شهداؤنا الأبطال: البطل الأبي الأستاذ نعيم الله (قدوري)

صارم محمود

 

يقول صاحب الظلال: “قليل هم الذين يحملون المبادئ وقليل من هذا القليل الذين ينفرون من الدنيا من اجل تبليغ هذه المبادئ وقليل من هذه الصفوة الذين يقدمون أرواحهم ودمائهم من اجل نصرة هذه المبادئ والقيم فهم قليل من قليل من قليل”.

والشهيد بإذن الله؛ أخونا الأستاذ نعيم الله (قدوري) رحمه الله كان من القلائل الذين حملوا هذه المبادئ، وآمنوا بها فأحسنوا الإيمان، ونفروا لأجل تبليغها نفورا لا عودة بعدها، واستهانوا بالدنيا وملذاتها في سبيل نصرتها، ولفظوا آخر أنفاسهم و هم بين نار، و غبار، و دخان، و بارود.

هؤلاء الأفذاذ أمثال (نعيم الله، وسياهسوار، وأويس..) لا يجود بهم الزمان إلا بعد فترات متباعدة، و بعد فواصل زمنیة مديدة؛ ليكونوا النبراس المنیر والقدوة الحسنة للمدلجين من أبناء الأمة، وللسائرين على درب الجهاد، وليكونوا آية من آيات الله، ومعجزة من حقانية الإسلام، ودليلا على ولودة الأمة، وبرهانا على حيويتها، كما أنهم آيات على الحب الصادق، وبراهين على الحنان الإنساني و العاطفة الإيمانية.

وتفاسير لكثير من الآيات والأحاديث التي لا تصدق إلا على هؤلاء المستقتلين الأشاوس الذين وضعوا رؤوسهم على أكفهم ينتظرون الهيعة والفزع ليطيروا نحوها يطلبون الموت مظانة.

فحقا ما قاله صاحب الظلال! هؤلاء قليل من القليل في زمن امتطى على عنق الناس البخل والشح، ورانت عليهم الغفلة والجبن، بالأقل من هذا القليل هم الذين يدوسون على الدنيا في عنفوان شبابهم، ويتركون أحضان النعيم، وينفرون في سبيل الله ليتسربلوا على الجمر، ويخوضوا اللظى، ويقتحموا غمار المعامع الحمراء؛ حيث الدماء، والأشلاء، والأعضاء المتناثرة فهؤلاء قليل قليل..

وشهيدنا الصنديد نعيم الله (قدوري) كان بحق من هؤلاء الأفذاذ الذين نذروا حياتهم لله ولأمتهم التي استبيحت دماءها في يفوعتهم وشبابهم.

أبصر شهيدنا المقدام الحافظ نعيم الله (قدوري) رحمه الله النور سنة 1369 الشمسية في منطقة (سرجنكل) التابعة لمدينة زاهدان؛ غريبا في ديار الغربة، ومهاجرًا في دار الهجرة، وتلقى دروسه الابتدائية في مدرسة نائية عن المدينة كما هي الشأن لأبناء الوطن المهاجرين.

كان الحافظ نعيم الله يتمتع منذ تِلكُم الأيام ( الصغار) من صفات محسنة كثيرة جعلته متميزة من بین مئات الطلبة، ذكاء نادر، وأدب جم، و وقار و رزانة، وتقوى و هيام بالعبادة. ووداد وصدق.

مع أنه كان يدرس في مدرسة دينية وكان جمّ شَغله كتبُه ودروسه لكنه لم يغفل يوما عما يجري في العالم، وكان يبكي مما يعصف بالمسلمين، ويخطط لتغيير الأوضاع المأساوية التي عمت البلدان الإسلامية بما فيها أفغانستان موطن أجداده وآبائه- قدر ما في وسعه -لا سيما البلاد التي هشّ فيها الاحتلال الأمريكي، وباض وفرخ، وجعل أعزة أهلها أذلها، وعاث فيها عيثان السبع.

ومن أهم ما قام به من مهمته الإيمانية والإنسانية تجاه الاحتلال العالمي الصليبي- الاحتلال المباشر أو بالوكالة- هي خوضه في الإجازات الصيفية -منذ ما بلغ الحلم- غمار الحروب الدامية في ( أفغانستان) وفي ثكنات هلمند الساخنة – لاسيما بهرامشه- ومشاركته أبناء جلدته في إذاقة الويل والدمار أبناءَ القردة والخنازير الذين جاؤوا من وراء سبعة أبحر على متون الدبابات، وظهور الطائرات؛ ليستلبوا إيمان الشعب الأفغاني واستقلاله بالقهر والعنجهية والإرهاب، متذرعة بأفتك القنابل والآليات الحربية.

هذا كان دأبه في الإجازات الصيفية فلم يكن يتنازل عنه أو يتساوم فيه بل قضى جميع إجازاته الصيفية في أفغانستان فشهر في معسكرات بهرامشه، وسنة في ثكنات خاشرود، وأسبوع في قفار جاربرجك، و ويوم في صحاري تشوتو وهكذا كانت حاله في الإجازات كلها.

 

يحكي رفيق دربه المجاهد الذي صاحب الشهيد منذ الصغر المولوي جعفر حفظه الله: جاءني الشهيد نعيم الله يوما وكان شارقا بالدمع، فسألته عن شأنه. فردّ علي قائلا: طلب مني الأستاذ أن أبقى هذه العطلة في المدرسة، ولا أذهب إلى الجهاد. وأردف: فشعرت حينما قال الأستاذ، أن السماء قد خرّت علي بثقلها! كيف أترك الجهاد. وأبقى في المدرسة! وقال: سأترك الدراسة إن ثبطتني عن الجهاد. وأذهب لأعمل وأتمكن أن أجاهد في سبيل الله، ولقد عقد الله حياته بالجهاد، ووقر حبه في سويداء قبله.

كتبت مقتطفا عن سيرته الجهادية باللغة الفارسية و تمّ نشرها في الموقع الفارسي للإمارة الإسلامية وعنونت سيرته (أحد من عشاق الجهاد) ففيها مزيد من الفتح والبسط لهذا الجانب – فلم يكن يطيق الشهيد الصبر لا في المدرسة، ولا في البيت، بل ولم يكن يهدأ وهو في ثكنات الجهاد بل كان دائما يطمح إلى المعالي، ويفكر في شأن الأعمال الجهادية.

والتذرع بالمزيد من التكتيكات و الحِيَل التي يتمكنون بها من إيقاع الخسارة في صفوف العملاء، وتحرير المناطق الخاضعة للعدو.

ومن ثمّ كان يجهد في السعي لتعلم الفنون الحربية، وإتقان الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وكيفية استخدامها، وحلها وفكها في الحروب، كما كان يسعى لتعلم المتفجرات وأسلوب زرع القنابل بشتى أنواعها ولم يغفل بجنب سعيه الحثيث عن الاستعانة بالله عزوجل بل كان يقوم آناء الليل ويتضرع عند الله ليوفقه، ويذكي ذهنه ليتعلم مزيدا، ويتمكن بها أن يخدم الجهاد والمجاهدين.

 

كما كان الشهيد رحمه الله يقص بين فينة وأخرى عن نفسه وكيف تعلم الأسلحة الثقيلة وبرع فيها لاسيما سلاح (دو ميله) الذي كان يعشقه إلى حد الغرام: كنت حريصا جدا على تعلم سلاح (دو ميله) ولكن كان عصيّا علي في بداية الأمر، فاعتزمت أن أتقنه، وشمرت عن الساق، ودعوت الله ليساعدني، حتى كنت أقوم في منتصف الليل، وأتضرع عند الله ليسهل علي تعلمه فسهل علي بعد مدة وأتقنته إلى مدى أصبحت من البارعين فيه وأصبحت بعون الله فيما بعد أدربه الإخوة المجاهدين.

فأصبح البطل نعيم الله بصدقه في الخدمة، و إخلاصه في العمل، وتفانيه في الجهاد، ومساعيه الحثيثة في تحريك عجلة الأعمال الجهادية، في مدة قليلة نجما لامعا بين المجاهدين، واستطاع في تلك السنوات التي كان في مديرية خاشرود أن يتذرع بأعمال أن يجعل العدو والصديق فاغري الفاه، وواجمين مأخوذين أمام أعماله.

يحكي أخونا المجاهد أبوجهاد عن الأستاذ نعيم الله القدوري رحمه وعبقريته في زرع الألغام، و وبراعته في تنسيق العمليات وتمريرها في مقال تمّ نشره في مجلة الحقيقة الفارسية:

كان الشهيد نعيم الله رحمه الله دائم التفكير في كيفية أن يباغت العدو، وما زلت أتذكر الألغام المزروعة بيده وإخوته المجاهدين في مديرية غورغوري قُريب ثكنات العدو بما لايبعد عنها سوى مترات حتى رفعت يوما قنبلة مذروعة مدرعة من العدو وجعلت الجميع مدهوشين، مضطربين، والمصابين في روحهم القتالية، لا لأن الطالبان فجروا مدرعتهم بل لأجل أن الطالبان كيف استطاعوا أن يزرعوا القنبلة تحت جدران ثكنتهم.

وكان الأستاذ نعيم الله بفضل ذكائه النادر، وجهوده التي بذلها في المعسكرات أصبح أستاذا في الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وأستاذا في المتفجرات، وأستاذا في المخابرة والموارد الأمنية، وأستاذا في المناظير الليلة و تلمذ لديه كثير من المجاهدين وبرعوا في كثير من الفنون الحربية.

وكان الصنديد الضرغام والأمير الهمام من القادة القلائل الذين كانوا ينسقون العمليات، ويختارون الإخوة ويرتبونهم، وكان دائما يشارك المجاهدين في تنزيل الضربات على العدو الألد في الصفوف الأمامية، وكان عاشقا وأستاذا كما قلت لسلاح (دو ميل) وكان هذا السلاح بيده في أكثر الحروب وقد بلغ في إدارته وتسديد الإطلاق به إلى حد قلما يخطأ الهدف وحتى كان يصوب فوهة معشوقه (دو ميل) في العمليات العامة الكبيرة إلى دبابات العدو ومدرعاته ويوصل إليها النار ويلحق بها الدمار.

فلم يكن يعرف الإرهاق والسآمة فكان – مع أنه كان نائب أمير الخط العسكري- يخدم الإخوة المجاهدين ويطبخ لهم الطعام، ويكنس لهم الغرفات، ويرسم على شفاهم البسمة من مطلع الشمس إلى هزيع من الليل.

وأخيرا قرابة عقد من الجهاد والتضحيات يسقط في عملية على قاعدة (كمينكاه) من ضواحي مديرية تشخانسور مع صاحبيه الوفيين الحافظ عبد الكريم والحافظ سيف الله شهيدا وضمخ الثرى بنجيعه الطاهر.

هذه كانت سطورًا من سفر حياة الشهيد الصنديد نعيم الله القدور رحمه الله وغيضا من فيض سيرته العطرة الزاخرة بالبطولات والتضحيات فتناول سيرته البطولية الجهادية بالكتابة صعب على أمثالنا فحياة كل واحد من هؤلاء الشهداء الذين طلقوا الدنيا، وجازفوا برؤوسهم، ورخصوا لدين الله دماءهم، تحتاج إلى المجلدات، رجاء أن يتشجع بهذه الكلمات القاصرة قراء الصمود و تضرم فيهم نار الثأر، وتبعثهم على مواصلة الدرب، وأخذ السلاح، وما ذلك على الله بعزيز.