قتال دفعٍ ضد المحتلّين وليس اقتتالا بين المسلمين

أبو سيف

 

انعقد يوم الثلاثاء 26 شوال 1439 في مدينة جدة مؤتمرٌ تحت عنوان: “المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلام والاستقرار في جمهورية أفغانستان”، بمشاركة علماء من دول أفغانستان، والسعودية، وباكستان، وإندونيسيا، ومصر، والسودان، والمغرب، وغيرها، انعقد هذا المؤتمر الذي سينتقل غداً إلى مكة المكرمة برعاية خالد الفيصل، مستشار الملك سلمان، وأمير منطقة مكّة المكرمة.

وأعرب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، عن أمله في أن يسفر المؤتمر الدولي لعلماء المسلمين حول السلم والاستقرار في أفغانستان، والذي تستضيفه المملكة ويستمرّ يومين، عن نتائج تؤدّي إلى تسهيل عملية المصالحة الوطنية في أفغانستان، وإيقاف جميع أعمال الإرهاب والتطرف العنيف التي تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي!

وأكد العثيمين أن المؤتمر الدولي حول أفغانستان يأتي تنفيذا لرغبة مؤتمر القمة الإسلامي، ومجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، بهدف دحض التأويلات الخاطئة لتعاليم الدين الإسلامي من قبل الجماعات الإرهابية، ونزع الشرعية عن أفعالها ودعايتها في ضوء تعاليم الدين الإسلامي الحقة، وإيجاد بيئة مواتية للمصالحة السلمية.

وقال الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس: إن استضافة المملكة للمؤتمر هو تأكيد على دورها الريادي في إحلال السلام والأمن في العالم عموما وفي الجمهورية الأفغانية على وجه الخصوص.

وأضاف: (إن لجمهورية أفغانستان وشعبها مكانة عظيمة في قلوبنا، وقد جاءت الدعوة للمؤتمر حرصا من المملكة على حقن دماء المسلمين، وجهودها في المصالحة الأفغانية نابع من الاهتمام الكبير الذي توليه حكومة الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- لكافة الشؤون والقضايا الإسلامية في شتى أنحاء العالم).

مؤتمر جدة هو الثالث من نوعه ينعقد خلال هذه السنة من مؤتمرات يحضرها علماء، ويخرجون منها ببيانات مشبوهة يدينون فيها الجهاد الجاري في أفغانستان ضد الاحتلال الأمريكي، ولقد سبقتِ المؤتمر المذكور في جدة تحركات أخرى للمملكة بشأن ما يجري في أفغانستان منذ عقود، وآخرها في مارس الماضي، حينما رأس وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية والاقتصادية السفير عادل مرداد وفد المملكة في مؤتمر طشقند الدولي حول أفغانستان تحت عنوان «عملية السلم والتعاون في مجال الأمن والتعاون الإقليمي»، والذي عقد في أوزباكستان.

وشدد مرداد على أن تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان يستوجب انخراط حركة طالبان في عملية مصالحة وطنية بعد فكّ ارتباطها بالجماعات الإرهابية ونبذ العنف على زعمها، وأن تضمّ الحكومة الأفغانية كافة أطياف الشعب الأفغاني احتراما لإرادته، مشددا على أهمية احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية الأفغانية، وحث كافة الأطراف الفاعلة في الشأن الأفغاني، بما فيها دول الجوار، على المشاركة الإيجابية!

 

لا شك أنّ اهتمام علماء الدين في سائر البلاد الإسلامية بما يجري في أفغانستان، ومساعيهم في تثبيت الأمن وإحلال السلام في هذا البلد خطوة جديرة بالإشادة والشكر، لكن الفكرة التي طرحت اليوم في مؤتمر جدة، والتي طرحت قبله في مؤتمرات مماثلة هي فكرة لا تتفق مع الواقع الذي يجري في أفغانستان، بل كلّ فكرة تركّز على أنّ ما يجري في أفغانستان هي اقتتال بين جماعتين مسلمتين أو جماعة باغية وحكومة مشروعة هي فكرة تغاير الواقع الموجود في هذا البلد المسلم.

فإذا كان الاقتتال في أفغانستان بين طائفتين مسلمتين كما تطرح في هذه المؤتمرات، فماذا يفعل جنود الأمريكان فيها؟ وإذا كان الاقتتال بين حركة طالبان وأطراف أفغانية كما تطرح في هذه المؤتمرات، فكيف يبررون الوجود العسكري الأمريكي المكثّف وقواعدهم وثكناتهم العسكرية؟ ولماذا يشاهد المواطن الأفغاني مروحيات الأمريكيين، وطائراتهم العسكرية، وطائراتهم المسيرة تحلق فوق رؤوسهم يوميّا؟

وإذا كان اقتتالا بين الأفغان كما يقولون، فلماذا أنفقت الولايات المتحدة فيها نصف تريليون دولار أمريكي! ولماذا قُتل وجرح فيها آلاف الجنود الأمريكيين حتى الآن، ولماذا يستعدون أن يقتل ويجرح منهم عشرات الألاف في قادم الأيام؟

الحقيقة أن ما يجري في أفغانستان ليس اقتتالا بين المسلمين، أو اقتتالا بين أبناء الوطن الواحد، كما تطرح في هذه المؤتمرات ويشاع في بياناتها وفي وسائل الإعلام، بل إنّ ما يجري في أفغانستان من حرب انطلقت قبل سبعة عشر عاما جهادُ دفعٍ ضدّ المحتلين، وقتال ضدّهم دون غيرهم بعدما احتلّوا هذا البلد المسلم.

منذ الحين الذي احتلّ فيه الأمريكيون أفغانستان تولوا مسؤولية تخطيط هذا الاحتلال، وتمويله، وتدبيره، واتخاذ كافة الاستراتيجيات له ودعمه الإعلامي والسياسي، وليس حلفاء الاحتلال في أفغانستان إلّا مثل حلفاء الشيوعيين الأفغان إبّان الاحتلال السوفياتي، فكما أن وجودهم مع المحتلين لم يؤثّر على الجهاد الأفغاني ضد الروس آنذاك، فكذلك وجود هؤلاء لن يؤثّر على مشروعية النضال المستمر وماهية القتال الذي هو موجّه في الأصل ضد الإمريكيين، لأنّهم ليسوا أناساً مستقلين في رغباتهم وإراداتهم، وإنما فرضهم الاحتلال على الشعب الأفغاني، وليس لهم همّ إلا تطبيق استراتيجية أسيادهم فحسب، ونصوص الشريعة صريحة في أنّ من وقف في صف الكفار ووالاهم ضد المسلمين فإن القتال معه جهاد مقدس، وعلماء الشريعة الذين حضروا مؤتمر جدّة أعلم بهذه النصوص الشرعية الواجبة، لذلك يرجى منهم أن يقفوا مع المقاومة المشروعة وقتال الدفاع ضد المحتلين الأمريكان، ويرجى منهم أن يعلنوا دعمهم للجهاد الأفغاني ضد الأمريكان كما أعلنوا ضد الشيوعيين سابقا، لا أن يحضروا مؤتمرات تعقد لأجل إكساب  ثوب المشروعية للاحتلال الأمركي، وليعلموا أن الشعب الذي انتصر على الشيوعيين، وأحبط مؤامراتهم، لهو قادر بإذن الله وبسواعد أبطاله أن يهزم المحتلين الجدد بقيادة أمريكا ويذلّهم، وأن مؤامراتهم ومؤتمراتهم لن تؤثر مثقال ذرة على هذه المقاومة المشروعة، إن شاء الله تعالى.