متجر کورونا

عماد الدين الزرنجي

 

رغم ما تسبب به فيروس كورونا  في إلحاق خسائر مالية وإنسانية للشعب الأفغاني وللعالم بأكمله، إلا أنه عاد بالأموال الطائلة في جيوب قادة كابل وجميع العاملين في ميدان مكافحة فيروس كورونا. حيث تمكنت إدارة كابل في هذه المدة من استغلال هذا الفيروس الفتاك بتدشين حملة إعلامية واسعة على الإقليمين المحلي والدولي وأقنعت المؤسسات الغربية والدول الإسلامية وغيرها بتخصيص ميزانيات باهضة للقضاء على مرض كورونا في أفغانستان.

وفي بادرة إنسانية قدم البنك الدولي مائة مليون دولار إلى أفغانستان. هذا علاوة على المساعدة التي استلمتها الإدارة من الولايات المتحدة الأمريكية والمقدرة بـ 15 مليون دولار. كما خصص الاتحاد الأروبي مائة وأحد عشر مليون يورو بهذا الخصوص. وقد أعلنت وسائل الإعلام أخبارًا عديدة حول تدفق مساعدات طبية كثيرة من الدول الشقيقة.

كل هذه المساعدات الباهظة كان من الأجدر أن ينفق قسم منها في دعم الفقراء والمساكين الذين لا يملكون نقيرًا ولا قطميرًا. حيث أن هناك شرائح عديدة من المجتمع الافغاني تعاني من وطأة الفقر والبطالة، التي تعد أكثر إضراراً بالشعب من فيروس كرونا.

هذا وارتفعت الأسعار وعمت البطالة جميع المدن والمحافظات جرّاء فرض الحجر الصحي على البلاد. فعجز هؤلاء عن تأمين رزقهم وتوفير حوائجهم اليومية اللازمة.

جنبًا إلى ذلك، رفعت الوزارة المالية ضرائب إيراد الأمتعة اللازمة من الحدود. وتأثير زيادة الضرائب على غلاء الأسعار غير خاف على الجميع.

وكان من المقرر بداية شيوع المرض تأدية ثلاث مائة أفغاني إلى كل أسرة محتاجة يوميًّا. هذا ما وعده أشرف غني في بداية فرض الحجر الصحي على البلاد.

إن هذه الوعود الخلابة لم تكن سوى دعاية إعلامية قبل أن تكون دستورًا حقيقيًا. لذلك لم تف إدارة كابل بها. أما المؤسسات الخارجية كدأبها أتت بمساعدات كثيرة، لو وزعت على الشرائح المحتاجة لكفتها محنة الفقر والبطالة برهة من الزمن. لكن معظم هذه المساعدات سرقت من قبل أصحاب المناصب والقدرة، ولم يصل إلى الشعب إلا الشيء اليسير.

ولاتزال البلاد حتى كتابة هذه المقالة في الحجر الصحي، والأسواق والدكاكين مغلقة والطرق والشوارع داخل المدن مسدودة.

وقد أضرت هذه الأوضاع بالتجار والطبقة المتوسطة، مع ازدياد عدد المصابين يوميًا. أما السؤال الذي يفرض نفسه: هل هذه الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة يوميا، صحيحة؟

هل الواقع ما يعلن، أم هناك واقع آخر وراء الكواليس؟

الحقيقة التي أدركها الجميع ولم تتجرأ وسائل الإعلام على رفع الستار عنها، هي أن الأرقام المعلنة الحالية ملفقة ومزورة. ولاداعي للإنكار أن المرض موجود في البلاد، خاصة في محافظة هرات، بؤرة فيروس كورونا؛ لكن العدد ضئيل جدًا. أدرك الشعب هذه الحقيقة، وقد بدت بوادر الاعتراض فيهم، إلا أن الإعلام الموالي للمحتلين لا يقوم بواجبه الإعلامي.

إن ظلم الحكومة في تزوير الأرقام وإجبار الشعب على إغلاق الأسواق ومحال الأعمال وصمت الإعلام سبب استياء الشعب وغضبهم. ولكن لاتوجد آذان صاغية تستمع إلى صوتهم المدوي. وقد بلغ الأمر بالشعب المسكين أن خرقوا الحجر الصحي وفتحوا دكاكينهم. لكنهم واجهوا إعمال القدرة من جانب الشرطة ورجال الامن. لكن لماذا تزور إدارة كابل أرقام المصابين بفيروس كورونا وتسعى لتأزيم الأوضاع؟

هنالك عوامل عديدة، نخص منها عاملين:

الأول: تأزيم الأوضاع لعرقلة الجهود المبذولة لإحلال السلام في البلاد. مع الأسف لا يهمّ الراقدين على كرسي الحكم في إدارة كابل إلا الحفاظ على دفة الحكم، ولو على حساب خراب البلاد ونهب الثروات وظلم الشعب المسكين. إن الأزمة التي حلت بالبلاد حاليا من نتائج هذا الولع بالحكم. ولاشك أن نجاح مفاوضات السلام سوف ينأى بالعملاء عن الحكم. لذلك تحرص إدارة كابل على تأزيم الأوضاع لتقنع المجاهدين والدول الأجنبية بوقف مفاوضات السلام. إن طلب أشرف غني المتكرر لوقف إطلاق النار لأجل كرونا، من بوادر هذه الخديعة.

العامل الثاني: هو العامل الاقتصادي. إن فيروس كرونا فرصة ثمينة لقادة إدارة كابل ليملأوا جيوبهم من المساعدات التي تقدمها الدول الأجنبية لمكافحة هذا الفيروس الفتاك. وقد جلبوا خلال هذه المدة مساعدات كثيرة وقسموها بينهم، واشتروا بها بعض الأدوية الفاسدة والآلات الطبية، ولونوا بعض المباني المبنية من قبل، وأعلنوا عبر الإعلام أنهم بنوها حاليا.

لكن بقيت مساعدة كبيرة سوف يسلمها الاتحاد الأروبي إلى أفغانستان. والاستمرار في تزوير الأرقام والتشديد في إغلاق الأسواق ومحال الأعمال سوف يمتد إلى أن تسلم هذه المساعدة. لذلك يجري في هذه الأيام دعاء على لسان شعبنا يدعون مستهزئين بقادة كابل: اللهم عجل بمساعدة أوروبا.

 

ماهي الدلائل التي تجعلنا نشك في الارقام المعلنة؟

الواقع المشاهد لا يحتاج إلى دليل. الشعب جميعًا يعلم أن هنالك سماسرة ووسطاء يبحثون عن أشخاص سليمين ويقدمون أنفسهم على أنهم مصابون بفيروس كرونا مقابل تسلم ثلاث مائة أفغاني.

ويبحثون عن أموات يدعون بأنهم من ضحايا الفيروس، فيلتقطون الصور ثم يسلمون الميت إلى وارثه، ويعطونه مائة ألف أفغاني، وبعد ذلك يدفنون التابوت خاليا. هذه حقيقة مؤلمة وقف عليها جميع الشعب.

والدليل الثاني هو أن وزير الصحة أعلن أن أكثر المصابين من الشباب. وهذا خلاف يجري في البلاد الأخرى، حيث يشكل الشيوخ والذين يعانون من أمراض خطيرة سابقا أكثر المصابين بالمرض.

أما الدليل الثالث فهو أن أطباء من إيطاليا جاءوا إلى هرات قبل أسبوع لمعالجة المصابين بكرونا، فتوقف عدد المصابين الجدد فجأة، ولكن بعد ذهابهم أخذ العدد بالارتفاع.

فلاحول ولاقوة إلا بالله. الشعب المسكين غارق في بحر الفقر والجوع، والبلاد معطلة، وموارد الرزق مسدودة، وهناك قلة على رأس الحكم يملؤون جيوبهم ويسوقون البلاد نحو الدمار والخراب. فإلى الله المشتكى وبه المستغاث.