ركيزة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

حافظ منصور

 

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ركيزة هامة من ركائز الإسلام، وقد بعث الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء لأجل هذه العبادة العظيمة، وعلّق الله جل جلاله الخيرية في هذه الأمة المكرَّمةِ بهذه الفضيلةِ حينَ قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران:110].

يقول السعدي: يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس. ولما كانت الآية السابقة وهي قوله: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} أمرا منه تعالى لهذه الأمة، والأمر قد يمتثله المأمور ويقوم به، وقد لا يقوم به؛ أخبر في هذه الآية أن الأمة قد قامت بما أمرها الله بالقيام به، وامتثلت أمر ربها واستحقت الفضل على سائر الأمم.

أنتم -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- خير الأُمم وأنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعاً وعقلاً، وتنهون عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعاً وعقلاً، وتصدقون بالله تصديقاً جازماً يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم، لكان خيراً لهم في الدنيا والآخرة، منهم المؤمنون المصدّقون برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- العاملون بها، وهم قليل، وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته. [التفسير الميسّر].

يقول الإمام ابن حزم رحمه الله: “اتفقت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف بين أحد منهم؛ لقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]”.

شاع في بعض أوساط الناس الغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتبروا ذلك تدخلاً في شؤون الغير؛ وهذا من قلة الفهم ونقص الإيمان، فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس! إنكم لتقرؤون هذه الآية: {يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» [رواه أبو داود].

وتأمل في سفينة المجتمع كما صورها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإذا أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» [رواه البخاري].

قال السيد رحمه الله: والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -من ثم- تكليف ليس بالهين ولا باليسير، إذا نظرنا إلى طبيعته، وإلى اصطدامه بشهوات الناس ونزواتهم، ومصالح بعضهم ومنافعهم، وغرور بعضهم وكبريائهم. وفيهم الجبار الغاشم. وفيهم الحاكم المتسلط. وفيهم الهابط الذي يكره الصعود. وفيهم المسترخي الذي يكره الاشتداد. وفيهم المنحلّ الذي يكره الجد. وفيهم الظالم الذي يكره العدل. وفيهم المنحرف الذي يكره الاستقامة.. وفيهم وفيهم ممن ينكرون المعروف، ويعرفون المنكر. ولا تفلح الأمة، ولا تفلح البشرية، إلا أن يسود الخير، وإلا أن يكون المعروف معروفا، والمنكر منكرا.. وهذا ما يقتضي سلطة للخير وللمعروف تأمر وتنهى.. وتطاع..

اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، المقيمين لحدودك. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.