كيف تخفي الولايات المتحدة خسائرها ولماذا؟

سيف الله الهروي

 

مَن درس الحروب التي أشعلها الأمريكان في أنحاء العالم أخيرا، سيجدهم يتجنبون دائما إعلان خسائرهم المالية والروحية في البلدان التي يحتلّونها ويقاتلون فيها.

لقد أكد مراقبون كثيرون أنّ القوات الأمريكية تتعمد إخفاء خسائرها، وأشاروا إلى تناقض الخسائر المعلنة مع عدد الهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية يوميا أثناء أحتلالهم لبعض البلاد.

يحاول الأمريكان دائما أن يظهروا أنفسهم في موقف المنتصر، ويقولوا للعالم أنهم قوة لا يمكن قهرها ولا إيقاع الخسارة بها، لا في الأموال ولا في الأرواح، ويحاولون دائما أن يرفعوا معنويات جنودهم في الحروب ومعنويات شعبهم في البيوت، لذلك فهم يرون أن مصلحتهم في أن يخفوا خسائرهم عن جنودهم وشعبهم.

يستخدم الأمريكان لإخفاء خسائرهم طرقاً وأساليب عديدة، أبرزها: استخدام جنود يحملون البطاقة الخضراء (غرين كارد)، وإعماء الرأي العام، والتحكم في الإعلام العالمي بالترغيب والترهيب.

استخدام جنود لا يحملون جوازات سفر أمريكية وإنما يقيمون في البلاد بموجب الـ “جرين كارد” يُسهّل على الإدارة الأميركية إخفاء خسائر جيشها، ویلجأ الأمريكيون إلى هذا الأسلوب كثيراً.

لقد دأب الإعلام الحربي الأميركي، كتقليد، منذ حرب فيتنام، على التقليل من حجم الخسائر الحقيقية، أو إخفائها وذلك لاعتبارات تخص طبيعة الرأي العام الأميركي، وشدة تأثيره على عملية صنع القرار السياسي وآليات تمويل الحروب التي عادة ما يتحمل وزرها دافع الضرائب الأميركي، إضافة إلى تأثير ذلك على معنويات الجنود في الميدان.

ففي الفترة من 1965-1968 كان الجيش الأميركي يعلن عن خسائره في فيتنام ببضعة آلاف من الجنود، وما لبث أن تسربت الأرقام الحقيقية التي وصلت إلى أكثر من ثلاثين ألف قتيل وسرعان ما أطاحت هذه الخسائر بالرئيس الأميركي آنذاك جونسون.

 

وهكذا في أفغانستان تحاول إدارة الاحتلال دائما التقليل من شأن المقاومة المسلحة لمقاتلي الإمارة، والتعتيم على حجم خسائر قواتها، حيث بذلت الإدارة الأميركية جهودا جبارة في إخفاء وتزوير المعلومات التي اعتبرتها سلاحا في المعركة بغرض إعماء الرأي العام الأميركي، فتعاملت مع مستويين من المعلومات، الأول يمكن الوصول إليه ويتعلق بالأرقام الرسمية المعلنة والمتيسرة على المواقع الرسمية، والمستوى الثاني المحجوب ولا يمكن الوصول إليه إلا عبر قانون خاص، لأنه يتضمن الخسائر الحقيقية البشرية والمادية، وإعلانها ينطوي على مخاطر سياسية واقتصادية شديدة.

إضافة إلى كلّ هذا سعت الإدارة الأميركية دائما للتحكم في الرأي العام بالسيطرة والتوجيه لأسطول الإعلام العالمي الذي تتحكم فيه.

لا شكّ أن الأساليب التي يتخذها الأمريكيون لإخفاء خسائرهم، والطرق التي يلجأون إليها لإعماء الرأي العامّ أنشأ نوعاً من اليقين الكاذب لدى الرأي العالمي العامّ بأن خسائرهم قليلة وأنهم بخير وأمن، وأنّ جنودهم المقاتلين مسيطرين على الأوضاع، بينما الأمر ليس كذلك لمن طلب الحقائق من مصادرها الموثوقة.

 

سعتْ أخيراً لجان أوروبية وشرقية مستقلة لكشف الحقائق العميقة للخسائر الإميريكية بعيداً عن سياسة التعتيم والتضليل التي انتهجها البنتاغون سواء في العراق أو في أفغانستان، إلا أن هذه المحاولات كانت فاشلة ولم تأت بجديد، ولم تستطع أن تعرض الحقيقة عن الخسائر الكبيرة التي تواجهها القوات الأمريكية! لأنها لم تعتمد في تقاريرها على المصادر الموثوقة.

إذن فما السبيل لمعرفة الخسائر الحقيقية لقوات الاحتلال في أفغانستان؟

تعدّ الوكالات الإخبارية للإمارة الإسلامية في أفغانستان، وتقاريرها عن حجم خسائر الاحتلال هي المصدر الموثوق الوحيد الذي بإمكانه أن يوفّر لطالب الحقيقة الأرقام الأصلية من خسائر الاحتلال في أفغانستان.

فمثلا في شهر محرم -أول شهور هذه السنة- أعلنت الإمارة إعطاب مائتين وإثنين وستين آلية من آليات الاحتلال المدمرة، ومقتل ٤٦ وجرح ١٧جنديا من القوات الأمريكية، بينما لم يذكر شيء من ذلك في الإعلام الأمريكي ولا في الإعلام العالمي الذي يسيطر عليه الأمريكان.

والحقيقة أن خسائر القوّات الأمريكية جسيمة، وأنهم يألمون كثيرا بخسائرهم في الأرواح والأموال والآليات. وهي خسائر تتراكم وتتزايد وتتصاعد حتى تؤدي بإذن الله تعالى في نهاية المطاف إلى انهيار ثاني قوة استكبارية في العالم في أفغانستان، كما أدت سابقا إلى انهيار الاتحاد السوفياتي.