مأساة أفغانستان ومؤتمرات علماء الدين!

صلاح الدین مومند

 

قالوا: “إنَّ العلماءَ الرَّبانيينَ هم (النُّجوم المضيئةُ) في سماء هذا العالمِ؛ فبهم يهتدي النَّاسُ في مساربِ هذه الحياةِ؛ فإذا غابوا أو غُيِّبوا سادَ الظلامُ الدَّامسُ أرجاء الأرض، وتخبَّطَ الخلقُ في دياجيرِ الظلمةِ؛ فلا يعرفونَ طريقاً، ولا يهتدونَ سبيلاً؛ كما قال أحدُ السلفِ -رحمه الله- : مثل العلماء مثل النجوم التي يُهتدى بها، والأعلام التي يُقتدى بها، إذا تغيَّبتْ عنهم تحيَّروا، وإذا تركوها ضَلُّوا. وكُلَّما عصفتْ بالأُمَّةِ رياحُ الفتنِ العاتيةِ، وضَربتْ بها أعاصيرُ المحنِ القاسيةِ؛ عَظُمتْ الضَّرورةُ إلى هذا الطراز الفريدِ من أهل العلمِ، وصارتْ الأُمَّةُ في مسيس الحاجة إليهِ”.

نعم إن العلماء الربانيين الصادقين هم الذين يُعرفون بمواقفهم في نصرة الحق والغيرة عليه والذود عن حياضه، ليس العلماء الربانيون هم الذين يعيشون الترف مع تهميش قضايا الأمة، في الوقت الذي يرون فيه أمة الإسلام تتمزّق، وبلاد المسلمين محتلة، ودماؤها في كل مكان تسفك، وأعراض المسلمات العفيفات تُنتهك، وشريعة الله تطرح وتنبذ، وحكم الطاغوت يعلو ويُقدّم، وهو مع ذلك لا يحرّك ساكناً.

إن العلماء الربانيين هم الذين يحركهم دينهم والعلم الذي في صدورهم، فيقودون أمة الإسلام للحق والعِز والنصر -بإذن الله- وينصحون لها، وليس مِن العلماء الربانيين من لا يتكلم إلا إذا أمره السلطان، ويسكت إذا أمره السلطان، ويلتمس للحكام الأعذار والتبريرات فيما يقومون به من عمالة للكفار وخيانة لدينهم وأمتهم، إنّ أمثال هؤلاء لا يحركهم دينهم وعقيدتهم، وإنما يحركهم السلاطين فقط.

على سبيل مثال العلماء نذكر ابن تيمية -رحمه الله- حين تأخر سلطان مصرعن الخروج بالجيوش ضد التتار في الشام وتلكأ عن نصرة المسلمين؛ توجه إليه ابن تيمية حتى وصل مصر، واستحث السلطان ومن معه على القتال والجهاد في سبيل الله، ولم يزل بهم يحثهم ويعظهم حتى خرجت جحافل جيوش المسلمين من مصر وتلاقت رايات المسلمين في الشام، “ففرح الناس فرحا شديدا بعد أن كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأموالهم” وهنا يكشف ابن تيمية عن عمل عظيم من الأعمال التي يجب أن يقوم بها العلماء اليوم أيضا، وتقديم مصلحة الإسلام على المصالح الشخصية، وأنه يجب أن تكون مواقف العلماء هي المؤثرة على قرارات سياسية.

فأین أنتم ايها العلماء المدعووين إلى المؤتمر من العالم، إمام التابعین، المجاھد عبدالله ابن المبارك الذي أرسل إلى إمام الحرمین الإمام عیاض والذي كان معروفاُ بكثرة بكائه في الصلاة قائلا له:

یاعابد الحرمین لو أبصرتنا *** لعلمت أنك في العبادة تلعب

من كان یخضب خده بدموعه *** فنحورنا بدمائنا تتخضب.

او كان یتعب خیله في باطل *** فخیولنا یوم الصبیحة تتعب

ریح العبیر لكم ونحن عبیرنا *** رھج السنابل والغبار أطیب

 

قلنا من على منبر هذه المجلة أن “في زمان غابر كان للعلماء دورٌعظيمٌ في تثبيت قلوب المسلمين، وجمع صفَّهم، وبثِّ الهدوء والطمأنينة في روعهم، سيَّما في أزمان الفتن، وأوقات الهرج، فللعلماء دورٌكبيرٌ في توضيح ما أُشِكل على الناس، وردِ مُخطئهم، وانْتشال من وقع منهم في الفتنة والغي والبغي، وليس لأحد من غير العلماء القدرة على هذا الأمر؛ لما يميزهم من فضيلة “الوراثة لعلم النبوة” بما تتضمنه من صفاء العلم وسلامته وصلته بمعين النبوة الصافي. وقد حفل تاريخنا الإسلامي بالعديد من الأسماء التي كان لها عظيمُ الأثر في تجاوز مراحل الفتن، والعبور بالأمة الإسلامية إلى برِّ الأمان، فكم من عالم أوذي في سبيل الحق الذي معه، أو الباطل الذي يعاديه ويناكفه، وهذا الدورُ لم يكن ليقتصرعلى مظهرٍواحدٍ، وإنَّما تنوع بتنوع الفتن، فإن كانت الفتنة فتنة قتالٍ وحروبٍ وهرجٍ ومرجٍ، خرجَ العلماءُ منتصرين لفسطاط الحق، مبصِّرين الناس بصاحب الحق، والواجب على الأمة حيال هذه الفتنة، وهكذا الحال تجاه كل فتنة تعرض على المسلمين، فلم نرَ من العلماء الربانيين في ذلك إلا كل صدقٍ وأمانةٍ وحرصٍ على هذه الأمة، ولم نرَ منهم إلا قُد أتوا نماذج مثالية للإقتداء والتأسي.

فنرجوا من العلماء أن يقتدوا بهم ويفعلوا ويعلنوا ما يثلج صدورنا ولا نتوقع منهم أن ينثروا الملح على جراحنا.

وأما المشاركون باسم العلماء في المؤتمرات والاجتماعات التي تنعقد بأوامر أمريكية، سواء في داخل البلد أو خارجها فلا يجوز أن نسيمهم علماء، بل هم سفهاء الأمة الذين يتاجرون باسم الدين، يحرمون الحلال ويحللون الحرام ويفتون لأجل إرضاء الأمريكان.

فأمثال هولاء لا نعتبرهم علماء، بل هم بغال الفتوى وتابعي الهوى الذين رسموا العار فى جيبن المسلمين، لأنهم تجاهلوا أو تناسو في فتاويهم وبياناتهم ما يجري من مظالم الإحتلال الأمريكي على الشعب الأفغاني، وقالوا إن الحرب الدائرة في أفغانستان هي معركة داخلية بين فئات الشعب الأفغاني، وعليهم أن يتصالحوا.

نقول لهم إن المعركة الجارية في أفغانستان هي معركة مصيرية بين الكفر والإسلام. بين كافر غزى بلاد المسلمين وبين شعب مسلم يدافع عن دينه وعرضه وأرضه وماله. فكيف يكون التصالح؟ فليس هناك إلا طريق واحد للحل، هو أن يخرج المعتدي ويسحب كل قواته معه. { الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} ـ النساء 76 ـ

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.