كيف نعيد مجدنا؟

ابومحمد

إن الحياة مجموعة من التجارب، يتعلم منها الإنسان خلال التقلب فيها حِكما كثيرة وفوائد جمة، وهذا ما لا ينكره العقل ولا ترفضه الفطرة، وقد أثبتت التجارب مرارا وتكرارا بأن الحركة فيها البركة، وأن الناس يلبون داعي الفعل لا داعي القول؛ إذ الفعل له ربط وثيق بالواقع وتعلق لصيق بالحقيقة، وبالعكس القول المجرد أبعد ما يكون عن الواقع، وأقرب ما يكون إلى الخيال والافتراضات وديننا الحنيف نظام واقعي يلبي جميع متطلبات الفطرة السليمة، يرشد إلى ما فيه خير البشرية وسعادة الإنسانية، ومن ركائز الإسلام  المهمة التركيز على العمل والفعل، والمنع من القول المجرد الفارغ عن الحقيقة المخالف للواقع، حيث يوبخ عز وجل المسلمين الغافلين بأسلوب الاستفهام التوبيخي قائلا: ” يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ـ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون “[1]

وأي أمة اهتمت بالقول غير المصحوب بالعمل لا محالة تجر إلى نفسها الذل والهوان، وأما الأمة الفعالة التي تعمل للوصول إلى أهدافها ليلا ونهارا لا شك في أنها قدوة ومتبوعة وسيدة لغيرها، وهذا ما نحسه واقعا ونشاهده فعلا؛ حيث كانت أمتنا الإسلامية سيدة وصاحبة

عز وكرامة حينما كانت فعالة تعمل وتهتم بالعمل والفعل، ولكن لما بدأت تركن إلى الكسل والقول وترك الفعل ونبذ العمل بدأ يتسرب إليها الذل والهوان والخسران إلى أن شمل جسدها كله، وبالعكس لا بد من التسليم ـ وإن كان مرا ـ بأن العدو اللدود لما بدأ بالفعل والعمل ـ وما زال يبذل في سبيل ذلك كل ما يملك من الرخيص والنفيس ـ أصبح زمام الأمور بأيديه يتحكم في الناس كما يريد.

ومن المؤسف جدا أن كثيرا من  المسلمين بشكل عام وحكامهم الغافلين بشكل خاص لما تراجعوا عن العمل الجاد إلى القول الفارغ بدؤوا يجرون وراء العدو رغبة في الحصول على فتات من عرض الدنيا البسيط ناسين مجدهم التليد وعزهم العريق الذي كسبه أجدادهم وأسلافهم بدمائهم وأرواحهم، ولذلك هانوا على أنفسهم قبل أن يهانوا على الناس!

وتجدر الإشارة إلى أن الأمة فيها أفراد وجماعات ترغب في الفعل والعمل واثقين بأن ذلك هو الطريق الوحيد للوصول إلى العزة والكرامة، إلا أن الظروف لا تسعفهم؛ حيث العدو المكار يحول بدسائسه الخبيثة ووساوسه الشيطانية دون ذلك، وذلك خوفا من استيقاظ الأمة وتنبهها لهدفها، حيث استيقاظ الأمة تعني إبادة الكفر وأهله، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ولا التنكر لها، حيث فئة صغيرة ـ وهي عند الله عظيمة ـ لما بدأت بالعمل والفعل رأينا وشاهدنا أنهم غيروا مجرى التاريخ وعكسوا سياسة العالم على رغم منهم، ولذلك يسعى العدو دوما لصد فعاليات المجاهدين، وإيجاد العراقيل والعوائق دون وصولهم إلى الهدف باسم وآخر، والسبب هو أن الجهاد عمل واقعي وفعل مباشر لا يكتفى فيه بالقول فقط، ولذلك هو ذروة سنام الإسلام، ولذلك التخلف عنه سبب الذل والهوان.

وقد أدرك العدو هذه الحقيقة جيدا، الأمر الذي جعلهم يسعون دائما في تشويه صورة الجهاد والمجاهدين وتنفيرالناس عنهم، والهجوم عليهم بكل وسيلة ممكنة ـ ولو وقحة خبيثة مخالفة لجميع المعايير الإنسانية ـ  وفي جميع الميادين: العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية حتى الإغاثية!

ولأن العدو كان يحذر من عمل المسلمين وفعلهم هجموا على الإمارة الإسلامية لاهتمامها بالعمل والفعل أكثر من ا لقول، وكون أمل مسلمي العالم فيهم قويا، ولأجل فكرتهم الشاملة وعقيدتهم الراسخة، واليوم كذلك يركز العدو على ضرب المجاهدين في أفغانستان المتمثلين في الإمارة وقد كثفوا لذلك جميع فعالياتهم إذ هم يدركون جيدا بأن حرب أفغانستان هي أول وآخر حرب لهم.

والذي يؤسف المسلم المدرك لمسؤليته العارف بحال أمته أن كثيرا من علماء ومثقفي الأمة ـ ناهيك عن الحكام والعوام ـ مشتغلون بالقول المتمثل في المؤتمرات واللقاءات والحوارات والمحاولات السياسية الفارغة عن الحقيقة البعيد عن الواقع.

حقا لو كانت تلك المحاولات مصحوبة بشيء من الفعل والعمل لكان لها أثر بالغ وتأثير قوي في تحسين أحوال المسلمين وتخلصهم من الظلم والعدوان الذي لا مثيل له في التاريخ، ولكان لها دور بارز ومهم في تغيير كثير من سياسات الكثيرين، ولكن لفراغها عن الحقيقة وبعدها عن الواقع وتأسيسها على الافتراضات والحوارات ا لفارغة لم نجد ولا نجد ولن نجد لمثل هذه المساعي والمحاولات أي جدوى، تنفع الأمة أوتحافظ على هويتها وكيانها من الانهيار والبوار، أو على الأقل تخلصها من الطوام والكوارث التي تشهدها يوميا، ولذلك يحاول العدو في التشجيع على مثل هذه المؤتمرات والجلسات بل وهم الذين يبادرون إليها مرائين كأنهم لا يرغبون في الاصطدامات أبدا! كيف لا! وفي ذلك نفع يرجع إليهم وضرر يلحق بالمسلمين فالنفع أنهم يأمنون شر المسلمين ـ كما يزعمون ـ لانشغالهم بالقول الفارغ،  فيجدون الساحة فارغة للعمل والفعل فيفعلون ما يريدون ويعملون ما يشاؤون، والضرر الذي يلحق بالمسلمين هو أنهم بالقول يحسبون على الأقل أنهم قاموا بواجبهم أوقاموا بالجهاد اللساني حيث أنكروا المنكر ورفضوه ـ طبعا ـ قولا ـ  عاملين بحديث خير البرية صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ” (2) ناسين أو متجاهلين قوله سبحانه وتعالى: “… وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ” (3) وكذلك قوله سبحانه: ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ..” (4)

فالنتيجة من هذه الأسطر أنه ينبغي للمسلم الغيور على دينه المدرك لعظم المسؤولية ، المتنبه لخطورة شأن الأمر بل ويجب عليه البدء بالفعل والعمل بدلا من الانشغال وقتل الوقت الثمين بالقول المجرد الفارغ عن الحق والحقيقة، إذ القول بدون الفعل كبيرة من الكبار تجلب غضب الرب وتسبب مقته الذي هو سبب الفشل والخزي والتخلف عن التقدم وا لتطور في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.

ومن أهم ما يرشدنا إلى أن الإسلام لا يكتفي بالقول المجرد ولا يدعو إليه أبدا هو أن أوامر الشرع وأحكام الدين الحنيف كلها ـ بعد الشهادتين ـ أفعال وأعمال بدءً من الصلاة وانتهاء بالحج؛ حيث نجد أن العبادات هي أقوال وأفعال لا مجرد الأقوال، ولا مجرد الأفعال، فالجمع بين الاثنين هو سبب النجاة والفلاح.

واليوم الأمة الإسلامية بحاجة إلى أن يعمل كل فرد من أفراده رجالا ونساءا صغارا وكبارا، لأجل إعادة المجد والعز للأمة الذين غابا عنها وغابت عنهما ليس عقودا بل قرونا! وبالتالي أصبح كل منهما يتنكر للآخر، ولذلك الحاجة ماسة إلى الزعماء الدراكين والقواد الميدانيين، لا إلى الخطباء المصاقع والشعراء المفلقين، حيث الخطيب والشاعر يكون واحدا أو اثنين،لا أن يكون الجميع خطباء والشعراء! ومما يلهمنا التركيز على الفعل أن غالبية المواضع في القرآن الكريم حينما يرد فيها ذكر الإيمان يتبعه ذكر الأعمال الصالحات إشارة إلى أن الهدف من الإيمان ليس مجرد القول والنطق بالشهادتين، بل لا بد من تقويته وتحسينه بالأعمال الصالحة والأفعال الحسنة.

إضافة إلى ذلك نجد أن جسم الإنسان فيه لكل عمل جارحة فنجد أن جارحة الكلام والقول واحدة وهي اللسان، وأما جوارح العمل والفعل فأكثر بكثيرحيث الرجلان واليدان والأذنان والعينان والأنف والأسنان.

فالنهاية أن أي أمة أرادت العز والرفعة والعلو فعليها بالعمل والفعل، وأي أمة أرادته بغير ذلك فقول الشاعر يكفي لها نصيحة:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ـ  إن السفينة لاتجري على اليبس

فإذا أردنا نحن أن يكون لنا مجد كما كان لأسلافنا الأخيار وأجدادنا الأبطال ولنكون قدوة لغيرنا، مفخرة لأحفادنا لن يتحقق هذا الغرض العظيم إلا باتباع خطواتهم واقتفاء آثارهم، والتمسك بأوامر القرآن الكريم ومتطلبات الأحاديث النبوية الشريفة لنكون ممتثلين لقوله صلى الله عليه وسلم ” تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ” (5)

لنأمن خزي الدنيا وعذا الآخرة، ونكسب عزة الأولى وكرامة الأخرى


[1] ـ الصف: 2 ـ 3.

[2] ـ صحيح الإمام مسلم: باب بيان النهي عن المنكر، رقم الحديث: 186.

[3] ـ سورة التوبة: 36.

[4] ـ الأنفال: 60.

[5] ـ موطأ الإمام مالك: باب النهي عن القول بالقدر، رقم الحديث: 1628.