المساعدات تعرضوا للضرب والتذليل والتحقير بأيدي هؤلاء المسئولين.

وفي ولاية غور اعترض الناس مطالبين بالتوزيع العادل لمساعدات إحدى المؤسسات الأجنبية، لكنهم تعرضوا إطلاق نيران مكثف من قبل المسئولين، وراح ضحيته أكثر من 20 معترض بين قتيل وجريح.

وتُظهِر هذه الأوضاع بأن تلك الحرية المزيفة للتعبير – التي كان الناس فيها يعترضون والمسئولون يهجعون إلى نومة التطنيش والامبالاة – أيضاً لم تعد باقية، فقد بلغ الاختناق الديمقراطي إلى حد أنه لا يُسمح للشعب أن يرفع صوته واعتراضه حتى، ومن تمرد على ذلك واعترض فإن جسده تغربله الرصاصات.

إن إمارة أفغانستان الإسلامية تندد بشدة هذه التصرفات الهمجية التي يرتكبها هؤلاء المسئولون الجائرون، وتعتبر ذلك جناية عظمى في حق الشعب الأبي، وفي الوقت نفسه تنبه الشعب وتكشف له عن الوجه الحقيقي لحرية التعبير، فإن حرية التعبير والاعتراض التي لا تضمد جرحاً ولا تداوي ألماً أحق بالتنديد وأسوء من الاختناق بكثير.