المخططات الإجرامية لتغير الثقافة الأفغانية

زبير صافي

من المعلوم أن سيطرة الأمريكان وأعوانهم علی أفغانستان قد رافقتها سيطرة الفكر والثقافة والمساعي المتداومة لتقليل شأن الشعب الأفغاني الثقافي واقتلاع هويته الإسلامية الأصيلة ، والقيام بالمحاولات المكثفة لإضعاف عقيدة هذا الشعب الأبي ومن ثم بذل كافة الجهود لزرع التقاليد والقيم الأمريكية في نفوس أهالي هذا البلد المنكوب، ومن هنا قد سخروا كل الموارد والوسائل للوصول إلی هذا الهدف المشؤم، وبدأوا بتنفيذ المخططات الإجرامية طبق مؤامرات مدبرة من خلال زرع بذر الشقاق والتفرقة في المجتمع وإيجاد التشتت الفكري والثقافي، وتغيير المنهج الدراسي، وتعزيز الفرق الهدامة وغيرها ..وضمن هذا المقال سوف نوضح أهم ما تتخذه أمريكا لبسط نفوذها الثقافي والفكري علی شعبنا المسلم المحافظ علی أصالته الدينية والاجتماعية والثقافية، وما واجبنا في أفغانستان تجاه هذا التحدي الكبير وماذا علينا أن نتابعها في الإنتهاج لشل المؤامرات المغرضة ببسالة وجرأة كاملة، وما سبل مواجهة الأعداء ومقاومتهم، وبناء عليه فإننا نسرد بعضا من تلك التحديات علی النحو التالي:

1- فتح المجال الثقافي للفرق والمنظمات المنحرفة في تكثيف الأنشطة:

إن أخطر ما يواجهه الشعب الأفغاني بشكل خاص في أفغانستان هو تغيير هوية الشعب الأفغاني عموما والشباب خصوصا عن طريق تحويل أفغانستان وتغييرها نحو الأمركة، والمحاولة لتغليب الإسلام الحداثي أو الإسلام المتحرر ـ الذي يسمونه بـ”Moderate Islam” ـ في أفغانستان- على الإسلام الصحيح، وهكذا يسمونه والإسلام منه بريء وكذلك الحال في بقية الأمور من ازدياد الأنشطة الدعوية للفرق والمذاهب الأخری ونكتفي بالإشارة إلی شيء منها علی الشكل السردي فقط لا الحصر:

{بثت قناة الجزيرة في 4 مايو صورا تظهر قيام جنود أمريكيين بتوزيع نسخ من الإنجيل على السكان المحليين بالقرب من قاعدة باجرام العسكرية قرب العاصمة الأفغانية كابول ،والدليل على ذلك أنه بجانب الصور بثت الجزيرة أيضا فيلما وثائقيا أنتجه الأمريكي برايان هيوز وهو عسكري سابق بأفغانستان ويظهر بعض الضباط والجنود الأمريكيين في جلسات دينية خاصة يتحدثون عن أهمية نشر تعاليم المسيحية في صفوف الأفغان.

وفي مشهد من الفيلم المذكور، يلقي أسقف بالجيش الأمريكي أمام الجنود كلمة يؤكد فيها أهمية التبشير الذي يصل إلى مستوى العمليات القتالية بقولهالجنود يصطادون الرجال، ونحن علينا أن نصطاد الرجال من أجل دعوتهم إلى مملكة الرب عبر التبشير”.

كما نشر بن هومان وهو مدير منظمة مسيحية تنشط في مجال الإغاثة رسالة مفتوحة على الأنترنت عبر فيها عن أسفه لأنه لم يجد ولا كنيسة واحدة خلال زيارته لأفغانستان قائلا :” يقف المجتمع الأفغاني على عتبة الموت من دون المسيح، إننا نحتاج إلى وقت أكثر لعرض حقيقة إبن الرب على المسلمين في العالم“.

وفي مقابل ذلك دعت إمارة أفغانستان الإسلامية جميع المواطنين إلی الإبتعاد عن كل هذه الدعوات الهدامة كما توعدت بابا الفاتيكان بعواقب مهلكة إ ن لم يقف هذه الأنشطة التنصيرية ، وحثت بشدة المجاهدين وعلماء الدين وكل المتدينين…والدوائر على أن يراقبوا بجدية مثل هذه التحركات والأنشطة من جانب الصليبيين وألا يسمحوا لأي شخص بترويج أو نشر الديانات الملغاة ما عدا الإسلام في بلد مسلم”.

2-إيجاد قيادات فكرية فاسدة

وذلك بمحاولة الغربيين لإيجاد القيادات البديلة للشباب من أصحاب فكر الإسلام المتحرر عن سيطرة النص, وتقديمهم كأبطال معركة الدفاع عن حرية العقل ومعارضة الاستبداد الفكري في البلد الإسلامي – بزعمهم-, والمحاولات مستمرة في جميع ربوع البلاد لتجهيز نخبة من شخصيات أفغانية الذين تأثروا بالغرب ـ من أمثال سيما ثمر رئيسة لجنة حقوق الإنسان في أفغانستان, ملالي جويا، ودعا صمد زي، ومحقق نسب كاتب شيعي ومتغرب وعبد الكريم سروش مفكر شيعي متحرر, ومحمد مجتهد شبستري, ونصر أبو زيد وغيرهم ـ كقيادات ثقافية بديلة في المجتمع الأفغاني, ولم ينسوا في هذا الشأن الإهتمام على إحياء الأفكار الخرافية التي لا أصل لها في الدين والنظريات الباطنية عن طريق عقد حفلات الموسيقى في المزارات والأضرحة ومشاركة بعض الوزراء وحكام الولايات والأقاليم فيها ونشرها وتخصيص التغطية الإعلامية لها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة, لأن مثل هذه الأفكار تهيئ لهم التخلص من الإعتناء بالعقيدة الصحيحة طبق أصول الشريعة الإسلامية ومبادئها المستحكمة،وعلی هذا النمط سعوا في نشر الفكر العلماني والدعاية لفكر من يعطي العقل دورا أكبر على حساب الوحي عن طريق عقد الندوات ونشر المقالات في الصحف والمجلات, ومن خلال نشر وترجمة الكتب التي تشكك في العقيدة الإسلامية وتحتوي على خرافات وأباطيل خيالية, فقد ترجمت ونشرت كتب محمد أركون ونصر أبو زيد ويركز على نشر كتب شبستري وكتب عبد الكريم سروش وغيرهم. ..وهي كتب مليئة بالخرافات والسخرية بالدين الإسلامي والهجوم على أصوله ومقاصده والدعوة الصريحة نحو المذاهب الضالة وأهل الخرافات المختلقة كالإسماعيلية في -كيان دره-وكابول العاصمة هذا وقد حاولوا أيضا في الترغيب برفع شعارات القومية والقبلية أوساط العرقيات من بشتون، طاجيك، هزارة، قزلباش، نورستاني ، أزبك، تركمن ، بلوتش، بشيي، أيماق، كوجر…و….، بالإضافة إلی تعديلات في الدستور التشريعي الذي تم ترتيبه تحت ظل الاحتلال الأمريكي، بما يخدم أهداف أمريكان وتهيئ المواقع للحفاظ علی القيم الأمريكية، ..

3- تغير المنهج الدراسي

إن أول ما اهتم به الأمريكان في أفغانستان هو إحداث تغيير عميق في الفكر الأفغاني وهوية شعبه ولا يمكن ذلك إلا بالسيطرة علی مجال التعليم بكل أنواعه من الإبتدائي والمتوسط والجامعي, وفي القطاع الحكومي والخاص؛ وذلك لأهميته وسرعة نتائجه وشمول تأثيره في جميع نواحي الحياة, حيث تخرج المؤسسات التعليمية النماذج القيادية في كل المجالات, وهم يدركون أن كل من ملك التعليم في بلد ما فقد ملك مستقبل البلد كله ولعب بمستقبله.

وأول إجراء اتخذوه في مجال التعليم هو تغيير المنهج الدراسي الذي أعده المركز التعليمي التابع لاتحاد المنظمات الجهادية الأفغانية أثناء فترة الجهاد ضد الزحف الأحمر السوفيتي, وكان منهجا مناسبا وجيدا , وأعد وفق حاجات المجتمع الأفغاني وعقيدته الإسلامية, ولذلك فإن كل من تخرج في المدارس التي كانت تطبق المنهج المذكور ،كانوا موفقين إلى حد كبير في مختلف الموارد العلمية والاجتماعية والشرعية التي عملوا فيها, فكانوا يأخذون حظا وافرًا من كل المواد اللازمة في المجالات المذكورة, وكان يتخرج المتعلم في المرحلة الثانوية ويكون قد أخذ حظا وافرا من المعلومات العلمية والضروريات الشرعية.

أما الفرق بين المنهج الحالي و المنهج الذي أعده المجاهدون, فتتلخص في حذف مجموعة من المواد الدينية؛ مثل التفسير والفقه والعقيدة واللغة العربية وغيرها من المنهج القديم, وفي تقليل عدد ساعات تدريس القرآن الكريم للأطفال في المدارس, وقد تم تغيير محتوى الكتب الدراسية في المنهج الجديد بعد الاحتلال الأمريكي, وأدخلوا فيه بعض النظريات التي أثبت العلم فسادها مثل نظرية التطور والارتقاء الدارونية, وصيغت الدروس في المواد الاجتماعية مثل التاريخ والجغرافيا وقراءة البشتو والداري (الفارسي) ونحوها من المواد المهمة في كل المستويات الدراسية بطريقة معينة لتشويه ذهن الطالب بصورة مشوهة واستبدلوا كل ما له صلة بالمبادئ الإسلامية إلى أمور أخرى.

وليس في وسع المعلم أن يحدد الأهداف العامة والخاصة للمادة والدرس بل في كثير من الموضوعات لا يمكن أن يحدد الهدف المعرفي والسلوكي التطبيقي والوجداني من الدرس ولاشك أنه لا بد عند وضع المنهج التعليمي أن ينظر أولا إلی الدرس ما هو الهدف من إيراده في المقرر الدراسي وهل سيحصل أبناؤنا من هذا الدرس شيئا ما ؟ أم فقط سيحفظ الجمل والتراكيب وليس وراءها أية فائدة مرجوة، نعم وقد ذكروا في مقدمة الكتب الدراسية أنها صيغت حسب مقتضيات المرحلة الجديدة, وحسب متطلبات الظروف المحلية والعالمية الجديدة بمساعدة مؤسسة (USAID) الأمريكية التي تعمل في مجال تطوير التعليم وحماية حقوق الإنسان- علی حسب زعمهم-..ولكن تطوير المناهج وتغييرها حسب مقتضيات الظروف وتطورات العلم أمر مهم بشرط أن يكون هذا حاصلا عن ظروف داخلية ووموافقة في نفس الوقت مع تعاليم ديننا الإسلامي وهوية الشعوب المسلمة التي تنشأ على هذه المناهج, أما إذا كان بأوامر من الخارج أو بضغط من جهات لا يُنتظَر أن يأتي من جهتها خير، و خاصة قوى الشر والاحتلال, فهو هدم وتخريب بلا شك للحاضر والمستقبل على السواء.

هذا بالنسبة للمراحل الابتدائية, أما المرحلة الجامعية فتدرك الجهات المعنية أهميتها, وتدرك أيضًا أن الجامعات هي التي تقود المجتمعات, وتوفر لها القيادات في كل مجالات الحياة, ولذلك كان الاهتمام بالتعليم العالي أكثر من أي شيء آخر, وقد أصدرت وزارة التعليم العالي في أفغانستان قرارات تساهم في تنفيذ المطالب الأمريكية, فكان من قرارات الوزارة إلغاء الفصل بين البنين والبنات في الفصول الدراسية في الجامعات, وإقرار التعليم المختلط, مع أن العالم بعد التجارب المريرة يعود إلى الفصل بين الرجال والنساء في فصول الدراسة, وقد نفذ هذا القرار في أغلب الجامعات الأفغانية بالفعل.

وكان القرار الآخر الذي أصدرته الوزارة في هذا الاتجاه هو تقليل عدد ساعات مادة الثقافة الإسلامية, فإن المادة المذكورة كانت تدرس في كل الفصول الدراسية, حيث يتلقى الطالب من خلالها الأمور الدينية المهمة مثل العبادات والمعاملات والفرائض والواجبات والسنن.., فاقتصر تدريسها الآن على فصلين دراسيين فقط.

ولذا إزا هذا الواقع من التحديات الموجهة نحو المسلمين في أفغانستان فيجب علينا أن نشمر من سواعد الجد والإجتهاد في مقاومة الأمريكان في كافة المجالات سواء كان المجال مجالا تعليميا أم إجتماعيا أم عسكريا أم أم دينيا و تربويا وأنه يلزم علينا أن نبلغ الدين لكل العالم عامة و الشعب الأفغاني خاصة وأن نعلمهم بأن الدين له جوانب إنفرادية وجوانب إجتماعية والتي منها العقائد والعبادات والرسومات التي أقرها الشرع الإسلامي والمعاملات والسياسة والإقتصاد والمعاش والحكم والجهاد والتعليم والتربية فكل ذلك نقوم بها وندافع عنها بكل بسالة رفيعة وجرأة فائقة وهمة عالية إذ الغرض من القيام بها رضا الله وأداء الفريضة الدينية الملقاة علی عواتقنا وكواهلنا وأن الله تعالی سيحاسبنا بعدم الاهتمام عليها، و أنه يجب علی المسلمين في أفغانستان والعالم أجمع أن يأخذوا الحيطة والحذر كي لا يقعوا في الفتن وأن يدعموا القضية الأفغانية بكل ما في وسعهم ماديا ومعنويا وإلا فليس من المستبعد أن يلاقي الأمة ما لاقی الشعب الأفغاني من اعتداء عسكري وتحدي ديني في آن واحد …