خاطرة جندي للجيش الوطني عن وقف إطلاق النّار

نصير أحمد الهاشمي

 

كان اليوم الثاني من أيام عيد الفطر، كنّا قريبين من منطقة بادخواب شانه مركز ولاية لوجر، تحت ظلٍ وارفٍ لأجل الحفاظ وأمن الآخرين.

فقال لي صديقي: قف في مكانك أنا سأذهب كي آتي بماءٍ عذب من النبع الذي على مقربة منّا.

قلتُ لا بأس اذهب، فأنا ههنا، لأنني كنتُ أعرف أنّ هذه الأيام أيام وقف إطلاق النّار، وأرى بأنّ الطالبان لا يستهدفون صديقي.

انطلق صديقي ولكنه تأخّر في المجيء ممّا أطال انتظاري وأوجد الريب في خاطري بأنّ الطالبان استهدفوه أو اعتقلوه.

فتحركتُ من مكاني ورأيت بأنّ صديقي يجري نحوي إلا أنّه لا يملك سلاحاً.

فحمدتُ الله، فلما اقترب منّي رأيته مضطرباً، قلتُ ماذا حدث لك؟

قال: أخذ سلاحي طالبٌ صغير، لأنني كنتُ أملأ جالوني من الماء، فلم أشعر إلا والطالب الصغير الذي يتراوح عمره بين 16 و17 يأخذ سلاحي، ثم قال: لا يليق هذا السلاح بك، لا بد أن يأخذ هذا السلاح أبو الشوارب، مع أنني ما وجدتُ له شارباً.

فقلتُ كما تشاء! خذه واحمله معك ولكن لا تقتلني!

فقلتُ: عجيب ما حدث لك! إلا أنني طمأنته، وقلتُ الحمد لله على السلامة، سنجد السلاح، المهم سلامتك. فكنّا نبحث حول هذه الأمور، إذ فوجئنا ببعض الطالبان الذين كانوا يقودون الدراجات النّارية متّجهين نحونا، فكمنّا لهم، وقلنا لو رموا علينا فسنرمي عليهم أيضاً، وإن لم يرموا فلا نرمي أيضاً.

فرأينا بأنهم اقتربوا منّا زهاء 20 متراً، فقال لي صديقي ذاك الطالب الصغير هو الذي أخذ سلاحي وهو معهم.

فكنّا خائفين لأننا لم نكن نحمل ذخيرة كافية، وكنا مضطرّين ولا نستطيع أن نفعل شيئاً، لأنّ رفاقنا كانوا بعيدين عنا، وكنّا نخاف بأن نتواصل معهم عبر اللاسلكي.

فكنّا في هذه الحال، إذ نادانا طالب: أيها الجندي هل تسمع ندائي؟ هيا اخرج لا نستهدفك.

وكنّا خائفين من أن يحيكوا مؤامرة ضدّنا.

فنادانا مرّة أخرى: أيها الجندي ألا تسمع؟ هيا اخرج وخذ سلاحك.

فوقع كلامه موقع قلبي، إلا أنني لم أتجرأ بأن أخرج، فقلنا له: ضعه هنالك سنأخذه لاحقاً.

قال : حسناً، ولكن لم تخاف؟ تعال إننا جئنا بالطالب الصغير الذي أخذ سلاحكم، فعاقبوه بأنفسكم على جريمته.

فاجترأنا قليلاً وخرجنا من مخبئنا، فاقتربوا منا وسألوا عن حالنا.

ثم طلبوا العفو منا وقالوا بأنّ هذا الشاب قد أعرض عن أمر أميره، فعاقبناه، فنرجو منكم أن لا تسخطوا أو تحزنوا من عمله.

وهذا سلاحك، فأعطونا السلاح وذهبوا. صدقوني، لو أغمضتم جفونكم لا تتصورون أصلاً مثل هذا المنظر، ولكن عندما تفتحون أعينكم ترون بأنّ الطالب البشوش واقف أمامكم، إنه كان يوماً تاريخياً بالنسبة لنا.

وبعد لحظة رأينا كالسابق أن زملاءنا أتوا فوق الدبابات، وهم مستبشرون، أحدهم يرقص والآخر ينشد، ولكن ما كانوا يدرون ماذا حدث لنا!

فعندما حكيتُ لهم هذه الحكاية، أيدوني جميعاً، وقال أحدهم: إي نعم، وقف إطلاق النار.

وأتذكر الآن الموقف وأرى بأنه إلى الحُلم أقرب منه إلى الحقيقة!