عمالقة القتال وعمالقة الإدارة والاقتصاد

عمادالدين الزرنجي

 

منذ الاحتلال السوفييتي حتى نهاية الاحتلال الأمريكي كان العالم يسمع أخبارًا مؤلمة وموجعة عن أفغانستان. أخبار كانت تحكي للعالم جوانب من معاناة الشعب الأفغاني المظلوم من تبعات الاحتلال من دمار وقتل وفساد.

كانت نتيجة ذلك خسائر مادية ومعنوية لايمكن تعويضها في المستقبل القريب؛ ذلك لأن الخسائر متجذرة في أحشاء المجتمع الأفغاني، والتعافي منها يحتاج إلى سعة من المال والزمان وقدر كبير من التخطيط والصبر.

الإمارة الإسلامية منذ عودتها إلى الحكم، اتّخذتْ قرارًا جادًا للحدّ من الخسائر والأضرار التي خلفتها الديموقراطية الغربية التعيسة في البلاد؛ منها مشكلة الفساد التي عانى منها المجتمع الأفغاني خلال السنوات العشرين المنصرمة. ومن المعلوم أن الفساد وتوسيع نطاقه على صعيد الحكم والمجتمع كان مشروعًا خبيثًا طبقه المحتلون في أفغانستان ضمانًا لبقائهم فيها.

وقد بلغ الفساد قمّته إبان رئاسة كرزي حيث سقطت أفغانستان إلى مكانة أفسد دولة في العالم. لذلك مباشرة بعد الفتح شمّرت الإمارة الإسلامية عن ساعد الجد في مكافحة الفساد الذي زرعته أيدي المحتلين وفي إزالة الآثار السلبية للحضارة الغربية من المجتمع الأفغاني.

لاشك أن الحرب على الفساد كانت من أصعب الأعمال التي قامت بها الإمارة الإسلامية خلال السنة والنصف الماضية؛ ذلك لأن الفساد تجذّر وتغلغل، في السنوات العشرين المنصرمة، في جميع الإدارات، إلى درجة كان يصعب معها تجنّبه حتى في الموظفين الذين يؤمنون بمبادئ حب الإسلام والوطن، لكن التربية المادية للجيل الجديد والنظام السائد آنذاك على الإدارات كانت تجبر الموظف على خوض ميدان الفساد. وهذا مما صعّب عملية مكافحة الفساد.

من جانب آخر، كانت القيود الخارجية التي فرضت -ظلماً- على الإمارة الإسلامية سببا آخر في عرقلة مكافحة الفساد. ولكن، وعلى الرغم من جميع القيود التي فرضتها الدول الغربية على الاقتصاد الأفغاني خلال السنة والنصف المنصرمة، فإن هناك مؤشرات واضحة وباعثة على التفاؤل في أن الاقتصاد الأفغاني آخذ في النمو ويشق طريقه نحو الكفاءة والاستقلال. واحدة منها؛ خروج أفغانستان من قائمة الدول الأكثر فسادًا، وأيضًا لحاقها بالدول العشر التي تمتلك أفضل العملات في العالم حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية وتقرير بولمبورغ.

لاشك أنّ تحقيق هذا النّجاح الباهر رغم جميع الموانع والعراقيل مكسبة كبيرة تجعلنا نتطلع لمستقبل واعد لأفغانستان ذات كفاءة سياسية واقتصادية. تبرز أهمية هذا النجاح من عدة نواحي:

1 – أن الإمارة الإسلامية تسلّمت من النظام السابق اقتصادًا فاشلًا لم يبقَ منه شيء إلا الديون الضخمة.

2 – الجهود الجبارة التي بذلتها الكوادر الاقتصادية للإمارة مكّنتها من السيطرة على الأوضاع الاقتصادية. واليوم بفضل هذه الجهود المباركة نرى أنّ الاقتصاد الأفغاني وجد طريقه للتعافي شيئاً فشيئاً.

3 – ضعف البنية التحتية للاقتصاد الأفغاني. فمن المسلّمات أن المحتلين الغربيين حاربوا بكل قدرتهم استقلال البلد اقتصادياً وجعلوه محتاجاً أبداً للمساعدات الاقتصادية الغربية. كما لم تقم آنذاك الدولة العميلة بإقامة مشاريع اقتصادية تقود البلاد نحو الكفاءة الاقتصادية.

إن خروج أفغانستان من قائمة الدول الفاسدة ولحاقها بالدول العشر التي تمتلك أفضل العملات، في الحين الذي تمر فيه دول جوار بأسوأ وأصعب مراحلها؛ له أثر كبير على مستقبل أفغانستان الاقتصادي؛ لأنه أحد علامات الصعود الاقتصادي، الأمر الذي يمهد الأرضية لجذب التجار والمستثمرين.

هنالك آلاف من المستثمرين الأفغان داخل البلاد وخارجها يرغبون في الاستثمار في أفغانستان، لكن الدعايات الإعلامية منعتهم من الإقدام. وبمثل هذه النّجاحات يمكن جذبهم وترغيبهم في الاستثمار.

لاشك أن إعلان الخبرين السابقين أثر على الشعب الأفغاني إيجابيًا، وجعلهم يأملون بمستقبل زاهر.

الجدير بالذكر، أن مسؤولي وزارة المالية راهنوا على أن المنظمات الدولية لو حضرت إلى البلد وفحصت الملفات المالية عن قرب لتكشّفت لهم نجاحات اقتصادية باهرة أخرى.

نرجو أن نرى أفغانستان يوماً مزدهرة مستقلة باقتصادها.