قادة واشنطن يسعون لفرض نظريتهم بقوة السلاح علی الشعب الأفغاني المنکوب

شهاب الدين غزنوي

يريد قادة واشنطن من محاولاتهم الإجرامية وارسال المزيد من القوات الإضافية والزيادة في المصاريف العسكرية في أفغانستان فرض نظامهم العميل الفاشل ونظريتهم المنهارة علی الشعب الأفغاني المنكوب بمزيد من القوة، وإخضاعه لسيادة عملائهم المتشردين، وإجباره لقبول قوانينهم المستبدة…

والدليل علی ذلك قرار قادة واشنطن بإرسال مزيد من القوات الإضافية إلی هذا البلد، والزيادة في مصاريفها العسكرية.

فقد أوردت جريدة تورنتوسن مقالا تحت عنوان (استعدت أميركا لتضخم ميزانية الحرب في العراق وأفغانستان) وقالت فيه :

(يجب علی الجيش الأمريكي أن يتخذ الخطوات الجادة لمقاومة الإرهابيين –حسب زعمه- في العالم الإسلامي).

من ناحية أخرى صرح وزير الدفاع الأمريكي رابرت جيتس بقوله (إن مصير أميركا متعلق باستمرار الحرب ضد الإرهاب وكبح مقاومته بشكل نهائي).

فمن جهة واحدة يصر وزير الدفاع الأمريكي رابرت جيتس علی شدة الحرب ودوامها ومن جهة أخرى يحاول الرئيس الأمريكي أوباما أن يظهر للمسلمين غدرا ونفاقا أنه يريد الحوار مع العالم الإسلامي وتوطيد العلاقات معه..

ورغم هذا التناقض بين تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما ووزير دفاعه رابرت جيتس ووقوع كسر في ميزانية هذه الدولة الذي بلغ عام 2008م تريليون دولار وسيزيد هذا العام إلی 4% لأن حرب العراق وأفغانستان تحتاج في العام الحالي إلی مزيد 200 بليون دولار إضافي، ومع هذا فإن قادة واشنطن لا يزال يصرون علی دوام الحرب وشدتها.

نعم! إن البنتاجون يهتم الآن بحرب أفغانستان أكثرمن العراق ويسعی لتهيئة خمسين طائرة دون طيار لهذه الحرب، كما يسعی لاستخدام الأسلحة المتطورة بل وفي بعض الحالات الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا لقمع مقاومة مخالفيه.

ورغم كل هذه التجهيزات واستخدام الأسلحة الفتاكة فإن الجيش الأمريكي يواجه فشلا كاملا في مواجهة حملات المجاهدين.

فهذه الميزانيات الضخمة والمصاريف الباهظة تدل بأن أوباما يقصد اتخاذ استراتيجية طويلة المدی لحرب أفغانستان والعراق والصومال وبقية المناطق الغنية بالبترول أو الذخائر الطبيعية.

ورغم محاولات قادة واشنطن لتسخين الحرب وشدتها وقمع مقاومة المجاهدين في أفغانستان والعراق، فإن مناقشات حادة تدور بين الزعماء السياسيين والقادة العسكريين داخل أميركا، ويصرح القائد العسكري للقوات الجوية الأمريكية الجنرل موزلی:

(إن وقوع الجيش الأمريكي في خوض غمار الحرب في العالم الإسلامي سوف يؤدي إلی تضعيف الجيش وفقدان مقدرة الدفاع عن حدود أميركا، وعدم استطاعته منافسة الجيش الروسي والهندي والصيني في المنطقة).

و يضيف موزلي ويقول: (إن إستراتيجية أوباما بتمركزه علی الحرب في أفغانستان تعد خطأ فاحشا، لأنه بمتابعة هذه الاستراتيجية ودوام الحرب ستواجه أميركا أزمة اقتصادية تؤدي إلی هلاكها، وتضعفها عن مقاومة منافسيها في المنطقة مثل الروس والصين).

ومن جانب آخر أن أفغانستان اشتهرت بمقبرة المحتلين المتجاوزين علی مستوى العالم، لذا نری أن القوات الأمريكية وقوات الدول الأعضاء في حلف الشمال الأطلسي “ناتو” ستواجه القلق والياس والخوف، وليس من المستبعد أن تواكب مصير القوات البريطانية والروسية، وقد زاد الخوف والذعر أوساط تلك القوات حين أخذت عمليات النصر في التصاعد بشكل لافت.

ولاشك أن وسائل الإعلام تعلب دورا رئيسيا في تغيير الوقائع والأحداث وقد أوردت مجلة (نيوزويك) في عددها الأخير مقالا اعتبرت أفغانستان فيتناما آخر لأوباما وذكرت بأن باعثها هو الحرب ضد الشعب الذي أجبر القوات المعتدية مرات عديدة إلی الاندحار والانسحاب.

وقال جوناثان مير رئيس المكتب لصحيفة (واشنطن تايمز) إن مقاتلي طالبان يستخدمون بزات الجنود الأمريكية مثبت عليها أجهزة أشبه بشارات عسكرية ترسل أشعة وموجات يسهل رصدها والتعرف عليها من باقي الجنود ومن قيادة القوات تظهر أن مرتديها من الأصدقاء وليسوا من الأعداء) وأضاف (إن أي عنصر من مقاتلي طالبان يرتدي مثل هذا الجهاز يستطيع اختراق أية قاعدة أو نقطة عسكرية بسهولة، وهو ما يضع جنود التحالف في خطر محدق).

وهكذا انتقدت الشخصية الشهيرة في الحزب الديمقراطي الأمريكي –كترينا ويندهيويل- عبر موقع مجلة نيشن الأمريكية سياسة أوباما بإرسال مزيد من القوات الإضافية إلی أفغانستان، وأضافت (قبل عقدين من الزمن واجه القوات السوفيتية في هذه المنطقة هزيمة مخزية وتضيف كترينا في مقالها وتقول : (إن دائرة توسيع الاحتلال سيولد العقبات الطاحنة وسوف يحرمنا عن المنابع الطبيعية داخل أميركا والتي نحن في أمس الحاجة إليها، إضافة إلی ذلك أن توسيع الاحتلال سيضخم الشقاق والاختلاف بيننا وبين حلف شمال الأطلسي “ناتو” وإرسال القوات الإضافية لا تحقق أمننا ولا أمن الأفغان، بل سيسبب في كثرة ضحايا المدنيين الأبرياء)

والذي يستغرب منه الإنسان أن أوباما من ناحية يؤكد علی المفاوضات وحل الأزمة عن طريق المذاكرات ومن ناحية أخری يصر علی إرسال مزيد من القوات و اشتداد المعركة وتعذيب المعتقلين الأبرياء وإهانتهم، وقد اتخذ لتحقيق هذا الغرض المشئوم تعيين الجنرل استنلي مك كريستان القائد العام للقوات الأجنبية في أفغانستان ، والشخص المذكور اشتهر بسوء المعاملة مع المعتقلين في العراق ، حتی إن بعض الجنود الأمريكيين الذين كانوا مع مك كريستان يشتكون عن سوء معاملته، وقد قدم الجنود أفلام التعذيب وسوء المعاملة مع الجنود إلی وزارة الدفاع الأمريكية بنتاجون، ويشاهد في الفلم المذكور أن كريستان يقوم بضرب الجنود وتعذيبهم وتنكيلهم.

وهكذا أوردت جريدة لاس نجلس تايمز الأمريكية في الأونة الأخيرة مقالا صرحت فيه بأن إرسال مزيد من القوات الإضافية إلی أفغانستان سيعقد الأوضاع وبالتالي سيؤدي هذا الأمر إلی تضخيم خسائر تلك القوات بشكل لافت.

وذكرت جريدة واشنطن بوست في عددها الأخير بأن إستراتيجية أوباما وإن كانت مبنية علی إرسال مزيد من القوات الإضافية إلی أفغانستان والإكثار من اندلاع الحروب الدامية فإنها كذلك ستسبب في زيادة خسائر القوات الأمريكية المتمركزة هناك، وإن توسيع تدخل أميركا السياسي والعسكري في أفغانستان أدت إلی الزيادة في هجمات المجاهدين ضد تلك القوات، وأضافت الجريدة:

(من المتوقع أن يقوم المجاهدون بتصاعد هجماتهم بشكل ملموس في شهر أغسطس القادم وذلك حين إجراء الانتخابات الرئاسية).

ورغم هذه التناقضات في سياسة واشنطن وعلی الخصوص رئيسها باراك أوباما وإستراتيجيته المتناقضة ما الأهداف التي يريد تحقيقها قادة واشنطن من الحرب الدامية في أفغانستان المسلمة؟

إن أهداف قادة واشنطن من الحرب المدمرة في أفغانستان واضحة ومبينة، وقد اتضحت ذلك من تقرير وزير الدفاع الأمريكي السابق (رمز فيلد) حين الهجوم الأمريكي الوحشي علی هذا البلد، وقد نوه في تقريره وقتذاك: (ولو لم تقع حادثة الحادي عشر من سبتمبر، واستعدت حركة طالبان الإسلامية لتسليم أسامة بن لادن إلی أميركا، فإن الحملة الأمريكية علی أفغانستان كانت قضية حتمية، لأنه قد تطورت هناك فكرة جديدة ونظرية إسلامية ليست في وسع أميركا تحملها).

فالهدف من الهجوم الأمريكي علی أفغانستان هو القضاء علی النظام الإسلامي الأصيل، وكبح الحماس الإسلامي، وقمع الثقافة الإسلامية الأصيلة المبنية علی النظرية الإسلامية المقدسة، وإزالة النظام السياسي والاجتماعي المنبثق من القرآن والسنة، لأن قيام النظام الإسلامي الأصيل في أرض أفغانستان الإسلامية يعتبره الغرب المنافس الأساسي الوحيد لفلسفته المنهارة وإيديالوجيته الباطلة، فلم يكن في وسع الغرب وعلی الخصوص أميركا تحمل هذا النظام، ولأجل هذا قامت بالهجوم الوحشي علی أفغانستان المسلمة لإزالة هذا النظام والإتيان بنظام غربي بديل عنه يبيح كل ما حرمه الإسلام.

والكل يعلم بأن النظام الشيوعي الظالم لم يستطع القضاء علی الفكرة الإسلامية في أفغانستان فكيف بالنظام الرأسمالي الغربي؟ بل إن اعترافات قادة الغرب الآنفة الذكر لخير شاهد علی ذلك، فمع هذه الاعترافات بعدم تحقيق النصر وعدم إحراز الانجازات فإن إصرار قادة واشنطن بضخ مزيد من القوات إلی هذا البلد واستخدام أحدث أنواع الأسلحة ضد شعبه مبني علی أنهم إن لم يستطيعوا السيطرة الكاملة من الناحية العسكرية علی هذا البلد فعلی الأقل أن يقضوا علی فكرتهم الدينية ونظريتهم الإسلامية وثقافتهم الأصيلة، وأن يتمكنوا خلال حربهم الوحشي ترويج الأفكار الغربية المنحرفة مكانها، فهم يسعون لتحقيق هذه الأهداف وترسيخها أوساط الشعب الأفغاني، ولتحقيق هذه المقاصد يقومون بتأسيس المطارات الكبيرة وإنشاء القواعد العسكرية المستحكمة وبناء السجون المظلمة كي يتمكنوا من خلالها الوصول إلی مراميهم.

والجدير بالذكر أن مقاومة هذه الأفكار وشل الأهداف تتطلب منا الوقفة الجادة ضدها،واستمرارالجهاد ضد المعتدين والإصرارعلى وحدة الصف والكلمة في مواجهة الأعداء وترك الأنانية والنظريات السديدة والنية الخالصة، والعمل الصالح، فإن لم نقم بتطبيق هذه الآراء فسنواجه فشلا عظيما في الوصول إلی أهدافنا وسنفشل في بناء النظام الإسلامي الأصيل كما فشلنا إثر سقوط النظام الشيوعي في التسعينات من القرن الماضي.