قاعدة باغرام؛ أيقونة النصر

محمد أمين رباني

 

في تاريخ ٢/٧/٢٠٢١م، غادرت القوات الأجنبية بقيادة أمريكا، أكبر قاعدة لها في أفغانستان وهي قاعدة باغرام، الواقعة في ولاية بروان. والعجيب أن المحتلين تركوا هذه القاعدة الاستراتيجية ليلا دون إشعار قادة كابل. وقد أخبرت الإدارة بعد ساعتين، عندما دخل عامة الناس في القاعدة، وربما نقلوا بعض الأشياء إلى الخارج.

بنيت قاعدة باغرام في عهد ظاهرشاه، ثم استغلت من جانب المحتلين السوفييت لتنفيذ عمليات عسكرية جوية ضد المجاهدين في تسعينات القرن الماضي، ثم في عام ٢٠٠١ اختارها الأمريكيون محلا لتخطيط وتنفيذ الحرب ضد المجاهدين. فكانت جميع الهجمات الجوية تخطط فيها وتنفذ من المطار الموجود فيها.

تحتوي باغرام على سجن كبير بناه الحلف الاطلسي، واعتقل فيه آلاف من المجاهدين والشعب الأفغاني الأعزل، حرموا في من حقوقهم ومن أبسط الحاجات البدائية.

إن هذه القاعدة الاستراتيجية، هي رمز للفظاعات والجنايات التي ارتكبتها القوات الأجنبية على مدى السنوات العشرين الماضية في أفغانستان. وفي معتقل هذه القاعدة عذب وقتل كثير من مواطنينا الأبرياء.

وقد ارتكب الأمريكيون في هذه القاعدة أبشع الجرائم وأقبحها، ولم يسمحوا للأنظمة الحقوقية بالمراقبة ومعاقبة المتورطين في تعذيب المسجونين الأبرياء. حتى أن بعض المنظمات الحقوقية أرادت التحقيق في ملف جرائم أمريكا في أفغانستان لكن الأمريكيون هددوا أصحابها بالمقاطعة.

إن الأوضاع المأساوية لمعتقل باغرام، ومبادرة المحتلين على اعتقال الشباب الأبرياء فيه، ودور هذا الأمر في تقريب الشعب إلى الإمارة الإسلامية، جعل حامد كرزاي -آنذاك- يعترض على ذلك. حيث قال مرة: على أساس المعلومات الموجودة لدي، فإن قاعدة باغرام مكان لتربية طالبان؛ لأنهم (أي الأمريكيون) يعتقلون الأبرياء من الشعب ثم بالتعذيب والتنكيل والإهانة ينفرونهم من وطنهم ومن دولتهم. إن معتقل باغرام، مكان يسجن فيه الأبرياء ثم يدفعهم نحو القتال.

وقال كرزاي في مكان أخر: في عام ٢٠٠٨ عندما سافر وفد من مجلس الشيوخ الأمريكي إلى أفغانستان، خاطبني أحد أعضاء الوفد قائلا: إننا إن حصلنا على شك بسيط على أحد، سوف نعتقله. فقلت ردا عليه: لقد سلك هذا المسلك قبلكم السوفييت، لكنهم واجهوا مقاومة شعبنا. فقال ذاك النائب: لا يمكن تكرار ذلك، لأننا سنبني سجونا أكثر وسنعتقل عددا كبيرا من شعبكم. فقلت: لن أسمح بذلك. خاطبني الرجل: إنك رجل واحد ولن تقدر على منعنا.

إن هذا الحوار الذي جرى بين الرئيس السابق لإدارة كابل وأحد نواب مجلس الشيوخ الأمريكي، حافل بالغرور والتكبر. لكن الله فضحهم وأذاقهم الهزيمة حيث غادروا قاعدة باغرام ليلا دون حتى إشعار قادة كابل، وعلى عجلة كبيرة.

هذه هي المرة الثانية خلال ثلاثين سنة، تشهد فيها قاعدة باغرام هزيمة أمبراطوريتين؛ امبراطورية السوفييت وامبراطورية الأمريكان.

كان لمغادرة قاعدة باغرام من جهة المحتلين صدى كبير في المحافل الدولية والسياسية، حيث كان على رأس أخبار وسائل الإعلام العالمية. وقد عبر عنها بالهزيمة الكبرى لأمريكا وأذنابها في أفغانستان والنصر للشعب الأفغاني المسلم الذي بذل جميع ما في وسعه للدفاع عن حرية واستقلال وطنه.

إن الشعب الأفغاني أثبت للمرة الثالثة أنه بالجهاد الصادق الجاد يمكن هزيمة أعتى قوات العالم وإرغامها على مغادرة البلاد المحتلة. وإن قاعدة باغرام ستظل رمزا لهزيمة المحتلين، ورمزا لنصر الشعوب المظلومة التي لا تملك العتاد العسكري، لكنها بإيمانها الواثق بنصر الله هزمت المحتلين بإذن الله. لابد من الحفاظ على قاعدة باغرام، أيقونة النصر، ولابد من تخليد ذكرها في أذهان الأجيال القادمة إن شاء الله.