مجزرة حفّاظ القرآن؛ الوجه الإلحادي لإدارة كابول!

سيف الله الهروي

 

يعقد احتفال بمناسبة تكريم أطفال ويافعين أكملوا حفظ القرآن الكريم، أهل المنطقة يظنون بأن الحكومة الأفغانية إن لم تحترم الإنسان فعلى الأقل ستحترم القرآن الكريم، ثمّ تُوزّع شهادات التكريم والتقدير على الحفاظ الواقفين في صفوف، وتعلّق باقات الزهور على صدورهم التي امتلأت بآيات كتاب الله تعالى، وتُلفّ عمائم بيضاء على رؤسهم، وهي عمائم الصلح والسلام، والتزكية والنزاهة في العرف السائد في المنطقة. السرور والابتهاج يملآن قلوب الأمهات المؤمنات الغافلات الجالسات المنتظرات لدى نوافذ البيوت. الآباء حاضرون في الحفلة ينظرون إلى الاجتماع وينظرون فرحين إلى براعمهم وكأنّهم لآلئ وقطع من القمر المنير، ولِمَ لا يفرحون بنعمة عظيمة كهذه؟! (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، وأي فضل أعظم من أن يحفظ أولادهم القرآن الكريم، وأي رحمة أفضل من أن يحفظ أولادهم آيات الله في صدورهم. احتفال ديني لا يوصف لأهل تلك القرية لا يوصف بالألفاظ.

جميع أهل القرية والقرى الأخرى يحضرونه، والمخابرات الحكومية على علم بهذا الاحتفال، فأهل القرية أخبروا رئاسة ولاية قندوز مسبقاً بأن لهم احتفال في هذا الموعد. لكن ماذا حدث؟

فجأة! تحلق المروحيات الحكومية فوق القرية، فتطلق صواريخها على الاحتفال، والصواريخ لا تُطلق خطأ، ولا من مسافة بعيدة. فتقوم قيامة القرية، أطفال ومدنيون يتساقطون بالصواريخ والقنابل أشلاء هنا وهناك! تطير أرواح عشرات، ويصاب آخرون، والأحياء منهم يتساءلون ما ذنبهم أن يقصفوا؟ لماذا يجب أن يقتلوا ويقصفوا وهم في وطنهم وفي قريتهم؟ لماذا يجب أن يُقصفوا وقد اجتمعوا لحفلة، وليس لمعركة؟ السؤال الذي لن يجد له البشر جوابا في محكمة حرّة، إن كانت هناك محكمة حرة في هذا العالم الجائر الذي نعيشه.

ظنّ الأهالي بادئ الأمر أن الأمريكان يقصفونهم، لكن خاب ظنّهم لمّا علموا أن الذي قصفتهم هي الحكومة الأفغانية، وهي القوات الجوية الحكومية، نعم! القوات الجوية الحكومية لحكومة تسمي نفسها بحكومة الوحدة الوطنية، قصفت حفلا لتحفيظ القرآن الكريم في شمال أفغانستان، قصفته وكانت على علم بأنها حفلة لتحفيظ القرآن الكريم لا غير. فهي جريمة سواء علمت بأنها حفلة قرآنية أو لم تعلم، فإن كانت تعلم بأنها حفلة قرآنية فهي جريمة بلا شك، وإن كانت لا تعلم فالجريمة أعظم، فكيف تقصف تجمّعا لا تعلم لمن ذلك التجمّع؟

وماهي إلا دقائق حتى تبدّل الأطفال اليافعون إلى طيور للجنة،  وتبدلت عمائمهم البيضاء الملفوفة على رؤوسهم بيارق على قبورهم، وستكون تيجاناً لهم في الجنة بإذن الله تعالى.

مجزرة قندوز نموذج من عشرات المجازر التي ترتكبها القوات الصليبية وعملائها في أنحاء أفغانستان، ولا سيّما في المناطق الشرقية، والتي قد لا تجد تغطية إعلامية مثل ما وجدت مجزرة قندوز، هذه المجزرة أذهلت الكثيرين، لأنها كشفت الوجه الإلحادي لإدارة كابول أكثر من ذي قبل، وكشفت للجميع أنها تقاتل لتردّ الناس عن الدين، وأنها إدارة فاسدة تسعى لمحاربة القيم  الدينية للشعب الأفغاني، وإلا فما معنى استهداف حفلة عقدت بمناسبة تكريم حفاظ لكتاب الله تعالى؟ فقد ذُهل المؤيّدون لإدارة كابول بهذه الجريمة أيضا في أفغانستان، فأصبحوا بين أخرس صامت ساكت، وبين مبرّر يؤوّلها كشأنهم في سائر جرائمها، وبين منكرٍ متجاهل ينكر وجود الشمس في ضوء النهار، ولا ندري ألم يأنِ لهؤلاء أن يتبرأو من السلوك الإلحادي المحارب لهذا النظام بعد كل هذه المجازر والمخازي؟

بدأت مجزرة حفّاظ كتاب الله تعالى في «قندوز» تمرّ بنا كعشرات من المجازر الأخرى بحقّ المسلمين الأبرياء في أنحاء العالم بشكل عادي، فلو كانت هذه المجزرة لمدرسة وكانت غير مسلمة لرأيتم الإعلام العالمي يهتز على المستوى العالمي، ولو كانت لمدرسة عصرية أو حكومية وكانت المدرسة إسلامية لرأيتم ضجيجا إعلاميا في مستوى أقل من ذلك، لكن الحفلة الدينية لا بواكي لها!

ولو هلك بضعة أنجاس من ملحدي الغرب، وقيل: إنّ القاتل مسلم، لوجدنا الإعلام المنافق في كافّة البلدان يعظّم القضية وكأنّ حربا عالمية وقعتْ؛ ولوجدنا المطبّلين المصفّقين للغرب وحضارته الفانية من صعاليك العقل والفهم يُلقون علينا دروساً ومحاضرات في  حقوق الإنسان؛ ولوجدنا الكثير من المنخدعين المخدوعين ممن يزعمون أنهم فهموا سيرة النبي والراشدين دون غيرهم يُلقون علينا في القنوات والشبكة الدولية محاضرات في حرمة دم المستأمن والذمي والسفير؛  ولوجدنا مؤسسات دينية كبيرة تتحرك بمؤتمرات تلو المؤتمرات  لتصدر فتوى بعد فتوى ضد التطرف والإرهاب المزعومين؛ ولوجدنا ملوكا وأمراء ورؤساء متطاولين في البنيان يملأ تعاطفهم ومواساتهم مع الكفر صحف العالم وقنواته؛ ولوجدنا شخصيات دينية لم تخرجْ منهم كلمة واحدة في حرمة دم المسلم طوال حياتهم، تصدر منهم فتاوى ومواقفُ إدانةٍ بعد إدانة، مستندةً بآياتٍ ورواياتٍ ومبرّراتٍ ومؤولاتٍ.

لكن حملة القرآن الكريم لا بواكي لهم، فلا أحدَ عاتب القوّات المتعاونة المتحالفة مع الولايات الملحدة في كابول، ولا نظم أحدهم احتجاجات واسعة واعتراضات شعبية ضدها في العاصمة، ولا أحد عبس في وجه الأحزاب السياسية والشخصيات المتعاونة مع الاحتلال الأمريكي، فكأن شيئا لم يحدث، ولا  أحدَ ذكّرنا بمواثيق حقوق الإنسان، ولا أحدَ تلا علينا آيات من القرآن الكريم في حرمة النفس وكرامة الإنسان، وأنّ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعا، ولا أحدَ ذكّرنا بسيرة المصطفى  صلى الله عليه وسلم وسيرة الراشدين رضي الله عنه في حرمة دماء الأبرياء والحفاظ على أرواح المستضعفين من النساء والأطفال.

كلّ ذلك بسبب أنّ القادة المجرمين للمجتمع الجاهلي المعاصر قسّموا شعوب العالم رسميا إلى فريقين: إلى كفّار وفسّاق وفجّار أبرياء وإن ظَلموا وأفسدوا وأجرموا وقصفوا ودمّروا، وإلى مسلمين ملومين معاتبين مخطئين وإن ظُلموا وأخرجوا من ديارهم، وقتلوا بغير حقّ.

إن هذه القيادة المجرمة للعالم يجب أن تتغير، وإن هذه القيادة الإجرامية يجب أن تصلح، بل يجب أن تعود هذه القيادة إلى المسلمين، ويجب أن يسعى المسلمون لذلك، وإلّا يفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.