ما زدنا إلا تماسكا وقوة

دعا الله سبحانه وتعالى المسلمين إلى الوحدة والتآلف ونهاهم عن التفرق والتشرذم، فقال عز من قائل: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ).

وحدة الصف وتوحيد الكلمة نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، وقد امتنّ الله بها على صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً).

الداء الوحيد الذي أضنى جسد الأمة الإسلامية وأنهك قواها هو التفرق. فما دام المسلمون متماسكين متعاونين كانوا أقوياء يحكمون العالم ولم يجرؤ أحد على مهاجمتهم في عقر دارهم، ولكن لما اختلفوا وتفرقوا صارت دماءهم رخيصة تهراق في كل مكان.

وقد أدرك أعداء الإسلام هذا الأمر فكرّسوا جهودهم لتشتيت شمل المسلمين وتمزيق وحدتهم، فمزقوا أولا جسدها إلى دويلات متناحرة ثم إلى أحزاب متباغضة ترى نجاحها في فشل الآخرين.

إن وحدة الصف من أهم مقومات النصر وحسبك أن الله سبحانه وتعالى أكّد عليه ونهى المسلمين عن التنازع المؤدي للفشل فقال عز من قائل: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الآية.

وقد ذقنا مرارة التفرق والتشرذم أثناء الجهاد ضد السوفييت، فقد ضاعت ثمرة الجهاد وأهدرت تضحيات الشعب الأفغاني ومسلمي العالم بسبب تناحر التنظيمات الجهادية؛ نتيجة مؤامرات أعداء المسلمين وإثارتهم الشحناء والفتن بينهم، مما أدى إلى اندلاع الحروب والنزاعات الداخلية، وهكذا تحول النصر إلى هزيمة وخابت آمال المسلمين في إقامة دولة إسلامية عادلة، وتفاقمت معاناة الأفغان ونجح الأعداء من اليهود والنصارى والشيوعين في مؤامراتهم ومكائدهم الشيطانية الخبيثة.

وإن من عظيم منن الله سبحانه وتعالى على الشعب الأفغاني في هذا العصر هو تماسكه تحت راية الإمارة الإسلامية في المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي، والذي بسببه يقترب جهاد الشعب الأفغاني إلى ساحل النجاح، وهذا ما يؤرق أعداء الإسلام ويقضّ مضاجعهم ويقف عائقا أمام تحقيق مؤامراتهم الشيطانية.

وقد استفرغ العدو وسعه وبذل جهده في سبيل تشتيت شمل مجاهدي الإمارة الإسلامية وتمزيق صفهم، وأنفق على ذلك مليارات الدولارات، وشن حربا إعلامية واسعة تهدف إلى زعزعة الصف الجهادي، حتى قاموا بتوفير غطاء إعلامي لتنظيم داعش ليتمدد على حساب الإمارة الإسلامية، وسعوا سعيا حثيثا إلى إنشقاقات وانفصالات في صفها عبر التطميع وعرض إغراءات مادية كبيرة على بعض الأشخاص المحسوبين على الصف الجهادي.

وقد كانت مرحلة إعلان وفاة الأمير الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله ثم استشهاد الأمير منصور -تقبله الله- مرحلة صعبة، إلا أن الإمارة الإسلامية اجتازتها بنجاح، حيث اغترّ بعض الناس بفتنة داعش وانشقت شرذمة قليلة وأعلنوا تنظيما جديدا بقيادة “الملا رسول” فسارعت مخابرات العدو واحتضنت كلتا الطائفتين، ثم قامت بدعمهما مالياً وعسكرياً وإعلامياً.

وصبرت الإمارة الإسلامية على الأذى وأرسلت الوفود تلو الوفود إليهم وسعت لإفهامهم بأن خلافكم لا يخدم إلا مصالح العدو، فأدرك كثير منهم الحقيقة ورجعوا والتحقوا بصفوفها، وضمن هذه السلسلة أعلن قبل عدة أسابيع عدد من القادة والعلماء المنشقين عن الإمارة بيعتهم لأمير المؤمنين الشيخ “هبة الله أخند زاده” ورجوعهم إلى صفها.

وبذلك صار صف الإمارة الإسلامية مرصوصاً متماسكاً، يغيظ أعداء الله ويقض مضاجعهم ويؤرق أجفانهم ولله الحمد، (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ).

ونحن إذ نرى وفاقنا ووئامنا فضلا من الله سبحانه وتعالى نعاهده أن نعمل على رصّ صفوفنا ونبذ الفرقة ووضع خلافاتنا جانبا، وأن نكون عباد الله إخوانا نعلي كلمة ربنا سبحانه وتعالى، ونسأله أن يلمّ شمل جميع المؤمنين ويجنبهم الخلافات والنزاعات التي تهدّد وحدتهم وتضعف شوكتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.