ذلّ من لا سيف له!

عرفان بلخي

 

إن الحرب الأمريكية في أفغانستان تعد في تاريخها من أطول الحروب التي خاضتها حتى الآن، ومازالت أمريكا تراجع إستراتيجيتها ويعلن رئيسها دونالد ترامب أن التدخل كان خطأ.

ومن المفارقات أن أمريكا التي رفضت التفاوض مع طالبان عندما اتهمتها بإيواء أسامة بن لادن المتهم بتدبير تفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر 2001 هي التي تسعي اليوم للتفاوض مع طالبان لانها انهزمت في الحرب باعتراف اكثر قادتها ومنهم رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال جوزيف دنفورد حيث قال أخيرا إن قوات «طالبان» تواصل التقدم في الأراضي الأفغانية، وما خسرت الحرب التي تشنُّها ضد القوات الأفغانية والأجنبية المساندة للحكومة وقال الجنرال دنفورد في مؤتمر للأمن بهاليفاكس إن «(طالبان) لا تخسر في الميدان».

وشدَّد الجنرال دانفورد على أن هناك الكثير يجب عمله من أجل إحلال السلام في أفغانستان التي مزقتها الحرب سنوات طويلة وأنه «من العدل القول إن (طالبان) لا تخسر الحرب حالياً، ويجب علينا الاعتراف بذلك»، مضيفاً: «إننا استخدمنا مصطلح معضلة منذ أكثر من عام، ولم يتغير الوضع حتى الآن». وإنه لا يوجد حل عسكري للمعضلة في أفغانستان.

الامارة بدورها تنشد السلام وترفض الاستسلام وحينما انعقد في العاصمة الروسية موسكو اجتماع دولي لبحث عملية السلام والمصالحة في افغانستان على مستوى نواب وزراء الخارجية والمبعوثين الخاصين بمشاركة وفدين عن مكتب الامارة الاسلامية في قطر والمجلس الأعلى للسلام في أفغانستان. ففي هذا الاجتماع القى رئيس المكتب السياسي لامارة افغانستان الاسلامية شیر محمد عباس ستانكزي، كلمته المفصلة المشتملة بمطالب الامارة المنشودة وأكد أهمية الحوار من أجل تسوية الأزمة في أفغانستان، لكنه جدد ربط الشروع في التفاوض بسحب القوات الأجنبية من البلاد.

قالوا إن المعركة بين الحق والباطل وبين حزب الرحمن وحزب الشيطان معركة قديمة حتى سبقت هذه الحياة البشرية على الأرض فالحرب لاتهدأ مادام هناك حق وباطل وخير وشر وما دام الشيطان يحثّ اعوانه على اطفاء نور الله ومقاتلة المؤمنين ولما كانت الحرب بلاء الانسانية وفيها تسيل الدماء وتزهق النفوس وتواجه الشدائد والمكاره فعلى المؤمن ان يدرّب نفسه على الصبر في الشدائد والمحن والمؤمن المجاهد لاينفد صبره على طول المجاهدة وإن حاول الأعداء أن ينفد صبره بل يظل أصبر من أعدائه واقوى منهم في تحمل المصائب والمصاعب والمشاق ولذلك اثنى الله تعالى على الصابرين وأرشد المؤمنين الى طريق السلامة من شر الكفار وكيد الاشرار بالصبر والثبات والجهاد في سبيل الله واوصاهم بالكفاح الدائم الذي لاينقطع والذي يستنفد النفس والمال في سبيل الدفاع عن حوزة الاسلام وحرية اهله وهناك سنة الله في الكون انه لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فإنه لا يغير نعمة أو بؤسى , ولا يغير عزا أو ذلة , ولا يغير مكانة أو مهانة ولا العبودية اوالحرية… إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم , فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم. وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون. ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم.

وقد جاهد شعبنا الأبي العدو الغاشم اطول مدة وقد اثمر جهاده اليوم وأذل الله الجبابرة المعتدين الذين زعموا احتلال بلادنا لقمة سائغة وظنوا استتباب حكمهم فيها في غضون الأشهر والأسابيع ولكن خسر ظنهم وخاب وحيل بينهم وما يشتهون حيث طال الأمد الى اكثر من عقد ونصف وانهم ما استطاعوا خلاله من تكريس حكمهم النحس كاملا حتى في محافظة واحدة كاملة من هذه الأراضي الطاهرة المخضبة بدماء الشهداء الابرار ولن يستطيعوا في المستقبل ابد الآبدين باذن الله.

إن القمع والارهاب الذي مارسته القوات الغازية وتمارسها لم ولن يثنيا من ارادة وعزم شعبنا على مواصلة المقاومة والجهادالمقدس حتي تحقيق النصر النهائي وربما تكون الحرية بتضحية الأنفس والأرواح ولكن هذا الشعب يتقن التضحية والموت في سبيل الله كما وصفه احد العلماء الأعلام.

اراد الاحتلال أن يكسب الحرب بالآلة العسكرية ومن المعلوم إن كسب الحرب ضد الأفكار والمعتقدات لا يكون بالبطش والجبر ولا بالآلة العسكرية، ولا بالحرب المدمّرة ولا بإلقاء القنابل العملاقة عبر استخدام طائراتٍ من دون طيار ولا بتلفيق التقارير الكاذبة المختلقة والترهات ونحن على يقين أن في النهاية سينتصر سلاح الإيمان على سلاح المادة بمشيئة الله عز وجل كما انتصر قبل ذلك مرارا في احقاب التاريخ.

قلنا مرارا من علي منبر هذه المجلة إن الإمارة الإسلامية كما أُسِست لاستباب الأمن والاستقرار وإصلاح ما أفسده الآخرون في البلاد فهي لا تريد إهراق الدماء وإحراق الأرض وإهدار الممتلكات وهتك الحرمات. وكان من منجزاتها في بدو الوهلة ؛ توحيد الأراضي للبلاد، والقضاء على الفساد بكل أنواعه، وجمع الأسلحة وحصرها في الأيد الأمينة، والقضاء على طبقة المجرمين وأمراء الحرب، وإنشاء المحاكم، وإيجاد نظام إداري لا يشوبه فساد، والقضاء علي زراعة المخدرات، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وانتشارالعدل والأمن في كافة أرجاء البلاد، وإيجاد المراكز الخيرية، وتأسيس المدارس والمساجد والمستشفيات والمراكز الدينية والتعلمية، والأهم من ذلك إعادة الأمن والاستقرار والصلح إلى ربوع البلاد. نحن نعلم جيدا أن الصلح خيرٌ تهبُّ به على القلوب المتجافية رياحُ الأنس ونسماتُ النَّدى، صلحٌ تسكنُ به النفوسُ، ويتلاشى به النزاعُ، الصلحُ نهجٌ شرعيٌ يُصانُ به الناسُ وتُحفظُ به المجتمعات من الخصام والتفككِ. بالصلح تُستجلب المودات وتعمر البيوتات، ويبثُ الأمنُ في الجنبات، ومن ثَمَّ يتفرغُ الرجالُ للأعمالِ، يتفرغون للبناءِ والإعمار بدلاً من إفناءِ الشهورِ والسنواتِ في المنازعاتِ والدمار، والكيدِ في الخصومات، وإراقة الدماءِ وتبديد الأموال.ولقد أثبت الامارة الاسلامية هذه الأمنية الميمونة في هدنة عيد الفطر المبارك وقد شاهد ذلك القاصي والداني.

إنَّ كثيراً من وسائل الإعلام الغربية حاولت وتحاول قدر الإمكان إخفاء هذه الحقائق، وتعميتها وتعتيمها على الناس، وخلق حالة من الغبش والضبابيَّة حول ارادة الامارة الصلح والسلام، وتسعى تلفيق الأكاذيب والترهات على الإمارة الإسلامية؛ لأنَّهم يعلمون أنَّه لو ظهرت الحقائق، على مرأى ومسمع من هذا العالم، لشهدوا للحركة الإسلامية والألوية البيضاء الخفاقة رمز الإسلام والصلح والسلام بالفضل واليمن والبركة، لكن المستكبرين المتغطرسين الذين لا يريدون الخضوع للحق والبرهان، لأن استكبارهم يمنعهم من الخضوع فيخفون كل الحقائق، ويختلقون جميع الأكاذيب.

إن الإمارة جاءت لاستتباب الأمن والصلح والسلام، وهذا دأبها، ولا زالت تسعى لإيجاد صيغة تسنح للمحتلين الانسحاب بلا قيد وشرط، فهي تعلم أن الإسلام يدعو للسلام وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما رد يدا امتدت إليه بسلام، لأن السلام هو منهجه وخلقه اللهم إلا إذا كان على حساب الدين وقيمه وفضائله فهو سلام مرفوض واستسلام مهين حذر منه رب العالمين بقوله: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم….).

ويخبرنا التاريخ الإسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مد يده لقريش عندما جاؤا إليه عند الحديبية يفاوضونه، وكان كريماً معهم، وراعى -في غير استسلام- ظروفهم النفسية مع نظرة مستقبلية علم بها صحابته أن السلام في صالح المسلمين وأن الحروب معوقة لانتشار الدين وبسط نوره وسلطانه، ووصف القرآن هذه المعاهدة بأنها نصرعظيم وفتح كبير.

 

إن الأمور اذا التوت وتعقدت *** جاء القضاء من الكريم فحلها

 

تعتقد الإمارة الإسلامية “بأن الإسلام دين سلام، وعقيدة حب، ونظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله، وأن يقيم فيه منهجه، وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين. وليس هنالك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة! وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة، انتظارا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس، فتتجه هذا الاتجاه المستقيم“.

في انتظار ذلك اليوم المبارك!