المستقبل للأحرار بإذن الله

عرفان بلخي

 

في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك الماضي أعلنت الحكومةُ العميلة هدنة أسبوع، ثم أعلنت الإمارة الإسلامية وقف إطلاق النار خلال عطلة عيد الفطر لإكمال فرحة المواطنين. وهذه المبادرة كانت هي الأولى من نوعها منذ الاحتلال الأمريكي لبلادنا العزيزة، فدخل المجاهدون إلى المدن والتقوا بالمواطنين واستقبلهم المواطنون في المدن بكل حب وترحاب، ورأوهم أنهم من بني جلدتهم مؤمنون، صادقون، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، وليس فيهم أجنبي أو عميل واحد، وهي ما تصفهم به وسائل الإعلام المغرضة والعميلة أو تصورهم على أنهم وحوش إرهابيون، بلهاء، ظلمة أو يظهرونهم بإسلوب ساخر على أنهم ليس لهم ثقافة ولا ذكاء، وأنهم رجعيون متخلفون.

وكم حاول الأعداء إخفاء الحقائق طول مدة الاحتلال، ورموا المجاهدين بالتهم الباطلة، وسموهم ارهابيين وقتلة، ومهلكوا الحرث والنسل، لكن وقف اطلاق النار أثبت أن المجاهدين كما يتقنون القتال، فهم كذلك يتقنون الصلح والسلام والأمن والاستقرار، بل أحسن منه؛ لأن الإمارة الإسلامية أُسِست لاستباب الأمن والاستقرار وإصلاح ما أفسده الآخرون في البلاد، فهي لا تريد إهراق الدماء وإحراق الأرض وإهدار الممتلكات وهتك الحرمات، وكان من إنجازاتها في أول الوهلة؛ توحيد أراضي البلاد، والقضاء على الفساد بكل أنواعه، وجمع الأسلحة وحصرها في الأيدي الأمينة، والقضاء على طبقة المجرمين وأمراء الحرب، وإنشاء المحاكم، وإيجاد نظام إداري لا يشوبه فساد، والقضاء على زراعة المخدرات، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وانتشارالعدل والأمن في كافة أرجاء البلاد، وإيجاد المراكز الخيرية، وتأسيس المدارس والمساجد والمستشفيات والمراكز الدينية والتعليمية لراحة العباد، والأهم من ذلك إعادة الأمن والاستقرار والصلح إلى ربوع البلاد. وقلنا مرارا وتكرارا إن الحل يكمن في أن تبدأ القوات الأمريكية مفاوضات مباشرة مع الإمارة، وأن تقوم بسحب قواتها من البلاد فنحن مستعدون للصلح وننشد السلام الكامل والدائم.

كما جاء في بيان زعيم الامارة الاسلامية الشيخ هبة الله اخندزاده -حفظه الله- بمناسبة عيد الفطر: “إن الطريق الوحيد للخروج من جميع المشاکل هو يتمثّل في خروج القوات الأمريکية و حلفائهم من بلدنا، و في قيام نظام ذي سيادة مستقلة يشمل الأفغان جميعا، إنّنا قد بدأنا جهادنا لتحقيق هذا الهدف، و إلی جانب الجهاد المسلّح ترکنا باب التفاهم والتفاوض مفتوحا لتحقيق هذا الهدف حيث يعمل المكتب السياسي للإمارة الإسلامية كمرجع وحيد للإمارة في هذا المجال.

…إنّ الخطأ الأکبر للسلطات الأمريکية هو توسّلها بإعمال القوة في جميع القضايا، ولکنّ استخدام القوة في کلّ مکان لا ينجم عن النتيجة المطلوبة”.

ونوّه سيادته في بيانه عما يدورمن فتاوى في كواليس المؤتمرات باسم علماء الدين فقال: “إننا کشعب مسلم لدينا الحق في طرد المحتلّين من بلدنا بأية طريقة ممکنة.وإذا کان جهادنا بالأمس ضدّ الغزو الإنجليزي و من بعده ضدّ الغزو السوفياتي حقنا الشرعي، فإنّه اليوم ضدّ الاحتلال الأمريکي کذلک جهاد شرعي حق مكتسب لكل شعوب الأرض، ولا يوجد أيّ دليل علی أن ننکر علی الاحتلال الذي کان بالأمس و نخضع للاحتلال القائم اليوم”. وأضاف سيادته مخاطبا الشعب الأبي قائلا: “أيها الشعب الأفغاني المجاهد!

إنّ العدوّ الغازي يواجه الهزيمة في حربه ضدّکم في جميع خنادق القتال فلم يبق له إلا إسعار معرکة الدعاية والإشاعة الإعلامية ضدّ المجاهدين. فهم أحيانا يصفون المجاهدين بالإرهابيين، و أحيانا ينسبون جهادهم الدفاعي الحق إلی جهات أخری. ولکن الحقيقة هي أن المجاهدين هم إخوانكم وأبناؤکم و هم مدافعون عن دينكم و بلدکم. فلنترک وسائل إعلام الموالية للعدوّ لتقول ما تقوله عن المجاهدين، ولکنکم ترون الحقيقة بأمّ أعينکم واضحة مثل الشمس، فلا تثقوا في دعاية العدو، بل اعتمدوا علی حواسكم و إدراککم”.

وطمأن الشعب عن منع وقوع الخسائر في صفوف المدنيين فقال: “إن قضية منع وقوع الخسائر المدنية هي من القضايا الأساسية الهامة لدی الإمارة الإسلامية، و إننا نؤكد لشعبنا أننا بذلنا قصاری جهدنا لتجنب سقوط الضحايا من المدنيين، ولا نتهاون في هذا الأمر في المستقبل أيضا.

إنّ قتل المسلم البريئ هو ثاني أكبر خطيئة في الإسلام بعد الشرك، ولا يريد أي مسلم أن يرتکب هذه الجريمة. وإنّ مجاهدينا الذين يتحمّلون حياة المصاعب في الجهاد طلبا لرضی الله تعالی لن يرضوا بارتکاب الجريمة التي تتسبب في سخط الله تعالی عليهم، ولكن الحقيقة في هذا الصدد هي أنّ معظم الأحداث المأساوية في قضايا الضحايا المدنيين تتسبب في وقوعها قوات الاحتلال أو المجموعات التي تمّ إيجادها في ظل الاحتلال و بدعم منه بقصد إضعاف المقاومة الجهادية عمدا و بشکل مبرمج. ولذلك يجب علی الناس أن ينتبهوا إلی هذا الأمر، و أن يفکّروا بإمعان في کيفية و ماهية كل حادثة، و أن لا ينساقوا وراء إشاعات العدو في هذا المجال”.

 

حقا إن الإمارة أتت لاستتباب الأمن والسلام، وهذا دأبها، ولا زالت تسعى لإيجاد صيغة تسنح للمحتلين الانسحاب بلا قيد وشرط، فهي تعلم أن الإسلام يدعو للسلام وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما رد يدا امتدت إليه بسلام، لأن السلام هو منهجه وخلقه اللهم إلا إذا كان على حساب الدين وقيمه وفضائله فهو سلام مرفوض واستسلام مهين حذر منه رب العالمين بقوله: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم….).

ويخبرنا التاريخ الإسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مد يده لقريش عندما جاؤا إليه عند الحديبية يفاوضونه، وكان كريماً معهم، وراعى -في غير استسلام- ظروفهم النفسية مع نظرة مستقبلية علم بها صحابته أن السلام في صالح المسلمين وأن الحروب معوقة لانتشار الدين وبسط نوره وسلطانه، ووصف القرآن هذه المعاهدة بأنها نصرعظيم وفتح كبير.

نحن نعلم جيدا أن الصلح خيرٌ، تهبُّ به على القلوب المتجافية رياحُ الأنس ونسماتُ النَّدى، صلحٌ تسكنُ به النفوسُ، ويتلاشى به النزاعُ، الصلحُ نهجٌ شرعيٌ يُصانُ به الناسُ وتُحفظُ به المجتمعات من الخصام والتفككِ. بالصلح تُستجلب المودات وتعمر البيوت، ويبثُ الأمنُ في الجنبات، ومن ثَمَّ يتفرغُ الرجالُ للأعمالِ الصالحةِ، يتفرغون للبناءِ والإعمار.

 

لكن هذا هو فرعون العصرترامب الذي أعلن استراتيجيته الحربية الأخيرة التي فرضت الحرب علينا لامحالة، وأمطرعلي عامة الشعب – بحجة أنهم لا يعبدونه ولايطيعونه – أطنانا من القنابل القاتلة الفتاكة، وقام جنوده الغزاة بقصف القرى والمساجد والمدارس حتى حفل تخرج الحفاظ الكرام في أرجاء البلاد، فقتل مئات وآلاف من الشعب الأعزل فضلا عن المقاومين في مداهمات ليلية وغارات عشوائية، وكأنه لايفهم إلا لغة الحرب والقتال، ولكن بعد نجاح وقف إطلاق النار يبدو أن امريكا تستعد اليوم لتعديل سياستها وقد تسلل وزير خارجيتها مايك بومبيو إلى كابل هذا الاسبوع بدون إعلان مسبق، وقال في مؤتمره الصحفي مع أشرف غني أن واشنطن تدعم مساعي غني لبدء محادثات سلام مع طالبان، وأضاف أن إدارة ترامب مستعدة لمناقشة مخاوف طالبان، بما في ذلك دور القوات الأميركية في المستقبل..

أجل، لقد آن اوان أن تعترف أمريكا بهزيمتها ضمنيا في حربها، بعد عقد ونصف من الزمن، فما صرح به وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في كابل قبل أشهر، هو اعتراف بالهزيمة أيضا، وإن استعمل كلمات النصر للتغطية على الهزيمة، فقال إنه يعتقد أن: «النصر في أفغانستان، ما يزال ممكناً، ليس بالضرورة أن يكون على الأرض، لكن من خلال تسهيل عملية مصالحة حركة طالبان مع الحكومة الأفغانية».

هذا التصريح يتضمن اعترافا ضمنياً بأن النصر على الأرض لم يعد ممكناً، وأن الطريق الوحيد الذي تريد أمريكا فيه كسب الحرب هو بالتفاوض بين الامارة الاسلامية والحكومة العميلة، التي تمثل الاحتلال الأمريكي. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المحتل قد أدرك أخيرا أن الحل العسكري ليس ممكنا، ولابد من حوار بين الأطراف المعنية ليفضي إلى سلام دائم وشامل بعد أطول حرب في تاريخ أمريكا.

ان فراعنة الاحتلال الصليبي نسوا أو تناسوا أن إرادة الشعوب المؤمنة لا تقهر، وأن اخضاعها لا يمكن بآلة الحرب والقتال، ولذك أصبحت النتيجة النهائية للغطرسة الأمريكية -بجميع ما صبت علينا من الظلم والاعتداء والقتل والدمار- الفشل الذريع، وبدأ نزيف متواصل لقوتها العسكرية ماديا وبشريا، وتمخضت هذه الحرب الجائرة بخسارة واشنطن، وأذهبت سمعتها العسكرية والسياسية.

فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.