شوری بلا جدوی

عماد الدين الزرنجي

 

عندما یُعلن عن عدم وجود تأثير لمنظمة أو إدارة من قبل مؤسیسها وموظفیها البارزین، فما الفائدة في تأکید البعض لاستمرارها والتخطیط لإنعاشها؟ ومن المعلوم أن شريان الحیاة للمنظمات والإدارات يكمن في قوة تأثیرها العمیق في مجالات نشاطها.

إن مجلس شوری المصالحة الأفغانیة أو ما یسمی بـ” شوری الصلح” أسس قبل ۷ سنوات إبان رئاسة الرئیس السابق، “حامد کرزی” وكانت تضم کثیراً من الشخصیات السیاسیة والاجتماعیة؛ وذلڬ بهدف الوصول إلى الصلح بین حكومة کابل والإمارة الإسلامیة. وقد باتت هذه الشوری -بعد سبع سنوات من عمرها- مهددة من جانب مؤسیسها وکبار مسؤولیها بالانهيار. حيث أعلن مؤخراً أحد کبار مسؤولي هذه الشوری المثیرة للجدل بأنها منذ تأسیسها وإلی الیوم  لم تحقق شیئاً في مجال ترسیخ قواعد الصلح في البلد. وعلاوة علی ذلڬ، فإن هذه الشوری مهدرة للإمکانیات ومضيّعة للفرص.

ومن جانب آخر، أعلنت الدول المانحة التي تمنح المساعدات إلی هذه الشوری عن امتناعها عن إکمال میزانیة الشوری. وقد حصل مجلس “شوری الصلح” الذي أسسه حامد کرزی بمساعدة من أمریکا جراء طموحات کرزی الکبیرة، حصل علی میزانیة ضخمة من الدول الغربیة. وهذه المیزانیة کان یتسلمها الشوری بحریة کاملة ودون مراقبة من الجهات المالیة الحکومیة. ووفقاً إلى بعض التقاریر فإن الرواتب التي یتسلمها موظفوها تبلغ إلی ۵۳۰ ألف دولار. والراتب الأکبر کان یبلغ ۲۰ ألف دولار.  إلی جانب ذلڬ فإن هنالڬ مصارف أخری للشوری لم یتم تسجيلها.

وقد الشوری میزانیة ضخمة في إجراء الحوار مع المخالفین ولم یحقق شیئاً في هذا المجال غير صرف المیزانیة. وقد سلّم الشوری خلال تطبیق هذا البرنامج مبالغ ضخمة إلی فئات كانت تعرّف نفسها على أنها منفصلة عن الإمارة الإسلامیة. وحتی الآن لم تستطع الحكومة التثبت إن كان هؤلاء من المخالفین أم من البطالین الذین عرّفوا أنفسهم بأنهم انفصلوا عن الإمارة الإسلامیة -کذباً وزوراً- للحصول علی المال. وهنالڬ بعض المعلومات تسربت تشير إلى أن هؤلاء المنضمین إلی عملیة الصلح لم یکونوا من المخالفین بل هم من أقوام مسؤولي الشوری، وقد قاموا بهذا التمثیل لتقسیم میزانیة الشوری بینهم. وأعلنت الدول المشارکة لتأمین میزانیة الشوری عن امتناعها عن الاستمرار في مساعداتها لهذا الشوری الفاسد المنهزم. وکان من المتوقع من رجال حكومة کابل إقفاله؛ لأن الصلح لا یمکن تحقیقه بمثل هذه الشوری الفاسدة.

إن طریق تحقیق الصلح يكون عبر شروط أساسیة یسعى المجاهدون نحو تحقیقها. ورغم هذا، أعلن أشرف غني بأن حكومته ستبحث عن موارد أخری لتأمین میزانیة الشوری، وإن لم تجد موارد خارجیة أخری لتأمینها فإنها ستقوم بهذا العمل.

إن هذا الکلام یصدر عن غني في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة اقتصادیة وسیاسیة عصیبة جداً. فلا يخفى على أحد أن الحكومة تتأخر في تأدیة رواتب موظفیها. حتی إن بعض رجال الشرطة ترکوا وظیفتهم بسبب هذا التأخیر. وزاد الطین بلة، وجود عدد کبیر من العاطلين عن العمل أساساً.

ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً فسنجد أن “کرزی” أسس هذا الشوری لیعطي بعض الرجال ذوي النفوذ امتیازاً لیسکتوا. خاصة بعض الشخصيات الجهادیة السابقة. لیُري القادة المجاهدین أن جمیع تصرفاته سوف تصدر تحت رعایتهم. وواصل أشرف غني سیاسة سلفه. وغني یعرف جیداً أن شوری الصلح لا یجدي شیئاً سوى إسکات المنتقدین والمخالفین. والهدف من ذلڬ کله تطبیق جمیع البرامج والمخططات الاحتلالية والعلمانیة. ومن وجهة نظر أخری، أسس المحتلون شوری الصلح لیجعلوه شبکة تصطاد رجال الإمارة الإسلامیة بإعطائهم الأموال الضخمة. ولکن الله أفشلهم وجعلهم یعترفون الیوم بخسارتهم وخيبتهم.

إن جل ما قام به رجال مجلس الشوری المذکور هو إنفاق المیزانیة في غیر محلها، وإجراء مفاوضات مع رجال لا یمثلون الإمارة الإسلامیة. وقد أعلن قادة الإمارة الإسلامیة قبل ذلڬ طرق الحصول علی الصلح؛ وهي خروج جمیع القوی الخارجیة أولاً، وتطبیق الشریعة الإسلامیة بشكل كامل، والتمکین من سیادة الشعب الأفغاني. هذه شروط أصيلة، لا تحتاج في تطبیقها إلی شوری وإلی مؤتمرات وصرف میزانیات ضخمة. وقد أعلنا قبل سنوات عن عدم جدوی الشوری المذکور، والیوم تفطّن رجال حكومة کابل إلى عدم جدواها. ولکننا نتأسف علی رئیس إدارة کابل بأنه یعِد موظفي شوری الصلح بتأمین میزانیة الشوری.

إن تشکیل الشوری والمنظمات لإقرار الصلح من دأب المحتلین. ففي کل بلد یحتلونها یستخدمون بعض العملاء للسعي وراء سراب الصلح؛ إغواءً للشعوب. ولكنهم في الحقیقة لا یریدون الصلح، فطرق وأسباب الصلح محددة ومعلومة، لكنهم لا يسلکونها.